بلدة العارض بالحمراء.. شواهد تاريخية على براعة الإنسان
في ولاية الحمراء بمحافظة الداخلية تقع بلدة عارض بني عدي، إحدى القرى البارزة التي تحتفظ بمكانتها التاريخية والتراثية والسياحية، ويعبر وسطها وادي شعما، الذي يعد من أهم أودية الولاية وأكثرها فائدة في إمداد البلدة وآبارها وأفلاجها بالمياه، ويقسمها إلى ضفتين متكاملتين.
ففي الضفة الغربية تمتد بيوت البلدة من منطقة طوي الزامة شمالًا حتى منطقة الخلوتية جنوبًا، بينما توجد في الضفة الشرقية البساتين والأراضي الزراعية الخصبة، إضافة إلى وجود الحارة القديمة التي تعكس عمق التراث العمراني للبلدة.
ويضم هذا الجانب أيضًا جامع الإمام أبي سعيد الكدمي، وهو أحد أقدم الجوامع في محافظة الداخلية، ويتميز بخصوصية معمارية تعكس مراحل بنائه المختلفة على امتداد الزمن، ما يظهر في تفاوت صفوف الأعمدة والأروقة، إذ يضم بعضها أعمدة مربعة الشكل وأخرى أسطوانية، إضافة إلى جدران غير مترابطة تمامًا. وكان الجامع في الماضي مركزًا للعلماء ومدرسة لتلقي علوم الدين، إلى جانب كونه مكانًا للصلاة، ما يجعله شاهدًا حيًا على الحركة الفكرية والدينية في سلطنة عمان.
وبعد عمليات الترميم، أصبح الجامع يتسع لأكثر من 200 مصلٍ، ويحتوي على خمسة أروقة و14 عمودًا أسطوانيًا وثلاثة أعمدة مربعة الشكل، بالإضافة إلى 21 عقدًا موزعة على أربعة صفوف، ودعامات خارجية ملاصقة للجدران تمنح البناء متانة إضافية. تبلغ أبعاد غرفة الصلاة 16.30 مترًا طولًا و15.20 متر عرضًا، ويصل سمك جدرانها إلى ما بين 70 سم و1.30 متر.
ويضم الجامع محرابين؛ أحدهما داخل غرفة الصلاة والآخر في صرح الجامع، إلى جانب 6 أبواب مختلفة الأحجام، ويحيط به بساتين نخيل من مختلف الجهات، ويحده من الشرق فلج سحراء، ومن الغرب وادي شعما.
المساجد الأخرى
تضم البلدة مسجدًا آخر للإمام أبي سعيد الكدمي شُيّد في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، ليكون مكانًا للعبادة والاعتكاف، وظل ضيقًا وصغيرًا حتى جُدد في 26 شوال 1364هـ الموافق 3 أكتوبر 1945م على يد محمد بن سيف بن ناصر العدوي، فازدادت مساحته بما يعادل ضعفي المساحة الأصلية تقريبًا، وأصبح أكثر اتساعًا.
كما تحتضن البلدة عددًا من المساجد الأخرى مثل مسجد الحصن، ومسجد مال الشيخ، ومسجد طوي الزامة، ومسجد الرمان، ومسجد البستان، ومسجد المشبر، ما يعكس انتشار الطابع الديني والتراثي في البلدة.
وعُرفت البلدة بحصنها المنيع الذي منحها حصانة طبيعية، ويُعد ثاني أقدم حصون ولاية الحمراء بعد حصن الخور. تشير أساساته المبنية من الأحجار الكبيرة إلى أن تشييده يعود إلى فترة مبكرة، ويتميز عن الأبنية الأخرى البسيطة، إذ أُنشئ على منطقة مرتفعة توفر لأهله ميزة الاطلاع على المحيط لمسافات بعيدة. وتضمنت مرافق الحصن مساكن متعددة، بعضها من طابقين والبعض الآخر من طابق واحد، وقد بُنيت على أرض غير مستوية تتفاوت فيها الارتفاعات، وترتبط هذه المباني بطريق رئيسي يمتد في وسط الحصن، وفي نهايته يقع البرج الرئيسي.
وتشتهر البلدة بأفلاجها الغيلية التي تعتمد على جريان وادي شعما، ومن أبرزها فلج سحراء، الذي سُمّي نسبة إلى المنطقة التي يصل إليها في الجهة الجنوبية من العارض، ويمتد لمسافة 1.5 كيلومتر حتى منطقة سحراء في بلدة القلعة، مارًا بعدة مزارع، وكذلك فلج عنكرة في الجهة الغربية من وادي شعما، الذي يسهم في ري الأراضي الزراعية ودعم النشاط الزراعي المحلي.
