عمان اليوم

كهف البقر وحصاة الكتاب ومطحنة الحبوب.. ملتقى لأهالي الرجمة بالعوابي ومقصد للزوار قديماً

16 يوليو 2021
غادرها سكانها منذ أكثر من 40 عاما لعدم توفر خدمات المعيشة
16 يوليو 2021

سالم بن مبارك الذهلي:

من يرى الرجمة الآن يصاب بالذهول والحزن على ما كانت عليه

العوابي- خليفة بن سليمان المياحي -

تحتضن ولاية العوابي عددا من القرى والأحياء السكنية تمتد من العلياء آخر قرى وادي بني خروص بمحاذاة نيابة الأخضر، وحتى قرية الصبيخاء أولى القرى التابعة للولاية من جهة الشرق والمحاذية لولايتي نخل ووادي المعاول، وجميع تلك القرى مأهولة بالسكان وبرزت فيها معالم التطور والبناء العمراني الحديث لدرجة أنك لا تجد مساحة متبقيّة للبناء فلعمران امتد من حافة الأودية وحتى الجبال... باستثناء قرية (الرجمة) فبدل أن تعمّر وتبنى لتظهر بحلة جديدة كبقيّة البلدان، للأسف باتت مهجورة ولم يبق من منازلها إلا أسقف متهاوية وجدران منهارة وأبواب مكسرة وطرق مندثرة فأصبحت أطلالا من الماضي إذ لا أحد يسكنها أو يذهب إليها إلاّ للنزهة واستذكار ماضيها فما الذي أوصل القرية لهذا المستوى؟ والسؤال لماذا هي مهجورة بعد أن كانت عامرة بالإنسان قبل البنيان وتدّب فيها الحركة ليل نهار وكانت محط القادمين والمغادرين عنها فهناك السبلة والعريش خصصتا لاستقبال الضيوف الذين كانوا يأتون القرية كونها تربط طرق وادي بني حراص بوادي الخلو مرورا بقرى المطيرفية والسهل وطحب والسويقمة والغبرة وسقلة والفيق فهي نقطة التلاقي ولم تكن الطرق ووسائل النقل موجودة وكان الاعتماد على الدواب والمشي، والعريش معروف بكثرة التجمع والتواصل بين الأرحام والأصدقاء خلال تلك الفترة واليوم لم يصبح له وجود؟. تعريف القرية: هي واحدة من أقدم القرى الشرقية التابعة للولاية تقع شرقي طوي السيح وتحيط بها الجبال والأودية من كل الجهات وأشهرها أودية الرجمة والصير وشراج (اللجل والمعيقل وغورالبوتة) ويقع في الشرق منها كهف كبير كان في الماضي يأوي الكثير من أصحاب الماشية ويسمى (كهف البقر) ويتسع لنحو ثلاثين شخصا (الكهف تأثر بهطول الأمطار من الأعلى وبمجرى الوادي من الأسفل ولم يعد كما كان سابقا)، وكانت الأرض الزراعية تشكل مصدر رزق للأهالي كونها خصبه فتزرع فيها أصناف النخيل وأنواع الأشجار من الفواكه والحمضيّات، ويوجد على مشارف القرية من جهة الغرب حجرة كبيرة نحتت فيها كتابات وسميت (حصاة الكتاب) ومن الآثار التي ما زالت باقية (اللجلّ) وهو خزان ماء أرضي بنيّ بالصاروج العماني وكان تجمع فيه المياه تمهيدا للريّ ويسمى (التلجيل) ثم تروى منه الزراعة كونه يتدفق بغزارة وتتم عمليّه الريّ بسرعة فمنسوب جريان فلج القرية ضعيف والري به مباشرة يأخذ وقتا وجهدا أكبر) ويتم التحكم في حبس أو إطلاق الماء بواسطة فتحة على أرضيته في إحدى زواياه وباستخدام عمود من الحطب بطول العصا مع خلقة في أسفلها، كما يوجد وسط القرية طاحونة تقليدية مبنية بالحصى والطين يقوم الأهالي فيها سابقا بطحن الحبوب. ما سبب هجرة الأهالي عنها؟؟؟ كانت القرية حتى نهاية السبعين تدب فيها الحركة والنشاط ويجتمع فيها الأهالي ويستقبلون الزوار وكان المشهد رائعا وجميلا وشهدت بنفسي جانبا من ذلك قبل أكثر من أربعين عاما حينما كنت أسكن طوي السيح، وكان انتقال الأهالي عنها في عام 1980م فسكنوا العوابي والمرتفعات القريبة ومركز الولاية وقرية طوي السيح وتوزع الآخرون في عدد من الأحياء السكنية بالولاية ولم يبق أحد هناك يعمل على إعادة بناء منزله ليستمر العيش وليساهم في إعادة بنائها وتعميرها بعد تهدمت منازلها وحدوث الخراب فيها فما هو السبب الرئيسي لهجرة الناس عنها ؟؟؟ سالم بن مبارك بن منصور الذهلي أحد أبناء القرية ولد وتربى فيها يقول: كانت القرية مزدهرة عامرة بالتواصل واللقاءات بين الناس وكانت الأرض تحرث وتزرع وكنا نأكل من خيراتها وتبدّل الحال إلى ما صارت عليه بسبب عدم توفر مياه الشرب، فبعد أن ضعف الفلج لم يتم توصيل مياه الشرب للأهالي ولأن المنازل بعيدة عن مواقف السيارات، وناقلات المياه لا تستطيع الوصول فلا توجد طريق فلم يكن من حل لديهم إلا مغادرة المكان تباعا مع أسرهم لمواقع تتوفر فيها الخدمات الأساسية وأولها خدمة الماء والكهرباء فكلاهما من أسباب استمرار الحياة فالقرية كانت تعتمد على فلجها الرئيسي الذي ينبع من وادي الصير وعلى فلج العوابي ولكن غارت مياه فلج الرجمة واندثرت ساقية فلج العوابي ولم يبق من مصدر للماء وحاول الأهالي بجهودهم إعادة ترميم وصيانة ساقية فلح العوابي الممتدة لثلاثة كيلومترات لكنهم لم يتمكنوا رغم انهم بذلوا جهدا كبيرا كما أنهم لم يحصلوا على مساعدة من الجهات المعنية مما جعلهم يتوقفون فلم يكن بمقدورهم الاستمرار لضعف دخولهم، فماتت الأشجار وجفت الأرض وباتت خالية من الزراعه فكانوا بين أمرين (أحلاهما مر) أما بقاؤهم فيها وهم يرونها تموت أمام أعينهم ولا يستطيعون فعل شيء وإما ينزحون عنها فآل بهم الحال لتركها لمواقع مختلفة ومن خلال هذا التحقيق يطالب الأهالي الحكومة بإعادة النظر في إنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعادة صيانة الفلج لإيجاد وسيلة لإعادة الحياة إليها. القرية وتاريخها يقول سالم الذهلي: ان القرية قديمه جدا ولا يعرف تأريخ تأسيسها وهي تتوارث جيل بعد جيل وإن تسميّة القرية ( الرجمة ) يتوافق وموقعها الجغرافي فهي بين جبل ووادي وعلى ارض منخفضة كما أن فلجها نسب إليها فيطلق عليه ( فلج ألرجمه ) وهو غيليّ ومنبعه عين تقع وسط الوادي وحاليا منقطع عن الجريان وفي حال هطول الأمطار وجريان الأودية تخرج العين بنسبة قليله جدا ولكنها لا تستمر فسرعان ما تتوقف، وللفلج سبع فرضات ويبلغ عمق الفرضة الواحدة (15 إلى 20 مترا) وجميع الفرض منهارة وبحاجة للصيانة لإمكانية وأضاف سالم الذهلي أن عددا من كان يسكن فيها أكثر من ثلاثين نسمة وبها عشرة منازل كلها قديمه ومتهالكة مبنّية من الطين والحصى ورحل الأهالي عنها وفي الماضي اهتم الجميع بالزراعة وعندما كان الماء متوفرا وصل عدد النخيل إلى 400 نخلة من كل الأصناف كما كان زرع فيها الليمون والفواكه مثل السفرجل والعنب والبر والذرة والأعلاف والقت والبقوليات والثوم والبصل وللأسف الآن النخيل تلفت والبعض يقاوم العطش وكانت الرقعة الزراعية ممتدة من الزراعه من بداية الساقية وحتى آخر مساحة وتسمى (بالضواحي)، وهذا ما يحزّ في النفس فمن كان يعرف القرية ويزورها قبل سنوات فإنه يحزن ويصاب بالذهول وعيناه تدمعان عندما يراها الآن على هذه الحال وقال: كان هناك أمل في بئر يقع بجنب الوادي المحاذي للقرية فيه نسبة ضئيلة جدا من الماء فالمضخة لا تعمل أكثر من خمس دقائق ثم تجف وقد كان في السابق تسقى مزروعاتها من فلج العوابي عبر ساقية يصل طولها لثلاثة كيلو مترات تبدأ من موقع تقسيم الفلج عند الحصن مرورا بقرية الرامي وانتهاء بقرية الرجمة ولكن أصبحت الساقية بحاجة لإعادة صيانتها نظرا للضرر الكبير الذي لحق بها. وقال سالم: طالبنا بالصيانة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه منذ عام 1982م وما زلنا ننتظر الموافقة على دعم الأهالي لصيانة الفلج أو عمل بئر ارتوازي حتى تعود الحياة للقرية كما كانت عليه.