No Image
عمان اليوم

تحقيق إمكانات المنصات الوطنية

24 يوليو 2025
24 يوليو 2025

((لن نجد حلا سحريا للتنمية، إلا أن المنصات الوطنية من الممكن أن تساعد في دفع أجندات الاستثمار المعقدة، وخاصة عندما تعمل الثغرات المؤسسية في التنفيذ أو التنسيق على إعاقة التقدم، ولكن لتحقيق هذه الإمكانات، يجب على صانعي السياسات إتقان الأساسيات))

كل بضع سنوات، تستحوذ فكرة جديدة على مخيلة الخبراء والممارسين في مجال التنمية. وعلى الرغم من إطلاقها في كثير من الأحيان استنادا إلى نوايا نبيلة وحماس عظيم، فإن كثيرا من هذه المفاهيم سرعان ما تخبو، ولا تترك أثرا دائما. فهل يتسنى لأحدث الأفكار ــ ما يسمى "المنصات الوطنية" ــ كسر هذه الحلقة وتحقيق الوعود؟

على الرغم من غياب تعريف مقبول عالميا لمصطلح "منصة وطنية"، فإنه يشير عادة إلى الأطر التي تتولى بموجبها البلدان النامية زمام المبادرة في تحديد أولويات العمل المناخي والتنمية المستدامة، والتنسيق مع بنوك التنمية المتعددة الأطراف، والجهات المانحة، والقطاع الخاص لحشد التمويل اللازم. إنه مفهوم واعد. ولكن إذا كان للمنصات الوطنية أن تتجنب التحول إلى مجرد اتجاه تنموي عابر آخر، فيجب أن تبدأ بسرعة في تحقيق نتائج ملموسة. والمواءمة بين مختلف أصحاب المصلحة ضرورة أساسية. لكن الانتقال من المواءمة إلى الأثر يتوقف على فهم وإدارة أربع حتميات على الأقل على النحو الصحيح.

تتمثل الأولوية الأولى في الدراسة الدقيقة للأدوار التي تضطلع بها كل من الحكومة والقطاع الخاص. من المرجح أن تعتمد المنصات الوطنية بشدة على الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والتي تكون أكثر فعالية عندما تتخذ الحكومات قرارات استراتيجية حول المجالات حيث من الممكن أن تضيف الاستثمارات والخبرات الخاصة أكبر قيمة ممكنة. من الضرورات الأساسية أيضا إنشاء أطر قوية لتقاسم المخاطر وتحديد شروط التعاقد بوضوح. يمثل مركز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الفلبين، الذي أنشئ عام 2010، نموذجا مفيدا. يعمل المركز بتوجيه من وزارة المالية ووزارة الاقتصاد والتخطيط والتنمية، ويوفر الدعم في المراحل المبكرة من تطوير المشاريع، فضلا عن توجيهات واضحة في مجال السياسات، ومنصة جديرة بالثقة للمواءمة بين مصالح الحكومة والمستثمرين. كانت المشاركة المبكرة مع الغرف التجارية أحد مفاتيح نجاح المركز. ويتمثل عامل آخر في إصلاح قانون البناء والتشغيل ونقل الملكية (BOT)، الذي سمح بالنظر في مقترحات تطوعية، شريطة إخضاعها لتحديات تنافسية. لذا، بدلا من أن تفرض الحكومة حلا محددا، اقترح القطاع الخاص أساليب تتماشى مع الأولويات الوطنية وتحقق أفضل قيمة مقابل المال. سمحت الشراكات الناتجة عن ذلك للحكومة بتحسين تقديم الخدمات، مستفيدة من كفاءات القطاع الخاص وإبداعه من جهة، ومن القدرات الإدارية التي تتمتع بها الحكومة من جهة أخرى. وكانت النتيجة حشد تمويل بقيمة 45 مليار دولار أمريكي على مدار عقد من الزمن ــ وتحول البنية الأساسية السريع في الفلبين.

بيد أن المنصات القطرية تمتد إلى ما هو أبعد من الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والتي قد لا تكون مناسبة للنهوض بأولويات معينة ــ مثل تقديم الخدمات الاجتماعية أو بعض جوانب التكيف مع المناخ ــ خاصة في الاقتصادات الأقل نموا أو في ظل ظروف ما بعد الصراع وما بعد الكوارث. في هذه الحالات، يجب أن يكون القطاع العام قادرا على الإنجاز. وهذا يقودنا إلى الحتمية الثانية: تفويض واضح ودقيق لملكية تنفيذ الأجندة.

بعد أن دمر إعصار ماريا دولة دومينيكا الجزرية الصغيرة في عام 2017، أقرت الحكومة قانون التكيف مع تغير المناخ وأنشأت وكالة تنفيذ جهود التكيف مع المناخ في دومينيكا. وبدعم من تمويل من الجهات المانحة بقيمة 5 ملايين دولار فقط لتفويضها الأولي على مدار أربع سنوات، بدأت الوكالة تعمل في غضون ثلاثة أشهر، مع الاستعانة بموظفين يمتلكون خبرات عالية، ويحركهم حماس شديد، ومعظمهم من الموظفين المحليين أو الإقليميين. ولكن على الرغم من هذه البداية الواعدة، فشلت الوكالة في تحقيق كامل إمكاناتها في أول عامين من ولايتها، وكانت الـمِـلكية المنقوصة أحد أسباب الفشل الرئيسية. على المستوى الرسمي، كانت وكالة تنفيذ جهود التكيف مع المناخ مفوضة بقيادة عملية تطوير وتنفيذ أجندة طموحة محلية لتعزيز القدرة على الصمود. ولكن في الممارسة العملية، لم تُمنح الوكالة السلطة الكاملة التي تحتاج إليها للاضطلاع بهذه المهمة. ربما اعتُبِرت الصلاحيات القانونية الممنوحة للوكالة واسعة للغاية. أو ربما كان أسلوب عملها السريع الوتيرة يمثل خروجا كبيرا عن معيار الخدمة المدنية. أيـًا كان السبب، فقد أُقصيت الوكالة بشكل أساسي إلى دور المستشار، حتى في المشاريع التي كانت خبرتها الداخلية في مجال المشتريات أو البناء لتسمح لها بتغيير قواعد اللعبة. فضلا عن ذلك، لم يكن أمام الوكالة اختيار يُـذكَـر سوى دعم المبادرات التي سبق أن وافق عليها شركاء التنمية، مع نطاقات عمل وطرائق تنفيذ محددة سلفا. لذا، في حين تركت الوكالة بعض الإرث الإيجابي ــ حيث يعود لها الفضل في تطوير خطة دومينيكا للقدرة على التكيف مع تغير المناخ والتعافي منه وبناء القدرات الوزارية ــ فإنها لم تتمكن من إتمام المهمة التي أنشئت من أجلها، فتسبب هذا في استقالة فريق قيادتها الأولى.

الدرس الأوسع المستفاد من تجربة الفلبين ودومينيكا هو أن مواءمة الشركاء الخارجيين وحدها من غير الممكن أن تحقق تغييرا تحويليا. وإذا كان للمنصات الوطنية أن تحقق كامل إمكاناتها، فلابد أن تعمل كآليات محددة وطنيا حقا، وموجهة نحو تحقيق المهام، وتحت قيادة الحكومة بأكملها. ويجب أن تكون الحكومات مستعدة للعمل بطرق جديدة وربما غير تقليدية. يعتمد النجاح على النوايا، والملكية، والقدرات، لكن العنصر الأكثر أهمية يتمثل في الحوافز، والتي تشكل الحتمية الثالثة. من منظور الحكومات، من الممكن أن تساعد الحوافز الخارجية ــ كتلك المستخدمة في مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون أو مبادرة شفافية الصناعات الاستخراجية ــ في دفع عجلة التقدم. وكذا من الممكن أن تساعد آليات داخلية، مثل مَـنح العقود القائمة على الأداء للمؤسسات المملوكة للدولة. من جانبهم، يتعين على شركاء التنمية أن يفهموا أن دورهم يتلخص في دعم الحكومات في تحقيق أولوياتها، وليس تعزيز أولوياتهم الخاصة. وهم في احتياج إلى حوافز تحملهم على العمل وفقا لذلك على مختلف المستويات. على سبيل المثال، ينبغي للمساعدة الفنية أو المنح المقدمة من بنوك التنمية المتعددة الأطراف والجهات المانحة أن تكون موجهة لدعم تطوير المشاريع قيد الإعداد وإنشاء أطر تنفيذ محلية القيادة تبقى قائمة في الأمد البعيد. كما يجب أن تتوفر الحوافز الكفيلة بدفع بنوك التنمية المتعددة الأطراف إلى التعاون، وليس التنافس، فيما بينها. تتمتع المنصات الوطنية بفرصة أكبر لاكتساب مزيد من الـثِـقَل إذا كانت مرتبطة بأدوات تخطيط الاقتصاد الكلي (مثل أطر الإنفاق المتوسطة الأمد وتحليلات القدرة على تحمل الديون المشتركة بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) وغير ذلك من أدوات التمويل الاستراتيجي (مثل مقايضة الديون بالتنمية) ــ الحتمية الرابعة. هذا من شأنه أن يمكّن وزارات المالية من تحديد قيمة المنصات من منظور مالي كلي أوسع، وهو يوضح بمصداقية فوائد زيادة التمويل الميسر لمبادرات النمو والقدرة على الصمود، وبالتالي تحسين التصنيف الائتماني.

لن نجد حلا سحريا للتنمية، إلا أن المنصات الوطنية من الممكن أن تساعد في دفع أجندات الاستثمار المعقدة، وخاصة عندما تعمل الثغرات المؤسسية في التنفيذ أو التنسيق على إعاقة التقدم، وذلك من خلال تحديد ودعم المشاريع الأكثر فعالية. إلا أن النوايا الحسنة والأطر الأنيقة لن تحقق هذه النتائج دون قيادة عامة قوية، ونماذج تنفيذ محددة السياق، وتركيز لا ينقطع على النتائج.

كان بيبوكاي باردويل مديرة مبادرة بريدج تاون والمستشار الخاص بشأن المرونة المناخية لمكتب رئيس وزراء باربادوس، والرئيس التنفيذي المؤسس لوكالة تنفيذ المرونة المناخية في دومينيكا.

سارة جين أحمد، المديرة الإدارية والمستشارة المالية لصندوق CVF-V20، عملت سابقًا كمستشارة للحكومة الفلبينية.

خدمة بروجيكت سنديكيت