المظهر في الأماكن العامة.. توازن بين الذوق والحرية الشخصية
يظل موضوع اللباس في الأماكن العامة في سلطنة عُمان قضية حيوية تتجاوز مسألة الذوق الشخصي، إذ يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالهوية الوطنية، والاحترام المتبادل، والانسجام الاجتماعي، كما يمتد ليشمل أبعادًا اقتصادية. وفي ظل تمسك المجتمع العُماني بقيمه الثقافية والدينية، تتجدد النقاشات حول كيفية الموازنة بين حرية الفرد في اختيار مظهره وبين الحفاظ على الذوق العام وقيم المجتمع.
قيس بن بدر الشرياني أشار إلى أن المجتمع العُماني المحافظ لا ينظر إلى الملابس من ناحية الراحة فقط، بل يُؤخذ بعين الاعتبار السياق والمكان، مبينًا أن ارتداء ملابس مثل "كندورة النوم" في الأماكن العامة قد يعد غير مناسب لافتقارها إلى الرسمية والهيبة المطلوبة، خاصة في مجتمع يُقدّر المظهر كجزء من الاحترام المتبادل. ورأى أن على اللباس في الأماكن العامة أن يراعي ثلاثة عناصر أساسية: الاحتشام كاحترام للنفس والمجتمع، والراحة، ومراعاة الثقافة المحلية، مؤكدًا أن المظهر مرآة للهوية.
وأضاف: إن وجود ضوابط معقولة ومنضبطة يحفظ الذوق العام ويعزز التنوع الثقافي دون تشدد، محذرًا من أن الإهمال قد يؤدي إلى تدهور الذوق العام وخلق فجوات ثقافية بين الأجيال، مؤكدًا أن القضية تمس الهوية الوطنية.
وتقاطع عبدالسلام بن سعود المنذري مع هذا الرأي، مؤكدًا أن عدم معالجة هذه الإشكالية سيؤثر على قيم وعادات المجتمع، مما ينعكس سلبًا على الأجيال القادمة.
أما أحمد بن سلطان العميري، فتناول جانب المعايير المؤسسية، موضحًا أن هناك معايير وضوابط للباس كأن يكون ساترًا بغض النظر عن ديانة الفرد، ويجب الالتزام بها بما يحافظ على قيم وعادات المجتمع. وأشار إلى أن بعض المراكز التجارية وضعت لوائح وإرشادات واضحة على مداخلها تتضمن ضوابط اللباس والسلوك، وتمنع الممارسات التي تُخلّ بالذوق العام أو تُزعج الزوار. وأوضح أن المخالفين لهذه الضوابط يُمنَعون من الدخول، مع ضرورة احترام الآخرين في الأماكن العامة، لافتًا إلى أن بعض الأشخاص لا يتقبلون النصح ويعتبرون الأمر حرية شخصية، مما يعرضهم للإحراج أو لاتخاذ إجراءات بحقهم.
ومن زاوية أخرى، تطرّق محمد بن جمعة الخروصي إلى البعد الاقتصادي، مبينًا أن سياسة اللباس في المراكز التجارية تعكس هوية المحل أو العلامة التجارية بوضوح، وأن حسن تطبيقها يحقق راحة نفسية للعوائل ويشجعهم على التردد على هذه المراكز، محذرًا في الوقت نفسه من أن التشدد قد يؤدي إلى فقدان شريحة من الزبائن، ما يشكل تحديًا في موازنة المنافع والمخاطر.
وتشير هذه النقاشات إلى أن قضية ضوابط اللباس في الأماكن العامة ليست مجرد مظهر خارجي أو تقييد للحريات الفردية، بل هي مسعى جماعي لحفظ نسيج المجتمع وقيمه. والاتفاق العام بين الآراء المطروحة يؤكد الحاجة إلى إيجاد توازن يحافظ على الهوية العُمانية والذوق العام من جهة، ويضمن حرية فردية معقولة من جهة أخرى، مع تجنب التشدد المضر بالهدف الأساسي أو بالبعد الاقتصادي.
إن وضع ضوابط واضحة مصحوبة بتوعية مجتمعية رشيدة يمثل الطريق الأمثل لتحقيق هذا التوازن، بما يحفظ الانسجام الاجتماعي ويعزز بيئة جاذبة اقتصاديًا تحترم هوية المكان وتوفر الراحة والأمان لمرتاديه.
