المحتوى الإعلامي العنيف.. تهديد للقيم والأمن المجتمعي
أصبح المحتوى العنيف في وسائل الإعلام واقعًا يواجه المجتمعات الحديثة، وسط الكم الهائل من المواد البصرية والرقمية المتاحة بضغطة زر، والتي تحتوي في كثير من الأحيان على صور ومشاهد عدوانية تحمل الكثير من العنف والشر.
"عُمان" استطلعت آراء مختصين في الإعلام وطب النفس والقانون، إلى جانب وجهات نظر عدد من أولياء الأمور، للوقوف على خطورة هذا النوع من المحتوى، وأبرز أشكاله، ودور الأسرة والمؤسسات في مواجهته.
قال الدكتور شريف نافع من جامعة السلطان قابوس: إن وسائل الإعلام تعرض حاليًا الكثير من مشاهد العنف، مما يؤثر سلبًا على السلوكيات والتصرفات اليومية، ويجعل الشخص أكثر عدوانية.
وأوضح أن الإعلام الرقمي وغيره من المنصات يوفر، بضغطة زر، مشاهد وصورًا عدوانية تحمل الكثير من الشر والعدوانية، مصدرها شخصيات متعددة عبر وسائل الإعلام، ويتأثر بها الكثيرون ويقلدونها، مما يجعل الفرد أكثر عدوانية وعرضة للمشكلات والجرائم والأعمال غير القانونية.
دراسات ونظريات
وذكرت الدراسات الحديثة أن العنف في الأفلام وألعاب الفيديو يشجع على السلوكيات العدوانية، ويستهدف فئة الشباب والمراهقين، مما يحفز السلوكيات العنيفة لديهم. وهناك عدة دراسات وضحت موضوع المحتوى العنيف وتأثيره على الشباب والمجتمع.
وأشار الدكتور نافع إلى وجود نظريات تفسر هذه الظاهرة، منها نظرية الإثارة التي ترى أن مشاهدة العنف في وسائل الإعلام تؤدي إلى الإثارة الفسيولوجية وتنتج عنها سلوكيات عنيفة، ونظرية التعلم الاجتماعي التي توضح أن الأفراد يتعلمون العنف من خلال التقليد والمحاكاة لما يُعرض أمامهم. وفي بعض نتائج الدراسات، تبيّن أن الحاجة ملحّة لتوعية الجمهور، وتطوير السياسات الإعلامية، وتوجيه أولياء الأمور للقيام بدورهم التربوي في ضبط هذا التأثير.
وأضاف أن التأثيرات تتنوع بين مباشرة وغير مباشرة، فالمباشرة تتمثل في المشاهد العنيفة الصريحة، أما غير المباشرة فتتجسد في الإعجاب بشخصيات الأبطال أو الممثلين الذين يقدمون القوة عبر العنف. وأوضح أن الإعلام العربي، خاصة الدراما في شهر رمضان، يحتوي على نسبة كبيرة من الممارسات العنيفة، سواء كانت لفظية أو سلوكية، وهي الأكثر تأثيرًا على الأطفال والمراهقين.
وأكد أن كثيرًا من الخبراء والمحللين يرون أن هذا الطرح الإعلامي السلبي لا يبرره كونه جزءًا من الواقع، بل يجب أن يعكس المنتج الإعلامي صورة إيجابية بعيدًا عن الممارسات العدوانية، داعيًا إلى أن يكون المضمون الإعلامي هادفًا وبنّاءً، وأن يتجنب المشاهد العنيفة سواء كانت بدنية أو لفظية.
الطب النفسي
وقال الطبيب النفسي الدكتور فراس العجمي: إن أكثر الفئات العمرية تأثرًا بالمحتوى العنيف في وسائل الإعلام هم الأطفال والمراهقون، فالطفل بين 3 إلى 12 سنة يعيش مرحلة التعلم بالنمذجة (التقليد)، ويصعب عليه التمييز بين الواقع والخيال، مما يجعله سريع التأثر بالمشاهد العنيفة، وقد يكررها في سلوكه اليومي.
وأضاف: العنف في أفلام الرسوم الكرتونية أو الألعاب الإلكترونية قد يُطبع في ذاكرة الطفل كطريقة لحل المشكلات، أما المراهقون من 13 إلى 18 سنة فهم في مرحلة بناء الهوية وتكوين القيم، ويبحثون عن قدوة أو انتماء، وقد تقدم لهم وسائل الإعلام العنف كرمز للقوة والسيطرة وإثبات الذات.
وبيّن أن التعرض المستمر للمحتوى العنيف قد يؤدي إلى تبلّد المشاعر تجاه الألم والمعاناة، أو حتى محاولة تقليد هذه المشاهد. ومن الأعراض النفسية: القلق والخوف المفرط من العالم الخارجي كالاختطاف أو القتل أو الكوارث، والأحلام المزعجة والكوابيس، والتبلد العاطفي وضعف التعاطف مع الآخرين، والاكتئاب وما يسببه من انسحاب اجتماعي وفقدان الاهتمام.
كما أشار إلى اضطرابات سلوكية مثل نوبات الغضب المتكررة، والتصرفات المتهورة أو التخريبية، والأفكار العدوانية نتيجة تكرار مشاهد العنف في خيال الطفل. ومن الأعراض السلوكية والاجتماعية أيضًا: زيادة السلوك العدواني كالضرب والشتم والتنمر، وتقليد المشاهد القتالية، واستخدام الأدوات بشكل مؤذٍ، وضعف التحصيل الدراسي، والعزلة والانطواء، والشعور بعدم الأمان.
وأكد أن الحل يكمن في التوعية الإعلامية من خلال تعليم الطفل أو المراهق كيفية التفريق بين الواقع والخيال، وتدريب الوالدين على الرقابة الذكية وفتح الحوار مع أبنائهم حول ما يشاهدونه، مع تحديد أوقات استخدام الشاشات، واختيار المحتوى المناسب لأعمارهم. كما دعا إلى دور المدارس في رصد التغيرات السلوكية، وإدماج برامج تعليمية عن السلام والتعاطف والمهارات الاجتماعية.
وأوضح أن البرامج العلاجية تشمل العلاج المعرفي السلوكي لتصحيح التصورات الخاطئة، والعلاج باللعب لتفريغ الصدمات والمخاوف، والعلاج الأسري لتقوية العلاقة بين الطفل وأهله، بالإضافة إلى برامج ضبط الغضب للمراهقين لتعليمهم التعبير الصحي عن انفعالاتهم.
التنظيم القانوني
من جانبه قال المحامي ناصر الزيدي: إن القانون يؤدي دورًا جوهريًا في ضبط وتنظيم المحتوى الإعلامي عامة، والمحتوى العنيف على وجه الخصوص.
وأوضح أن المحتوى العنيف، متى ما تضمن تحريضًا على الجريمة أو بثًا للخوف والفزع بين أفراد المجتمع، فإنه يعد انتهاكًا للأمن المجتمعي ويستوجب المساءلة القانونية. وضرب مثالًا بالتحريض على العنف ضد النساء أو الأطفال، أو الدعوة إلى الطائفية أو ارتكاب الجرائم، مبينًا أن مثل هذا المحتوى يهدد الاستقرار الاجتماعي والأمن القومي، ويزرع الأحقاد بين فئات المجتمع.
كما شدد على أن المؤسسات الإعلامية مطالبة بالالتزام بمسؤوليتها المهنية، بحيث تبقى حرية التعبير أداة للتنوير وخدمة الصالح العام دون المساس بالأمن والاستقرار.
وأشار إلى أن المحامين شركاء أساسيون في توعية المجتمع بمخاطر المحتوى العنيف، من خلال مشاركتهم في الندوات والورش والأنشطة التثقيفية التي تُسهم في ترسيخ الثقافة القانونية وحماية المجتمع من خطاب العنف والكراهية.
آراء أولياء الأمور
وعبّر عدد من أولياء الأمور عن قلقهم من تأثير المحتوى العنيف على سلوك الأطفال والمراهقين، مشيرين إلى أن بعض المشاهد تتضمن عمليات قتل وسفك دماء بشكل مباشر، وهو ما ينشر ثقافة العنف ويدفع البعض إلى تقليدها.
وأوضحوا أن من أكثر أشكال المحتوى العنيف شيوعًا هو العنف الجنسي، والمشاهد التي تتضمن التهديد أو الإهانة، والتي تؤثر سلبًا على مختلف الأعمار. كما أشاروا إلى أن العنف اللفظي يؤثر على سلوكيات الشباب، وأن السلوكيات العدوانية والتهديدات المعروضة بشكل متكرر تُنتج تقليدًا واعتيادًا على العنف لدى المراهقين، خصوصًا.
وبيّن أولياء الأمور أن هذه المشاهد تزيد من القلق والكوابيس لدى الأطفال، وتدفعهم إلى تقليد السلوك العدواني ضد أقرانهم أو أفراد أسرهم، وتجعلهم أكثر عدوانية وانغلاقًا. وأكدوا أن الآثار السلبية لهذا المحتوى تتطلب تدخلًا سريعًا من المؤسسات المعنية للحد من هذه الظاهرة، حفاظًا على الأطفال والشباب والمجتمع ككل.
