No Image
عمان اليوم

عُمان وإيران.. علاقات تاريخية وجسر يربط الشرق بالغرب

27 مايو 2023
زيارة تاريخية لجلالة السلطان وتوقيع اتفاقيات اقتصادية بين البلدين
27 مايو 2023

تتجاوز آفاق الزيارة التي يقوم بها غداً حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- لجمهورية إيران حدود العلاقات الثنائية بين البلدين، لتكون من بين الزيارات التي تسهم في تغيير مشهد المنطقة وتفتح مسارات دبلوماسية بين إيران والمجتمع الدولي، وبين إيران والدول العربية بما في ذلك دول ذات مكانة مركزية في العالم العربي.

ويراقب المجتمع الدولي هذه الزيارة بكثير من التفاؤل خاصة بعد أن بدأ العالم يرصد نتائج نجاحها حتى قبل بدايتها عبر نجاح الوساطة العمانية في إبرام صفقة تبادل لرعايا متحفظ عليهم في كل من إيران وبلجيكا، وهذه العتبة الأولى مهمة جدا في الأعراف الدبلوماسية الدولية وتعطي الجميع مؤشرا قويا حول أهمية الزيارة بالنسبة لإيران كما هي مهمة بالنسبة للعالم الذي يراقبها، وأن ظروف نجاحها مهيأة.

ورغم أن بحث تعزيز العلاقات الثنائية بين أي دولتين يأخذ أهمية قصوى خلال الزيارات الرسمية التي يقوم بها زعماء الدول وهذا حاصل في هذه الزيارة التاريخية التي يقوم بها عاهل البلاد المفدى لإيران والتي ستبحث تعزيز الجوانب الاقتصادية والاستثمارية بين سلطنة عمان وإيران وتُعيد فتح بعض المشاريع الاقتصادية الكبرى المتعلقة بالطاقة، إضافة إلى توقيع اتفاقيات تعاون مشتركة بين الجانبين فإن أهميتها للعالم تكمن في قدرتها على فتح ملفات دولية شائكة بين إيران والمجتمع الدولي، وهي ملفات تنذر بالكثير من الخطر فيما لو بقيت تتدهور كما هو حالها الآن.

وتسعى سلطنة عمان منذ سنوات طويلة لتسوية الخلافات العميقة بين إيران والمجتمع الدولي، بما في ذلك دول عربية عدة وصلت علاقاتها مع إيران إلى طريق مسدود. ولسلطنة عمان أسبابها السياسية والاجتماعية والحضارية والإنسانية، وكلها منطلقات تضعها عُمان أمام عينها وهي تقوم بهذه الأدوار السياسية في المنطقة مما يجنبها أي صراعات عسكرية تقوِّض أمنها واستقرارها.

وفي مطلع العام الجاري ساهمت مباحثات رعتها سلطنة عمان والعراق والصين إلى إعادة العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية بعد سنوات من القطيعة وهي عودة مهمة جدا سواء كان ذلك في رسم سياسات منطقة الشرق الأوسط وتحالفاته الجديدة أو في فتح الباب أمام عودة علاقات دول عربية عدة مع إيران كانت تنتظر الخطوة السعودية منذ زمن.

وتبدو هذه اللحظة التاريخية مهمة لعودة العلاقات العربية الإيرانية التي بقيت حتى قبل سنوات قليلة متشابكة جدا ومعقدة.. لكن المتغيرات الإيجابية التي شهدها ملف العلاقات العربية العربية في قمة جدة الأسبوع قبل الماضي وما تضمنه من عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية ساهمت في تفكيك الكثير من العُقد المزمنة التي تحتاج إلى من يمسك بها قبل أن يصيبها الفتور.

واكتسبت الدبلوماسية العمانية ثقة العالم على اختلاف اصطفافاتهم السياسية والأيديولوجية، بما في ذلك إيران نفسها التي تنظر إلى سلطنة عمان باعتبارها «مركزا للحوار الإقليمي» كما عبَّر عن ذلك وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان خلال زيارته لمسقط في ديسمبر الماضي حيث قال: «إن السلطنة هي مركز الحوار الإقليمي حول مختلف القضايا سواء في ما يتعلق بإيران أو الأزمات الإقليمية، وإن المسؤولين العمانيين أدّوا دائما دورا خيّرا».

وهذه الرؤية الإيرانية لسلطنة عُمان من شأنها أن تفتح آفاقا واسعة للاستماع إلى الرأي العماني في مجمل القضايا التي تحيط بالمنطقة وتتماس مع إيران بما في ذلك علاقة إيران بدول العالم العربي وعلاقة إيران بالمجتمع الدولي، تلك العلاقة التي ما زال يكتنفها الكثير من الالتباس كما يُفهم من تعثر مفاوضات الملف النووي، بغض النظر عن دوافع التعثر وأسبابه، وكما يُفهم أيضا من التوترات السياسية التي لا يبتعد خطابها عن الحديث عن التدخلات العسكرية.

ووسط كل هذا المشهد تبدو سلطنة عمان الأكثر قدرة على السير في وسط هذه التداخلات السياسية وحلحلة التباساتها وتعقيداتها بما تملكه من خبرة وفهم عميق للمنطقة وبما تملكه من ثقة دولية في خطابها السياسي المتزن.

مع ذلك، نحتاج من أجل فهم أهمية الزيارة التي يقوم بها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- لفهم البُعد التاريخي في العلاقة السياسية الدقيقة بين عُمان وإيران وهي علاقة مثيرة للاهتمام بالقدر نفسه الذي تملكه من حيوية وديناميكية في منطقة مثيرة وغريبة مثل منطقة الشرق الأوسط.

تاريخيا، يمكن إرجاع العلاقات العمانية الإيرانية إلى عدة قرون، شهدت الكثير من التجاذبات والتحديات لكنها في الوقت نفسه كانت تنمو وفق أسس حضارية وتتجذر عبر التبادلات الثقافية والاقتصادية وعبر تبادل الأفكار التي تسهم في نمو البلدين على كل المستويات. وحمت تلك الأفكار العميقة العلاقات بين عُمان وإيران في لحظة سقوط أيديولوجيات ونهوض أخرى. وبقيت عمان، بصفة خاصة، تنظر للثوابت التي تأسست عليها علاقاتها مع إيران فكانت ثوابت ومبادئ تستحق التمسك بها لمصلحة الجميع.

وعندما ناقش السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيَّب الله ثراه- في عام 2013 مع الرئيس الإيراني حسن روحاني أهمية تجاوز إيران للفجوة الكبيرة بينها وبين المجتمع الدولي عبر فتح حوار يفضي إلى اتفاق مبادئ وفق ضمانات دولية تحفظ حقوق إيران السياسية وتحفظ سيادتها وافقت إيران على الفور، وقبلها كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد رحّبت بالفكرة رغم ما عبّرت عنه من شكوكها في قبول الطرف الآخر للفكرة.

لقد قاد ذلك الحوار بين السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيّب الله ثراه- وبين الرئيس الإيراني في ذلك الوقت حسن روحاني إلى إبرام واحد من أهم الاتفاقات السياسية في العصر الحديث، وعاش العالم لحظات هدوء انتظرها طويلا. ولا يقلل من أهمية ذلك الاتفاق أن الرئيس الأمريكي ترامب قد خرج منه منفردا في عام 2018، فما زال العالم يتطلع إلى اتفاق جديد بينه وبين إيران، وما زالت جميع الأطراف تثق في قدرة سلطنة عمان على تذليل التحديات وإذابة جبل الجليد بين إيران والمجتمع الدولي ليخطو الجميع خطوات واثقة نحو إبرام اتفاق نووي جديد يملك الكثير من معطيات البقاء والدوام.

كانت سلطنة عمان وما زالت تضع أمام الجميع الخسائر التي تلحق المجتمع الدولي وبما في ذلك إيران من استمرار التوتر والصراع حول الملف النووي الإيراني والمكاسب الكبيرة التي تنتظر الطرفين فيما لو توصّل الجميع إلى اتفاق جديد.. وإيران دولة كبيرة لها ثقلها في مختلف المجالات الحيوية وبصفة خاصة ما تملكه من تقدُّم في مجال الطب والعلوم والتصنيع التكنولوجي الذي حققت فيه الكثير من التقدُّم رغم سنوات الحصار الطويلة.

ومن بين تلك الفوائد التي تحدثت عنها سلطنة عمان لطرفي الصراع موضوع الانتشار النووي نفسه، فكلما أسرع العالم إلى إبرام الاتفاق استطاع إبقاء استخدام إيران لتجاربها النووية في حدود الاستخدام السلمي خاصة بعد أن تخضع لجميع المعاهدات المتعلقة بعدم انتشار السلام النووي، وهذا الأمر من شأنه أن يسهم بشكل كبير في استقرار منطقة الشرق الأوسط، وهي منطقة مليئة بالمنافسات التاريخية والتوترات الجيوسياسية. وإضافة إلى الفوائد العسكرية هناك فوائد اقتصادية حيث يسهم رفع العقوبات عن إيران في إعطاء الاقتصاد الإقليمي والدولي دفعة كبيرة خاصة في مجال الطاقة.

أما اندماج إيران في المجتمع الدولي فمن شأن حضورها أن يثري الكثير من المجالات من بينها البحث العلمي وخاصة في مجالات الطب والهندسة والعلوم البيئية وعلم الآثار، والجوانب التعليمية والتفاهمات الثقافية.. وستستطيع إيران مع الوقت الوصول إلى أسواق التكنولوجيا في العالم ما يعزز تطورها التقني وقدرتها على مواجهة التحديات العالمية خاصة في مجال التغيرات المناخية والأوبئة التي باتت تهدد العالم أكثر من أي وقت مضى.

لهذه الأسباب وأسباب كثيرة غيرها ينظر العالم إلى زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- لإيران غداً ويعتبرها زيارة تاريخية يمكن أن تصنع فارقا في المسارات السياسية في منطقة الشرق الأوسط في لحظة تاريخية فارقة في العالم أجمع. وبذلك يواصل عاهل البلاد المفدى الأدوار التاريخية التي تقوم بها عُمان في صناعة المشهد السياسي في المنطقة على أسس الحوار المتبادل وإرساء ثقافة السلام والوئام بين الجميع.