المنفذ البري بين السلطنة والسعودية يفتح آفاقا جديدة للتكامل وإنعاش الحركة الاقتصادية
كتبت : شمسة الريامية -
عبر صحراء الربع الخالي يمتد الطريق الجديد الذي يربط السلطنة بالمملكة العربية السعودية بعد أن استغرق إنشاؤه سنوات طويلة نظرا لصعوبة التضاريس حيث الكثبان الرملية العالية ودرجات الحرارة المرتفعة في الصحراء التي تعرف بأنها أصعب التضاريس في العالم.
وتحقق الطريق المعجزة بقوة إرادة البلدين في إيجاد جسر بري ومنفذ حدودي مباشر، ليختصر المسافة بينهما نحو 800 كيلو متر، فيما يجري العمل حاليا على إنشاء المرافق اللازمة لتقديم الخدمات لمستخدميه.
ويعول على الطريق الجديد كثيرا في تعزيز وتوسيع حجم التبادل التجاري والاستثماري وإنعاش السياحة بين البلدين، بعد أن كان المسافر من السلطنة إلى السعودية يستغرق ليالي في رحلته عبر طريق طويل يبلغ 1638 كيلومترا مرورا بدولة الإمارات العربية المتحدة. وأكد رجال أعمال لـ»عمان» على الأهمية الكبيرة التي يشكلها المنفذ الجديد بين السلطنة والمملكة العربية السعودية في تعزيز الحركة الاقتصادية والسياحية في ظل العلاقات الوطيدة بين البلدين والجهود التي تبذل على نحو واسع لتعزيز وفتح آفاق جديدة للتعاون في مختلف المجالات، بفضل السياسة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ـ حفظهما الله.
وقال الدكتور سالم بن سليم بن صالح الجنيبي، النائب الأول لرئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عمان، ورئيس مجلس إدارة الغرفة بمحافظة الوسطى: إن ما نشهده اليوم من حراك وتعاون بين السلطنة والمملكة العربية السعودية في كافة الجوانب الاقتصادية والاستثمارية والتعليمية وغيرها من المجالات هو ثمار للأعوام السابقة من العلاقات الدبلوماسية الثابتة.
وأوضح أن افتتاح أول طريق يربط السلطنة بالمملكة العربية السعودية سيكون له الأثر الكبير من الناحية الاقتصادية وتبادل البضائع الصادرة والواردة بين البلدين، كما يختصر الوقت والتكلفة لعبور الشاحنات، الأمر الذي سيشجع رجال الأعمال من البلدين على التوجه نحو تعزيز استثماراتهم في قطاع اللوجستيات، والنقل وقطاع الشحن والتوزيع. كما سيرفع من أداء الموانئ والمناطق الحرة والاقتصادية بين البلدين.
وأكد أن المنفذ البري بين السلطنة والسعودية سيؤدي إلى تنمية عمرانية وأنشطة تجارية على طول الطريق، فضلا عن زيادة الحركة السياحية بين البلدين.
وقال علي بن سالم الحجري، النائب الثاني لرئيس مجلس إدارة الغرفة، ورئيس مجلس إدارة فرع الغرفة بمحافظة شمال الشرقية إن الطريق البري الذي يربط السلطنة بالمملكة العربية السعودية الشقيقة هو منظومة متكاملة من البنية الأساسية للسلطنة. ومن المرتقب أن يشهد الطريق خدمات أخرى في الفترة القادمة، إذ إن هناك استثمارات بين البلدين في مشاريع اقتصادية وصناعية في مجالات حيوية.
ودعا الحجري أصحاب الأعمال إلى تكثيف العمل مع إخوانهم ونظرائهم السعوديين وعقد الشراكات التجارية معهم، الأمر الذي من شأنه أن يهيئ لمستقبل مشرق يرقى بطموحات البلدين الشقيقين، مؤكدا أن السلطنة والمملكة تمتلكان الكثير من الفرص والحوافز التي تتيح لها النمو والتوسع في الأنشطة الاقتصادية.
ويبلغ طول الطريق البري أكثر من 680 كيلومترا، منها 155 كيلومترا داخل السلطنة، و566 كيلومترا في السعودية.
وقد تم الاتفاق على إنشاء هذا المنفذ في 2006 بتكلفة إجمالية قدرت بـ 250 مليون دولار، حيث مر بمراحل صعبة وتطلب الكثير من الوقت لإنشائه نظرا لتغطية صحراء الربع الخالي بالكثبان الرملية الضخمة، إذ تم رفع وإزاحة 130 مليون متر مكعب من الرمال أي ما يعادل 26 هرما وفق تقديرات الشركة المنفذة للمشروع.
التبادل التجاري
وتكمن أهمية المنفذ البري بين السلطنة والمملكة العربية السعودية في تعزيز حجم التبادل التجاري، وسيساهم في تنشيط حركة النقل البري بين البلدين، إذ ستصل البضائع بشكل سريع ومباشرة بين السوقين العماني والسعودي، بعد ما كانت الشاحنات تمر بأكثر من منفذ حدودي، الأمر الذي ينتج عنه خفض أسعار العديد من السلع وخاصة المواد الغذائية مثل الخضروات والفواكة. كما تعد المنتجات الصناعية والمعدنية واللدائن من أهم المنتجات الرئيسة في التبادل التجاري.
وكان حجم التبادل التجاري بين البلدين نما بشكل مستمر خلال السنوات العشر الأخيرة، إذ يقدر بـ 4.76 مليار ريال سعودي في 2010، ووصل إلى 11.54 مليار ريال في عام 2020.
وقد استحوذت السلطنة على نحو 7.32% من إجمالي حجم التبادل التجاري غير النفطي بين السعودية ودول الخليج خلال الربع الأول من العام الجاري أي ما يعادل 570 مليون دولار، مقارنة ب 610 ملايين دولار خلال الربع الأول من 2020. ومن المتوقع زيادة حجم التبادل التجاري بعد افتتاح المنفذ البري.
وأوضح المهندس حمود بن سالم السعدي رئيس مجلس إدارة فرع الغرفة بمحافظة جنوب الباطنة أن هذا المشروع يأتي مكملا للبنية الأساسية التي عملت السلطنة على تجهيزها وإعدادها لتساهم في تحقيق أهداف وخطط ورؤى السلطنة نحو التنويع الاقتصادي المنشود، إذ إن هذا المنفذ البري واحد بين البلدين ومباشر على عكس حركة النقل البري سابقاً مما يساهم في اختصار الوقت والجهد، بعد أن كانت الشاحنات تمر بأكثر من منفذ. مشيرا إلى أن ذلك يؤدي إلى تقليل التكاليف التي تدفعها شركات القطاع الخاص أثناء مرور الشاحنات في المراكز الحدودية المختلفة التي تربط التجارة بين السلطنة والمملكة، مثل رسوم التخليص الجمركي والتأمين وتأشيرات القوى العاملة الأجنبية.
وقال السعدي: العلاقات التجارية والاستثمارية بين السلطنة والمملكة في تطور مستمر الأمر سيكون له الأثر الإيجابي على رفع معدلات التجارة البينية.
ومن المقرر أن يوفر المنفذ البري بين عمان والسعودية فرص عمل من خلال إقامة مشاريع مهمة على طول طريق الربع الخالي مثل إقامة محطات الوقود والاستراحات والمطاعم والمقاهي ومحلات بيع المواد الغذائية.
التكامل الاقتصادي
وأوضح د. داؤود بن سليمان المحرزي، خبير اقتصادي أن الطريق البري بين السلطنة وجارتها الشقيقة المملكة العربية السعودية يعد نوعا من التكامل الاقتصادي بين البلدين ورافدا مهما وحيويا للفرص الاستثمارية المرتقبة، مشيرا إلى أن السلطنة من الوجهات المثالية الآمنة لجميع الاستثمارات لما تتميز به من عوامل جذب استثمارية متميزة.
وقال: إن السلطنة والمملكة يتطلعان إلى إقامة تكامل اقتصادي يسمح بتعزيز العمل التجاري والاقتصادي فيما بينهما، ويدعم التبادل والتنمية بين الدولتين ويسهم في تعزيز القدرات الهادفة إلى استقطاب الاستثمارات ورؤوس الأموال، خاصة بعد تحقيقهما عدة خطوات رئيسية وفي مقدمتها إزالة العوائق أمام حرية حركة السلع وفتح الخطوط البرية بين البلدين.
وأكد المحرزي أن المنفذ البري بين البلدين سوف يعزز من حركة التبادل التجاري بين البلدين والذي بلغ في 2020 ما يقارب 960 مليون ريال عماني، إذ إنه سيسهل حركة السلع والبضائع وسيخدم المجال اللوجستي بين البلدين بما ينعكس إيجاباً على الاستثمارات الهائلة المرتقبة وسيزيد من النتائج الإيجابية لها.
وأضاف أن: الطريق الجديد المباشر بين البلدين سيدعم المنتجات الوطنية الخليجية ويزيد من القيمة المضافة لا سيما وأن السلطنة والمملكة تتشاركان نفس التوجه في طموحات رؤية عمان 2040 ورؤية المملكة 2030 وخاصة التوجهات الاقتصادية التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد الوطني وتوفير الفرص والبيئة المناسبة للاستثمارات بين البلدين في جميع المجالات الاقتصادية بما يعود بالنفع والفائدة في توفير فرص العمل للقوى العاملة الوطنية.
السياحة
ومن ناحية أخرى، سينتعش الطريق قطاع السياحة بين البلدين من خلال زيارة المواقع السياحية في السلطنة والمعالم الأثرية والتاريخية المختلفة كالقلاع والحصون وغيرها، كما سيسهل على العمانيين زيارة المعالم الدينية والسياحية في السعودية أثناء تأديتهم مناسك الحج والعمرة.
وقال فهد بن راشد الزيدي، نائب رئيس فرع غرفة تجارة وصناعة عمان بمحافظة الظاهرة رئيس لجنة السياحة : إن المنفذ البري الرابط بين السلطنة والمملكة العربية السعودية السعودية سوف يعزز السياحة في السلطنة. فبإمكان الزائر من المملكة زيارة المعالم السياحية وخاصة في محافظة الظاهرة التي تزخر بالعديد من المعالم السياحية من رمال ذهبية جميلة، وقلاع وحصون وأودية وأسواق حديثة وتقليدية وجبال رائعة تبهج الزائر. كما بإمكانه زيارة المحافظات الأخرى التي تتمتع بجو معتدل في الشتاء مثل محميات السلاحف في ولاية صور بجنوب الشرقية، ورمال بدية، وولاية نزوى وما تتمتع به من قلاع وأسواق شعبية، إضافة محافظة ظفار في فصل الصيف التي تتحول إلى جنة خضراء، ومحافظة مسندم التي تتميز بشواطئها الجميلة.
ونوه الزيدي إلى ضرورة توجه القطاع الخاص في السلطنة إلى تطوير المعالم السياحية وتزويدها بالمرافق والخدمات الأساسية، وبناء الفنادق والمنتجعات حتى تكون مهيأة لاستقبال الزوار من المملكة.
وأكد د. داؤود المحرزي على الطريق الحيوي بين السلطنة والمملكة العربية السعودية سيعضد المجال السياحي وسيرفد السلطنة بأعداد هائلة من السياح الخليجيين عامة والسعوديين خاصة لما تتميز به السلطنة من عوامل جذب سياحية متميزة.
وقال: من المرتقب تزايد أعداد السياح من مجلس التعاون والسياح السعوديين، حيث يشكل عدد السياح من مجلس التعاون الخليجي للسلطنة ما نسبته 40% من إجمالي السياح أي بأكثر من 1.4 مليون سائح خلال 2019.
