عمان اليوم

سلطنة عُمان .. دور ريادي وسمعة عالمية في دعم ذوي طيف التوحد

17 يوليو 2025
العضوية الكاملة في ( QABA) تعكس الجاهزية وترسّخ معاييرالجودة
17 يوليو 2025

Image

يُعد الإعلان عن حصول المركز الوطني للتوحد في سلطنة عُمان على العضوية الكاملة في الهيئة الدولية لاعتماد تحليل السلوك التطبيقي (QABA)، كأول عضو رسمي كامل في المنطقة العربية، ثمرة جهد جماعي وتعاون فني عالي المستوى، استند إلى خطة تطويرية شاملة تضمنت تدريب الكوادر وتأهيل البنية المؤسسية.

ويُعد اعتماد المؤسسات من جهات دولية مرموقة أحد أهم مؤشرات التميز المؤسسي، ما يبرز الدور الريادي لسلطنة عُمان في تبني أفضل الممارسات المبنية على الأدلة العلمية.

وفي حوار لـ «عُمان»، تسلط الدكتورة نادية بنت علي العجمية، مديرة المركز الوطني للتوحد، الضوء على أبعاد هذا الإنجاز، وتفاصيل الاعتماد، والمعايير التي تم تحقيقها، إلى جانب الأثر المتوقع على الأطفال والأسر والكوادر العاملة، والرؤية المستقبلية التي يسعى المركز إلى تحقيقها في إطار هذا الاعتراف الدولي.

خلفية العضوية ومعناها

أوضحت الدكتورة نادية أن الهيئة الدولية لاعتماد تحليل السلوك التطبيقي (QABA) هي مؤسسة مستقلة غير ربحية تُعنى بوضع واعتماد المعايير المهنية في مجال تحليل السلوك التطبيقي (Applied Behavior Analysis - ABA). وأشارت إلى أن الهيئة أُسست بهدف تنظيم مهنة تحليل السلوك وفق أطر علمية دقيقة، وتمنح شهادات مهنية معترف بها دوليًا مثل QBA (محلل سلوك معتمد)، وQASP-S (مساعد محلل سلوك)، و(ABAT) فني تحليل سلوك.

وأضافت أن QABA تُعد مرجعية عالمية نظرًا لاعتمادها على منهجيات مبنية على الأدلة، وإشرافها على تأهيل وتقييم الكوادر العاملة في ميدان تحليل السلوك. كما بيّنت أنها تُعتمد من قبل عدد من الهيئات الصحية والتعليمية الدولية، وتُطبق معايير صارمة تتعلق بالكفاءة المهنية، والسلوك الأخلاقي، والتطوير المستمر، مما يجعل اعتمادها مؤشرًا على التميز والموثوقية في تقديم خدمات تحليل السلوك للأفراد، لا سيما لذوي اضطراب طيف التوحد.

وركّزت على أن حصول المركز الوطني للتوحد على العضوية الكاملة في QABA يُعد إنجازًا نوعيًا يضع سلطنة عُمان في مصاف الدول التي تُطبق أعلى المعايير العالمية في خدمات التأهيل السلوكي، منوّهةً بأن العضوية تعني أن المركز قد استوفى المعايير المهنية التي وضعتها الهيئة، والتي تشمل جودة الخدمات، كفاءة العاملين، التزامهم بالأخلاقيات، واعتماد المناهج المبنية على البيانات والتقييمات الموضوعية.

ولفتت إلى أن العضوية تمثل أيضًا اعترافًا دوليًا بالنهج الذي يتبناه المركز، مما يُعزز من سمعته المهنية ويمنحه فرصًا واسعة للتعاون مع مؤسسات دولية مرموقة في مجالات البحث والتدريب والابتكار، وهي بمثابة ختم جودة يفتح أبواب الثقة أمام الأسر، والمهنيين، وصنّاع القرار في الداخل والخارج.

وحول آلية الترشيح، أفادت الدكتورة نادية أن ترشيح المركز للعضوية الكاملة في QABA جاء بناءً على مبادرة مهنية قادها فريق متخصص من داخل المركز بالتعاون مع جهات دولية، وخضع المركز لسلسلة من التقييمات الفنية والمهنية الدقيقة، تضمنت مراجعة شاملة للسياسات التشغيلية، ونماذج العمل، وآليات تقديم الخدمة، والمؤهلات العلمية للممارسين، وخطط التدريب والتطوير المهني.

وتابعت موضحةً أن عملية التقييم اشتملت على مراجعة أخلاقيات العمل، وتطبيق نظم التوثيق المستندة إلى الأدلة (data-driven practices)، وقدرة المركز على دعم ممارسين محليين للتأهل والحصول على الاعتمادات الدولية المعتمدة من QABA، وبعد استيفاء هذه المتطلبات، مُنح المركز عضوية كاملة تُعد الأولى من نوعها في المنطقة على هذا المستوى من التصنيف.

القيمة المضافة

وذكرت الدكتورة نادية أن حصول سلطنة عُمان على عضوية كاملة في هيئة QABA يعزز مكانتها المهنية والعلمية في مجال رعاية وتأهيل ذوي اضطراب طيف التوحد على المستويين الإقليمي والدولي. وأوضحت أن المركز الوطني للتوحد يُصبح بذلك ممثلاً رسميًا لتطبيق أفضل الممارسات العالمية المعتمدة في تحليل السلوك التطبيقي، وهو مجال حيوي يؤثر بشكل مباشر على جودة حياة الأطفال والأسر.

وأفادت بأن هذا الإنجاز يضع سلطنة عُمان ضمن شبكة دولية من المؤسسات المعتمدة التي تلتزم بمعايير الجودة والتطوير المهني، ويمنحها الثقة في تقديم خدمات ذات موثوقية عالية، كما يرفع من مستوى الاعتراف الرسمي بالممارسات المهنية داخل السلطنة، ويحفز على تبني سياسات داعمة للبحوث والابتكار في هذا المجال.

وبيّنت أن عضوية QABA تفتح أفقًا واسعًا للتعاون البحثي والمعرفي، حيث يتمكن المركز الوطني للتوحد من الانخراط في شبكة من الشراكات مع مراكز بحثية وجامعات وهيئات معتمدة دوليًا، مؤكدة أن هذا التواصل يتيح تبادل الخبرات، وتحديث المعرفة باستمرار، وتنفيذ مشاريع بحثية مشتركة تسهم في تطوير التدخلات العلاجية وتحسين نتائج الخدمات.

ونوّهت إلى أن العضوية تتيح فرص حضور المؤتمرات والبرامج الدولية، والاستفادة من البرامج التدريبية المتقدمة، فضلاً عن إمكانية استقدام خبراء دوليين لتقديم الدعم والتوجيه، الأمر الذي يثري الخبرات المحلية ويعزز من الكفاءات الوطنية.

وقالت: "سيشكل هذا الاعتماد رافدًا استراتيجيًا هامًا لوزارة التنمية الاجتماعية، حيث يدعم خطط الوزارة في الارتقاء بجودة الخدمات المقدمة للأشخاص ذوي الإعاقة بشكل عام وذوي اضطراب طيف التوحد بشكل خاص. فالاعتماد يعزز من إمكانية اعتماد منهجيات حديثة ومدروسة وفق أطر علمية متقدمة، ما يساهم في بناء بيئة تأهيلية متكاملة".

وأضافت أن العضوية تسهم في رفع معايير التدريب والتأهيل للكوادر العاملة في القطاع، وتحفز الوزارة على تعزيز التشريعات والسياسات الداعمة لحقوق هذه الفئة، بالإضافة إلى تطوير برامج الدعم الأسري والمجتمعي المتكاملة التي تضمن دمج ذوي الإعاقة في المجتمع بشكل فعّال ومستدام.

تطوير الكوادر الوطنية

وتناولت الدكتورة نادية الأثر المتوقع للاعتماد على العاملين، موضحة أن حصول المركز الوطني للتوحد على عضوية QABA يفتح أمام كوادره فرصًا متعددة ومتقدمة للتطوير المهني والارتقاء بمستوى الأداء. وأشارت إلى أن هذه العضوية تتيح لهم الولوج إلى برامج تدريب معتمدة دوليًا، تشمل أحدث المعارف والأساليب في تحليل السلوك التطبيقي، إلى جانب فرص المشاركة في حلقات عمل وندوات تدريبية متخصصة تنظمها QABA وشركاؤها.

ولفتت إلى أن العضوية توفر فرص الإشراف الدولي المباشر من خبراء معتمدين في الهيئة، مما يرفع من كفاءة الممارسين ويعزز جودة الخدمات المقدمة. وأوضحت أن هذا الإشراف يسهم في تحسين تطبيق الإجراءات العلاجية، ويضمن الالتزام بالمعايير المهنية، فضلاً عن توفير بيئة تعلم مستمر ومشاركة في الأبحاث والتطوير.

وأكدت أن هذه العضوية تُعد خطوة أساسية في إطار رؤية المركز الوطني للتوحد لتأهيل كوادر وطنية ذات كفاءة عالية، كاشفةً عن وجود خطط واضحة ومعلنة لتوفير برامج تدريبية متخصصة تساعد الاختصاصيين العُمانيين على اجتياز متطلبات الحصول على اعتمادات QABA المهنية، بما في ذلك دورات الإعداد لاختبارات الاعتماد وبرامج الإشراف المهني. وأفادت بأن المركز يسعى كذلك إلى بناء برامج شراكة مع جهات تدريب دولية لتوفير الدعم التقني والمهني اللازم، بما يضمن تحقيق الكفاءة المطلوبة ورفع مستوى الممارسات المهنية بما يتوافق مع المعايير الدولية.

وأضافت أن العضوية تُعزز من التزام المركز الوطني للتوحد بتطبيق أفضل الممارسات المهنية، مما يرفع من جودة الأداء في جميع مستويات العمل. وبيّنت أن هذا الالتزام يتطلب مراجعة مستمرة للخطط العلاجية، وتوثيقًا دقيقًا للبيانات، وتقييمًا دوريًا للنتائج، مما يرسخ ثقافة الأداء المبني على الأدلة العلمية.

كما أشارت إلى أن العضوية تسهم كذلك في توحيد المعايير المهنية بين العاملين داخل المركز وبين المراكز والمؤسسات الأخرى العاملة في نفس المجال، مما يسهل تبادل الخبرات ويعزز التنافسية المهنية الصحية. وذكرت أن الالتزام بمعايير QABA يرفع من ثقة الأسر والمجتمع في جودة الخدمات، ويدفع الجهات الرسمية نحو دعم وتطوير السياسات ذات الصلة.

تحسين جودة الحياة

وحول الأثر المباشر على المستفيدين، أفادت الدكتورة نادية بأن أولياء الأمور والحالات التي تستفيد من خدمات المركز سيشعرون بوضوح بأثر العضوية من خلال تحسين جودة الخدمات المقدمة، حيث ينعكس ذلك في تقديم تدخلات علاجية أكثر فعالية ومخصصة بحسب احتياجات كل طفل، مع متابعة دقيقة وتحسين مستمر في الخطط التأهيلية.

وأضافت أن العضوية تعني التزام المركز بتطبيق أساليب مبنية على الأدلة العلمية وتوظيف كوادر مدربة تدريبًا معتمدًا، مما يخلق بيئة علاجية آمنة وفعالة تساعد الأطفال على تحقيق تطور ملحوظ في مهارات التواصل والسلوك، وهذا بدوره يخفف من العبء النفسي على الأسر ويزيد من رضاهم وثقتهم في الخدمات المقدمة.

وبيّنت أن من المتوقع أن تقود هذه العضوية إلى تحديث وتطوير مستمر للمناهج التأهيلية، بما يتوافق مع أحدث الأبحاث والممارسات العالمية في مجال تحليل السلوك التطبيقي، مشيرة إلى أن المركز سيعمل على إدخال برامج جديدة ترتكز على تقنيات حديثة وتقييمات مستمرة لضمان فاعلية النتائج.

وتطرقت إلى أن إشراك الأسرة يعد ركيزة أساسية في نجاح برامج التأهيل، موضحة أن مشاركة الأسرة في التدريب وفهم استراتيجيات التعامل مع الطفل تؤدي إلى استمرارية التدخلات وتأثيرها الإيجابي في الحياة اليومية. ومن خلال العضوية في QABA، سيتم تعزيز البرامج التوعوية والتدريبية الموجهة للأسر، بما يمكنهم من المشاركة الفاعلة والدعم المستمر لأطفالهم.

تطلعات مستقبلية

وفي ختام حديثها، عبّرت الدكتورة نادية العجمية عن تطلع المركز الوطني للتوحد، بعد تحقيق عضوية QABA الكاملة، إلى تعزيز موقعه كمركز رائد في مجال تحليل السلوك التطبيقي داخل السلطنة وخارجها. وذكرت أن من أبرز هذه الأهداف تطوير برامج التدريب والتأهيل المهني لتشمل أوسع شريحة من الاختصاصيين العُمانيين، مع التركيز على بناء قدرات محلية مستدامة.

وأضافت أن المركز يسعى إلى توسيع نطاق خدماته لتشمل الفئات العمرية المختلفة والمستويات المتنوعة من الاحتياجات، بالإضافة إلى تعزيز البحوث العلمية التطبيقية التي تساهم في تطوير نماذج تدخل مبتكرة وفعالة. وختمت حديثها بالقول إن هذا الإنجاز يأتي في إطار متكامل مع رؤية سلطنة عُمان الطموحة لتطوير قطاع الرعاية الاجتماعية وتعزيز دمج ذوي الإعاقة في المجتمع بشكل فعّال ومستدام. وأوضحت أن العضوية في QABA تمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الجودة والكفاءة في الخدمات التأهيلية، التي تُعد ركيزة أساسية لتمكين هذه الفئة.