عمان اليوم

المحاريب في مساجد حارة البلاد بمنح شواهد فنية وبراعة معمارية

17 سبتمبر 2021
الهميمي ومشمل رسما الخطوط وأودعا للأجيال تحفا فنية تنطق بالإبداع
17 سبتمبر 2021

* نقوش وزخارف وخطوط تحكي تفاصيل مدرسة للنقش على المحاريب في القرن التاسع الهجري

منح – هلال السليماني

زخارف هندسية وتشكيلات متنوعة تجمع بين الكتابة والنقش تتحلى بها محاريب المساجد الأثرية الواقعة في حارة البلاد في ولاية منح وهي مساجد (العالي والعين والشراة والرحبة) مساجد تشهد محاريبها على براعة في النقش مع محراب الجامع الأثري بمنح الذي يقع خارج أسوار الحارة يكشف عن مدرسة للنقش على المحاريب كانت سائدة مع بداية القرن التاسع الهجري السادس عشر الميلادي كما تشير الكتابات المدونة أعلى هذه المحاريب وهي تعد مظهرا متميزا في فنون العمارة العمانية التقليدية يجسد روح الإبداع وأصالة الفن وجمالياته وشاهد عيان على التفوق الهندسي ومن خلاله عُرفت مجموعة من النقاشين العمانيين تمرسوا في هذه الصنعة الفنية، ما تزال آثارهم شاخصة في كثير من محاريب المساجد في العديد من ولايات السلطنة في نزوى وبهلا ومنح وإزكي ونخل في تلك الحقبة التاريخية ويعد الصانع عبدالله بن قاسم الهميمي، ومشمل بن عمر وولده طالب مدرسة لهذا الفن، ولعل الصانع عبدالله الهميمي الذي قضى نحو خمسة عشر عاما في عمل المحاريب الجصية ونقشها ترك لنا نحو خمسة محاريب أقدمها محراب مسجد العالي في حارة البلاد بمنح يعود لعام 909ه ومحراب مسجد العين في كذلك في منح 911ه ومحراب جامع بهلا القديم 917 ومحراب مسجد الشراة 922ه في منح ومحراب مسجد الشرجة في نزوى 924ه وربما اندثرت بعض المحاريب بفعل عوامل الهدم وإعادة البناء وغير ها من الأسباب الموضوعية وتتشكل هذه المحاريب من مرحلتين الأولى المحراب الصغير الداخلي ثم الإطار الخارجي للمحراب بدعامتين وتشكيلات نباتية وزهرية وأشكال هندسية وفي أعلى المحراب قوس أعلاه مستطيل كتبت فيه توثيق من قام بالعمل ومن تكفل بالتمويل وآيات قرآنية والشهادتين وقد سجل الإعلامي محمد بن سليمان الحضرمي انطباعاته عن هذه المحاريب في كتاب حمل عنوان " من وحي المحاريب" الذي يقع في 200 صفحة استطاع أن يقترب من هذه الصنعة الفنية البديعة واستقرأ منطوق هذه النقوش والزخارف ورصد من خلال زياراته الميدانية لمساجد في بهلا ونزوى ومنح ملامح تلك الحقبة الزاهية من حقب عمان التي أشرقت فيها جماليات فن النقش وتلمس جدران مساجد العباد الطافحة بالروحانية والزهد ليؤرخ لصناع ومهرة وصناعة ارتبطت بروح التقوى والورع والزهد أكدتها هذه المحاريب المنتشرة في أرجاء عمان كما تحدث الباحث خلفان بن سالم البوسعيدي عن هذا الجانب قائلا : تتكون النقوش في هذه المحاريب من آيات قرآنية والشهادتين بخط بارز، مع تاريخ عمل المحراب، وأسماء من قاموا بتمويل البناء، والصناع الذين صنعوا هذه المحاريب، إضافة إلى نقوش هندسية بديعة تتحلى بها تلك المحاريب، ويضيف البوسعيدي بأن هذه المحاريب تمتاز بالتشكيلات الهندسية الرائعة، وباستخدام الدوائر والمثلثات، وأظهرت الزخرفة الكتابية فن الخط العربي في كتابة الآيات القرآنية وغيرها داخل المحراب. كما تضمنت هذه المحاريب توقيعات المشتغلين عليها عملا وتاريخا وثقت الجهد وتركت للأجيال صورة مشرقة لا تنسى.

عمارة المساجد والنقش على المحاريب

إن العمارة العُمانيّة تمثل شكلا فنيّا يعكس هويّة المجتمع وتاريخه، ولهذا ارتبطت عمارة المساجد القديمة بأنماط وأساليب البناء القديمة المنسجمة مع الظروف المناخية والطبيعة الجغرافية مع البساطة في العمران وغياب المنارات، والقباب في معظم المساجد القديمة كما تنفرد بارتفاعها عن مستوى سطح المباني المجاورة لها وبالنقوش الجصية..

وتضم "حارة البلاد" أربعة مساجد أثرية موزعة على امتداد ممرها الأوسط وهي (مسجد العالي ، والعين ، والشراه ، والرحبة) وقال الدكتور "إيروس بلديسيرا" أستاذ الأدب العربي بجامعة البندقية بإيطاليا مؤلف كتاب" الكتابات في المساجد العمانية القديمة ": بأن المسجد العالي يعود تاريخ بناء محرابه إلى سنة 909 هجري ويتميز ببنائه البسيط مكعب الشكل وعرض محرابه يناهز المترين والنصف وارتفاعه أربعة أمتار ، أما مسجد العين فيعود تاريخ بناء محرابه إلى سنة 911 هجري ويبلغ عرضه المترين وارتفاعه الأربعة أمتار وتعتمد زخرفة إطاره الخارجي المستطيل على 21 ختما تتخللها دوائر صغيرة أصغر حجما تغوص كلها إلى داخل زخارف تنم عن خيال وذوق رفيع ، وعلى مقربة من مسجد العين يأتي (مسجد الشراة) الذي يعود محرابه إلى سنة 922 هجري ويزيد عرضه على المترين والنصف وارتفاعه الخمسة أمتار. وقد كانت لحرفة النقش على محاريب المساجد عدد من المدارس التعليمية السائدة في تلك الفترة ، فقد عرفت منح في القرن العاشر الهجري عددا من النقاشين المهرة المشهود لهم بالكفاءة وبدقة التصميم والنقش على هذه المحاريب.

تلك صفحة من صفحات هذا الوطن المملوء بالمشاهدات والإرث المتنوع عمارة وفنا يكشف عن الهوية ويشي بما كان إرثا لا ينسى رغم تبدل الزمن ومرور الأيام.