No Image
عمان اليوم

تجاهل نتائج الفحص قبل الزواج.. عقبة أمام جهود الحد من الأمراض الوراثية

14 يوليو 2025
ضعف الوعي والجهل بالتاريخ المرضي يفاقمان المشكلة
14 يوليو 2025

- د. يسرى العبرية:

العاطفة والضغوط الاجتماعية تتغلبان على القرار الصحي السليم

التخطيط الأسري الواعي خطوة أساسية وأداة وقائية تحمي الأجيال

تشكّل التوعية الشاملة للمجتمع بأهمية الالتزام بنتائج الفحص الطبي قبل الزواج ركيزة أساسية للحد من انتشار الأمراض الوراثية، خاصة للأسر المقبل أبناؤها على الزواج، حيث إن قلة الوعي تؤدي إلى نتائج وخيمة تؤثر على تكوين الأسرة والجهل بالتاريخ المرضي العائلي يفاقم المشكلة، كما أن العاطفة تؤدي إلى تجاهل التحذيرات الطبية والدفع بالزواج رغم الخطورة المحتملة للتوافق الوراثي.

وقالت الدكتورة يسرى بنت حمّاد العبرية، اختصاصية أمراض دم إن قلة الوعي بالفحص قبل الزواج تؤدي إلى مخاطر صحية واجتماعية وخيمة وتقف عائقا أمام جهود الحد من الأمراض الوراثية مؤكدة على ضرورة نشر الوعي بمفهوم الزواج الصحي الشامل؛ لتقليل الضغط على المؤسسات الصحية وبنوك الدم، وتجنب المشاكل الاجتماعية والنفسية للأسر التي تعاني من هذه الأمراض، بالإضافة إلى التقليل من الأعباء المالية الناتجة عن علاج المصابين.

وذكرت العبرية: إن أمراض الدم الوراثية تنتقل جينيًّا من الأبوين إلى الأبناء، والتي تؤدي إلى وجود خلل في تركيب ومكونات كريات الدم الحمراء ومن أهم أنواع أمراض الدم الوراثية تبرز الثلاسيميا والأنيميا المنجلية، وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة حاملي صفة فقر الدم المنجلي تصل إلى حوالي 6% ونسبة حاملي صفة الثلاسيميا تصل إلى حوالي 2% من إجمالي عدد السكان في سلطنة عمان، وذلك في الفئة العمرية تحت سن الخامسة، مشيرة إلى أنه لا يمكن خفض هذه النسب إلا من خلال إجراء الفحص الطبي قبل الزواج وأخذ المشورة المناسبة.

الإصابة وحمل الجين

ودعت الدكتورة العبرية إلى ضرورة إجراء الفحوصات حتى في غياب التاريخ المرضي العائلة قائلة: لا يقتصر الفحص الطبي قبل الزواج على الأفراد الذين لديهم أقارب مصابون بالأمراض الوراثية، بل ينبغي أن يشمل جميع الأفراد الذين يفكرون في الزواج، سواء من أقاربهم أو من غيرهم. ذلك لأن عدم وجود حالات مرض وراثي ظاهرة في العائلة لا يعني بالضرورة خلو العائلة من مورثات هذه الأمراض.

وحول الفرق بين الإصابة بمرض وراثي وحمل الجين فقط دون ظهور الأعراض أوضحت: يُعرف المصاب بالمرض الوراثي بأنه الشخص الذي ورث نسختين معطوبتين من الجين المسؤول عن المرض (واحدة من الأب وواحدة من الأم)، مما يؤدي إلى ظهور أعراض المرض بشكل واضح، وقد تكون الأعراض مزمنة أو شديدة حسب نوع المرض، أما الحامل للمرض الوراثي فهو الشخص الذي يحمل نسخة واحدة غير طبيعية (معطوبة) من الجين المسؤول عن المرض، بينما تكون النسخة الأخرى من الجين سليمة. وفي الغالب، لا تظهر عليه أعراض المرض، لكنه قادر على نقل الجين المعطوب إلى أطفاله.

نمط حياة المصاب

وحول تأثير الأمراض على نمط الحياة أشارت في حديثها: يعاني مرضى فقر الدم المنجلي من عدة أعراض، تشمل نوبات متكررة من الألم في أجزاء مختلفة من الجسم، مثل: آلام البطن، أو المفاصل، أو أحد الأطراف، إضافة إلى فقر الدم المزمن، والتهابات متكررة، وأعراض سوء التغذية، وقصر القامة، وبطء النمو، وتشوهات في العظام، والخمول والإعياء. أما المضاعفات، فتحدث نتيجة انسداد الأوعية الدموية الدقيقة وتكسّر خلايا الدم الحمراء، وتشمل الجلطات المختلفة في القلب أو الدماغ، وزيادة الإصابة بالالتهابات، واليرقان، وتكوّن الحصوات المرارية، واضطرابات وفقدان البصر، وتأخر النمو عند الأطفال.

أما مرضى الثلاسيميا، فيعانون من أعراض فقر دم شديد، وتشوهات في العظام، وتضخم في الطحال، ويحتاجون إلى نقل دم بشكل منتظم ليتمكنوا من العيش بشكل طبيعي. ولا تظهر هذه الأعراض عند ولادة الطفل، بل تبدأ في الظهور خلال الأشهر الستة الأولى من العمر. وإذا لم يُعالج المرض بالشكل الصحيح وفي الوقت المناسب، فقد تظهر عدة مضاعفات، من بينها تأخر نمو الطفل، وتضخم الطحال، وانتفاخ البطن، وتشوه العظام، وتفاقم مشكلة فقر الدم، والشعور بالإجهاد والتعب المستمر.

وتابعت: أمراض الدم الوراثية تُؤثّر بشكل كبير على نمط حياة المصاب، وتشكّل تحديات مستمرة في مختلف جوانب حياته اليومية مقارنةً بأقرانه؛ فمن حيث التعليم، لوحِظت الغيابات المتكررة بسبب نوبات الألم أو الحاجة إلى نقل الدم أو دخول المستشفى، مما يؤدي إلى فقدان الطالب المصاب لأيام دراسية كثيرة، إضافة إلى صعوبة التركيز والإرهاق؛ إذ إن فقر الدم المزمن يؤدي إلى نقص الأكسجين في الدماغ، مما يُضعف التركيز والانتباه.

أما من ناحية العمل، فإن قدرتهم على تحمّل الإجهاد تكون محدودة، خصوصًا في الوظائف التي تتطلب مجهودًا بدنيًّا أو ساعات عمل طويلة، بالإضافة إلى الغياب المتكرر بسبب العلاج أو النوبات الصحية، مما قد يؤثر على أداء الموظف واستقراره المهني.

كما يعاني هؤلاء المرضى من محدودية في النشاط البدني؛ فالكثير من المصابين لا يستطيعون ممارسة الرياضة أو الأنشطة الخارجية بشكل طبيعي؛ بسبب التعب أو الخوف من تحفيز النوبات. كما أن النوبات المتكررة والتنويم تُحدّ من ممارستهم لأنشطتهم البدنية بشكل كبير، مشيرة إلى أن هذه الأمراض تُلزِم المصاب بنمط حياة مختلف عن أقرانه، لكن مع الدعم الصحيح من الأسرة والمجتمع والمتابعة المستمرة للعلاج، يمكن للمصاب أن يعيش حياة منتجة ومستقرة.

وفيما يتعلق بالتأثيرات النفسية المحتملة على المصاب وأسرته، ذكرت: عبء هذه الأمراض لا يقتصر على الجانب الصحي فقط، بل يشمل أعباءً اجتماعية ونفسية واقتصادية؛ حيث تؤدي إلى أزمات نفسية تنعكس آثارها على جميع أفراد الأسرة، وقد يُصاب الطفل بشعور بالنقص أو بالعزلة الاجتماعية، خاصةً في حال غياب الدعم الأسري والمجتمعي المناسب. كما تترتب على انتشار هذه الأمراض أعباء مالية والتزامات ناتجة عن كثرة التردد على المؤسسات الصحية والتنويم فيها.

العلاجات المتاحة

وذكرت أن علاج مرضى الثلاسيميا يشمل نقل الدم المنتظم، مكملات حمض الفوليك، والأدوية المنظمة لمستوى الحديد في الجسم، بينما يعتمد علاج مرضى فقر الدم المنجلي على إدارة الأعراض ومنع حدوث المضاعفات من خلال مسكنات الألم، والمضادات الحيوية عند الحاجة، والأدوية المنظمة للهيموغلوبين مثل الهيدروكسي يوريا (Hydroxyurea) التي تساعد على تقليل النوبات، ونقل الدم، مبينة أن زراعة نخاع العظم تعد خيارًا شافيًا بينما يعد العلاج الجيني أملًا واعدًا في الأبحاث الحديثة، لكنه لا يزال غير متاح على نطاق واسع.

أهمية التوعية

ودعت الدكتورة يسرى العبرية إلى أهمية التوعية حول الفحص الطبي قبل الزواج لضمان اختيار الشريك المناسب وإنجاب أطفال أصحاء، مما يحمي الأسرة من الضغوط النفسية والاجتماعية، والحد من انتشار بعض أمراض الدم الوراثية.

وأضافت العبرية: توعية المجتمع بأهمية الالتزام بنتائج الفحص الطبي قبل الزواج فهي ركيزة أساسية للحد من انتشار الأمراض الوراثية، ويجب أن تكون التوعية متعددة المستويات وشاملة لجميع الفئات، خاصة المقبلين على الزواج وأولياء الأمور.

فقد أطلقت وزارة الصحة مع بداية العام الحالي الحملة الإعلامية الوطنية تحت شعار "خلي البداية صح" لتعزيز الفحص الطبي قبل الزواج، وتمّ نشر الرسائل التوعوية السمعية والبصرية عبر وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي، ويعد تعاون كافة القطاعات المعنية ركيزة أساسية لنجاح المهمة من خلال نشر المعلومة الصحيحة وتصحيح المفاهيم، والتصدي للتحديات المختلفة، سواء عبر الحملات الإعلامية المؤثرة، أو إدماج التوعية في المناهج الدراسية، أو تفعيل دور المساجد والمجالس الأهلية.

ألم وراثي

وحول رأيها بوعي المقبلين على الزواج بأهمية الفحص الطبي، أوضحت العبرية: في الواقع، يزداد الوعي بأهمية الفحص الطبي قبل الزواج بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، لا سيما مع حملات التوعوية التي تُنظمها الجهات الصحية. كما أن اعتماد برنامج الفحص الطبي قبل الزواج كإجراء إلزامي بداية من عام 2026م سيسهم في زيادة نسبة الوعي بين الشباب. فقد أصبح الكثير منهم يدركون أن الفحص ليس مجرد إجراء روتيني، بل هو وسيلة مهمة لحماية الأبناء والأسر من الأمراض الوراثية المؤلمة.

ورغم التقدم الملحوظ في الوعي، لا يزال هناك تفاوت في مدى الالتزام بنتائج الفحص الطبي قبل الزواج، حيث يقوم بعض المقبلين على الزواج بإجراء الفحص فقط من باب استكمال الإجراءات، دون التعامل بجدية مع النتائج، لا سيما في الحالات التي تُظهر عدم توافق وراثيًّا. وفي بعض الأحيان، تتغلب العاطفة أو الضغوط الاجتماعية والعائلية على القرار الصحي السليم، فيقدم الشريكان على الزواج رغم التحذيرات الطبية، ونصحت بالتخطيط الأسري الواعي كخطوة أساسية لا إجراء شكلي اختياري بل أداة وقائية تحمي الأجيال من أمراض مؤلمة مدى الحياة.