كتابات ورسومات على الصخور
كتابات ورسومات على الصخور
عمان اليوم

رسومات الصخور بمسندم.. رسائل مشفرة من عصور سحيقة

08 يناير 2022
08 يناير 2022

  • عمر الفحل: رموز غامضة لها قيمة حضارية وتحتاج لمزيد من الدراسة

تعتبر النقوش والرسومات الصخرية التي تتميز بها بعض المواقع الأثرية في محافظة مسندم لغزا يستهوي الباحثين والأثريين لكشف ماهيتها والرسائل التي أراد الإنسان القديم أن يبعثها سواء لمعاصريه في تلك الحقب التاريخية أو ربما رسائل مستقبلية لمن سيأتي بعده ليستوطن البقعة التي كان يقطنها فقد تكون رسائل توجيهية أو تحذيرية كل ذلك عبر عنه الإنسان القديم باستخدام أدوات بسيطة من خلال النقر والطرق أو الكشط على الصخور ليعبر عما بداخله ويعكس تفاعله مع بيئته المحيطة به أو عن مشاعره أحيانا.

شهدت محافظة مسندم استيطانا بشريا قديما تمثل في بداياته على المصاطب الصخرية للأودية وبطونها إلى جانب مواقع جبلية وساحلية كشف ذلك المواقع الأثرية المكتشفة والتي عكست الحرف التي عمل بها الإنسان العماني القديم في هذه المواقع كالصيد البري والبحري إلى جانب حرفة الزراعة والتجارة خاصة مع تقاطع الطرق التجارية الحضارية القديمة مع شبه جزيرة مسندم التي تعد ملتقى لهذه الحضارات والتي أخذت منها وأعطتها الكثير من المفردات الحضارية التي عبر عنها إنسان العصور القديمة بالرسم والنقش على الصخور وتضم مختلف ولايات محافظة مسندم مواقع أثرية من هذا النوع.

ولتسليط الضوء على هذا الموضوع التقت "عمان" بالباحث عمر بن علي الفحل الشحي أحد المهتمين في مجال التاريخ والموروث العماني بمحافظة مسندم والذي قال: إن الإنسان القديم في مرحلة ما قبل الكتابة استخدم تصاوير فنية بالحفر أو النقر على الصخور ليرسم حياة كاملة لحضارة قديمة وهي صور تجريدية لشخوص أدمية مفردة أو متجاورة تصور احتفالات جماعية أو مراسم دينية ومشاهد غزوات لأناس راجلين وأنواع من الحيوانات التي تتواجد بالمنطقة مثل الجمال والذئاب والنمور والأحصنة فيما تشير رسوم أخرى إلى وجود مراسم دينية مثل رسم أشخاص يرقصون بشكل دائري تتوسطهم قرابين دينية وفي محافظة مسندم الكثير من الرسوم الصخرية التي تتركز في بعض المواقع القريبة من الجبال أو على ضفاف الوديان والمجاري المائية وتعد مصدراً مهماً للكشف عن أنماط المجتمعات البشرية التي كانت تستوطن محافظة مسندم قديماً من حيث الأنشطة الحياتية والفكرية حيث تسجل احتفالات دينية وسحرية وطقوساً دينية كما يكشف حولها من العلاقات النفعية بين المجتمعات البشرية وبناءً على العمق الحضاري وثراء بيئتها فقد كشف عن نماذج مميزة من الرسوم الصخرية تمثل أساليب متعددة وموضوعات عثر عليها في مواقع متباينة من ولايات محافظة مسندم وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجه الباحثين حيال هذه الرسوم من حيث انتمائها إلى الخط الزمني إلا أن تعدد واختلاف أساليبها وطبيعة موضوعاتها قد تشير إلى انتمائها إلى مراحل زمنية مختلفة تجسد تطور فن الرسوم الصخرية وكذلك تعبر عن شغف منفذيها والتعبير عن مشاعرهم.

  • أدوات وأساليب

وحول أهم الأدوات والأساليب التي استخدمها الإنسان القديم في محافظة مسندم للرسم الصخري يقول عمر الفحل: عندما يرغب الفنان القديم في رسم أحد المناظر فانه يقوم باختيار سطح الحجر الملائم ثم بعد ذلك يتم الصقل بأدوات حجرية حادة وبمساعدة رمل ناعم أو مبلل والنتيجة تكون رسم غائراً وواضحا أما بالنسبة للأساليب والأنماط المتبعة في الرسوم الصخرية بمحافظة مسندم فقد تعددت الأساليب في محافظة مسندم من حيث الأسلوب المتخذ في رسم الأشكال حيث كانت هذه الرسوم تتميز بسمات معينة لغرض تأمين التعريف بالعمل الفني أو لأي أسباب أخرى وهذا العمل الفني للأشكال يتواصل ويستمر منذ فترات قديمة حتى فترات متأخرة ويمكننا كذلك التعرف على أساليب وطرق متنوعة على أساس وجود سمات معدلة ومميزة لكل فترة من الفترات كذلك اختلاف طبقات النحت التي تحدد هذه الأشكال وطرق تنفيذها على الصخور.

  • الأساليب والأنماط

وهنا يشير عمر الفحل إلى أنه قد تم تقسيم الأساليب والأنماط بحسب الأشكال التي وجدت على الصخور في محافظة مسندم كالتالي:

-الأشكال الآدمية: حيث إن معظم الأشكال الآدمية التي كانت في أغلب المواقع في محافظة مسندم جاءت معظمها وهي ممتطية للحيوانات سواء كانت خيولا أو جمالا أو حميرا وفي بعض المناطق نرى وجود شكل أدمي منفرداً دون ركوب إحدى هذه الحيوانات كما وجد أيضاً على رسم شخص يحمل بيده رمحاً أو سيفا وأيضاً توجد رسوم أشكال من الفرسان وكأنهم في معركة حاملين سيوفا ورماحا.

-الأشكال الحيوانية: ومما يدل على تفاعل الإنسان القديم مع بيئته ومكوناتها نجد أن الإنسان القديم قد اهتم بما يدور حوله من الطبيعة وما فيها من كائنات حية حيث إنه قام بتوظيفها واستخدامها في حياته اليومية أو كان يقوم باصطيادها إما للاستفادة منها في الطعام والملبس أو لقتلها خوفاً منها أو أنه كان يعبدها فما كان منه إلا أن يقوم بتنفيذ وتوثيق هذه العمليات على المسطحات الصخرية هذه وقد عثر على العديد من الأشكال الحيوانية المختلفة الأنواع في محافظة مسندم كالخيول حيث عبر الإنسان القديم عن العديد من وظائف الخيول بطرق مختلفة معظمها عبارة عن التنقل بقافلة تجارية أو في معركة أو لفارس يمتطيها تعبيراً عن الشجاعة كما تميزت هنا أشكال الجمال عن الخيول بطول الرقبة وقصر الذيل واستخدمها الإنسان القديم في مسندم للتنقل في القوافل التجارية والمعارك.

ويضيف عمر الفحل بأنه إلى جانب الحيوانات المعروفة كالخيول والجمال فقد تم العثور على العديد من أشكال الحيوانات المتنوعة نفذت بطرق وأساليب مختلفة عن بعضها البعض فعلى سبيل المثال وجدت أشكال لذئاب ونمور في بعض المناطق وخاصة بالمناطق السهلية كما وجد أيضاً رسم لحيوان الوعل العربي ووجدت رسومات نادرة في ولاية دبا في أحد الوديان لعدة حيوانات في صخرة نذكر منها الأفاعي ورسمة ذئب وثور وطائر غريب الشكل يشبه طائر العنقاء الأسطوري.

  • رموز غامضة

إلى جانب الأشكال الحيوانية المعروفة والمتنوعة يقول الباحث عمر الفحل: لقد تم العثور كذلك على بعض النقوش والرسوم التي لم نجد لها تفسيرا إلى يومنا هذا فقد قام الإنسان القديم برسم أشكال غريبة عبارة عن رموز لم يفهم الباحث مغزاها حيث إنها نفذت بأشكال وطرق مختلفة لتعبر عما كان يدور في مخيلة ذلك الإنسان وعلى سبيل المثال وجدت رسوم هندسية وخطوط متقاطعة نفذت بطريقة بدائية بأسلوب الخدش كما وجدت رسومات أقدام وكفوف آدميين ورسومات تشبه الشمعدان كما وجدت نقوش قريبة للحروف الثمودية القديمة كما وجد أيضاً على رسومات هندسية مربعة الشكل ورسومات لسفن كبيرة وصغيرة.

  • مواقع أثرية

ويشير الباحث إلى أن معظم ولايات محافظة مسندم تضم مواقع أثرية تدل على مواقع الاستيطان البشري القديمة وتعبر عن حياة الإنسان في تلك الفترة فولاية خصب التي تعد حاضرة محافظة مسندم يوجد بها الكثير من المعالم الأثرية وأبرزها حصن خصب وحصن الكمازرة وبرج السيبة وتضم أيضاً مواقع أثرية وتاريخية تحوي رسومات ونقوش أثرية تعود إلى ما قبل الإسلام والبعض منها يرجع إلى حقبة مملكة هرمز ومن أبرز المناطق في ولاية خصب التي عثر بها على رسوم صخرية منطقة قدا ومنطقة الخالدية ومنطقة غب البحرية ومنطقة الروضة التي تحوي رسومات لعدد من الآدميين المسلحين وغير مسلحين ترافقهم بعض الحيوانات مثل الجمال والخيول ورسومات لسفن بحرية ورسومات هندسية عديدة.

أما ولاية بخاء فيوجد بها الكثير من المعالم الأثرية وأبرزها حصن البلاد وبرج القشة وتضم أيضاً مواقع أثرية تحوي رسومات أثرية تعود إلى ما قبل الإسلام ومن أبرز المناطق في ولاية بخاء التي عثر بها على رسومات أثرية منطقة غمضاء.

وفي ولاية دبا التي تعد العاصمة التاريخية القديمة لمملكة مجان والمركز الحضاري لها والتي اشتهرت في التاريخ القديم حيث كانت من أهم الموانئ في تلك الفترة وكانت منطقة مزدهرة اقتصادياً كونها من أهم أسواق العرب في الجاهلية حيث يوجد بها الكثير من المواقع الأثرية أبرزها حصن دبا وحصن الحاجر وحصن الغزاير وقلعة عجوز الواقعة (قلعة الزباء) ومربعة البيعة وتضم أيضا مواقع أثرية وتاريخية تعود إلى ما قبل الميلاد. ومن أبرز المناطق وادي سقطة، ووادي الخب، ومنطقة حرف الجبلية، وجبل الرعلة والتي تحوي رسومات كآدميين مسلحين وغير مسلحين مع جمال وخيول ورسومات لبعض الحيوانات مثل الذئاب والكلاب والحمير والنمور وثعابين ورسومات غريبة وعجيبة لا يوجد لها تفسير لدينا.

كما عثر في ولاية مدحاء التي تقع بين سلسلة من الجبال الطبيعية التي تميز طبيعتها الكثير من المواقع الأثرية أبرزها حصن مدحاء والذي لم يبقَ له أثر حيث هدمه البرتغاليون قبل طردهم من المنطقة ويوجد في ولاية مدحاء بعض الكهوف الأثرية وبعض من الأبراج القديمة فوق التلال، وتضم أيضاً مواقع أثرية منها يعود إلى ما قبل الإسلام وبعضها يرجع لفترات متقدمة من الحضارة الإسلامية ومن أبرز المناطق في ولاية مدحاء والتي تحوي رسومات أثرية منطقة الصاروج وأحداث وسعد.

وهناك مواقع أثرية كذلك في نيابة ليما وهي نيابة تابعة لولاية خصب وهي منطقة بحرية تطل على بحر عمان ذكر اسمها في الكثير من الخرائط القديمة يوجد بها مواقع أثرية من أهمها منطقة القنييف الأثرية وتضم أيضاً مواقع أثرية يعود تاريخها إلى آلاف السنين أبرزها منطقة العلامة الجبلية.

  • أسرار للاكتشاف

ويؤكد عمر بن علي الفحل الشحي باحث تاريخي وأحد المهتمين في مجال التاريخ والموروث العماني من محافظة مسندم في ختام حديثه على أن محافظة مسندم تزخر بموروث حضاري وثقافي وإرث تاريخي يؤكد دورها في الحضارة الإنسانية حيث تقاطعت على أرضها الكثير من حضارات العالم القديم وقد عملت الحكومة ممثلة بوزارة التراث والسياحة للحفاظ على هذا الموروث وفق استراتيجية لتطوير كافة المواقع الأثرية بالمحافظة وإننا كباحثين نطلب ونرجو منهم تكثيف الجهود بإرسال مختصين أثريين لزيارة كافة المواقع الأثرية بمحافظة مسندم والتي تحوي رسومات قديمة نادرة لابد من معرفة أسرارها حيث إن محافظة مسندم لا تزال تضم مواقع أثرية لم يتم إلى الآن كشف ما تحويه من كنوز أثرية.