No Image
عمان اليوم

الطلاق بين حديثي الزواج.. ثمرة مُرَّة لعدم النضج وغياب التكافؤ

22 مارس 2022
التدخلات الأسرية أهم أسبابه.. والتأهيل قبل الزواج أحد الحلول
22 مارس 2022

ـ د. جلال المخيني: 60 % من حالات الطلاق تقع في العام الأول

لضعف الوعي وعدم تقبل الاختلاف في الرأي

ازدادت في الآونة الأخيرة حالات الطلاق في السنة الأولى من الزواج، ولعل أبرز أسبابها غياب التكافؤ بين الطرفين، فضلا عن تدخل الأسر في حياة الزوجين، فيلجأ الزوجان للطلاق كحل سريع لفك النزاع، وهذا يرجع لقلة الوعي والصبر وعدم التأهيل للزواج.

من هنا تأتي أهمية وجود برامج تأهيل للمقبلين على الزواج للوعي بطبيعة الحياة الزوجية وتحدياتها وكيفية التغلب على المشكلات.

ومن أبرز قصص الطلاق خلال السنة الأولى من الزواج، روت مطلقة (28 سنة) قصتها بكل أسى وحزن وتقول: تزوجت من شاب بشكل تقليدي وجدت فيه أشياء كثيرة مشتركة بيننا، وكانت حياتنا تعم بالنعم والرخاء والسلام ولكن مع مرور أشهر بدأت تظهر على زوجي بعض العادات التي لم أفهمها وهو الخروج مع أصحابه باستمرار وأحيانا يتطلب الأمر السفر وإخباري في آخر لحظة، وطبعا هذا غير التجمعات العائلية التي كانت تحدث من غير علمي، وعند مناقشته بالأمر بكل هدوء يتعالى صوته فلم أتحمل ذلك وفضلت أن ننفصل.

وتقول إحداهن (26 سنة) تزوجت شابا من اختيار الأهل وكانت الأمور في فترة الخطوبة من أروع ما يكون في المحبة والود والتفاهم، تزوجنا واشتركت الأسرتان في تحمل التكاليف المادية، واستمرت الحياة على ما يرام لمدة ستة أشهر رغم وجود بعض المنغصات التي ظهرت من الشهر الأول لكن انقلبت الأمور بعض ذلك إلى أن وصلت للطلاق، وتضيف أول مشكلة واجهتنا كانت تفاصيل الحياة اليومية فهو متعود على نمط معين وأنا كذلك ولم نكن نلتقي في نقطة مشتركة لأنه كان لا يرغب في التنازل كونه الرجل وأنا أرى أنه متساو معي في الحقوق والواجبات فحصلت المشاكل وتعنت ومن ثم الطلاق.

قصة أخرى حدثت مع شاب عمره (30 سنة) دام زواجه عشرة أشهر، وانتهى بالطلاق، ويقول: تزوجت بشكل تقليدي فتاة وجدت فيها أشياء كثيرة مشتركة، كانت حياتنا جميلة لكن بعد مرور عدة أشهر ظهر بدأت بنشر كل تفاصيل حياتنا ويومياتنا على "سناباتها" الشخصية (التواصل الاجتماعي) والمشكلة أنها كانت تنشر كل ما يدور في بيت الزوجية بمعنى لا توجد خصوصية لحياتنا مطلقا، ووصل بها الأمر أن تطرح خلافاتنا كموضوع نقاش لتأخذ رأي وتجارب الصديقات والمتابعات، وعند الحديث معها فوجئت برد صادم أنه ليس من حقي أن أمنعها لأن ذلك حرية شخصية ومن هنا بدأت الحياة تأخذ شكلا آخر.

منظومة الزواج

حول أسباب وقوع الطلاق خلال العام الأول من الزواج، يقول الدكتور جلال بن يوسف المخيني، مدير دائرة الإرشاد والاستشارات الأسرية بوزارة التنمية الاجتماعية: "إن الدراسات والمسوحات العلمية في مجملها تشير إلى أن 60 % من حالات الطلاق تقع في العام الأول للزواج، وهذا يجعل الأمر جديرًا بالطرح والمناقشة، وفي الحقيقة من المهم أن يستثير الأمر قدرات المجتمع الكامنة للبدء في البحث عن أوجه الخلل في منظومة الأسرة".

مشيرًا إلى أن البعض يُرجع هذه الأزمة إلى تجاهل معظم الأزواج حاليا لمهامهم ومسؤولياتهم مما يؤدي إلى بروز مؤشرات الطلاق منذ الأشهر الأولى نتيجة عدم الإعداد الجيد لمشروع الزواج، ويرى البعض أن وسائل التواصل الاجتماعي وابتعاد البعض عن هوية مجتمعنا وقيمه من العوامل التي تدفع باتجاه هدم الأسر مبكرًا لدخول التفاهم الأسري غرفة الإنعاش، وإذا كان الإعلام والفن يمثلان عنصرا في مواجهة الأزمة من خلال أعمال هادفة، فإن المؤسسات ذات العلاقة يجب أن يكون لها دور تحصيني أكبر في المواجهة من خلال إلزام المقبلين على الزواج بدورات تأهيلية وبرامج إعداد مبكرة، وربما تكمن المشكلة في اعتقاد كثير من الشباب والفتيات أن السنة الأولى للزواج هي لتحقيق الحلم الذي ظل يراودهم سنوات من خلال العيش في رومانسية وسعادة أفلاطونية بعيدا عن فهم معنى منظومة الزواج والمسؤولية، ومن الطبيعي أن يقود هذا الفهم المشوش عن مؤسسة الزواج لهدم عش الزوجية بالطلاق دون أن يحاول أحد الطرفين إنقاذها بتقديم أي تنازلات، وذلك لأن فكره من الأساس عن الزواج لم يكن صحيحا.

أسباب الطلاق

وعن زيادة معدلات الطلاق في العام الأول من الزواج، أوضح الدكتور جلال أن ذلك يرجع إلى ضعف الوعي باحتياجات وقيم مؤسسة الزواج وعدم تقبل الاختلاف في الرأي والشعور بالفارق بين الحلم والحقيقة، وبين أن التربية على الأفلام والمسلسلات الرومانسية غالبا ما تشعر الزوجين بفجوة كبيرة عندما يدخلون الحياة العملية، فيما لا يرغب أي منهما في تقديم أي تنازلات.

وذكر الدكتور جلال أن الخلافات تشتعل على وقع عبارات من السياق المجتمعي مثل (أنا تربيت هكذا ومن أنت حتى تغير ما أعتقده وأؤمن به؟) أو (أنا هذا طبعي ولن أغيره من أجلك)، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في تعميق الفوارق الاجتماعية، نتيجة تمسك كل فرد بآرائه ومعتقداته، ومن الأسباب أيضا الانجراف العاطفي غير المقنن مما قد يقود للشك والغيرة وعدم الثقة خصوصا إذا كان الطرفان من أسرة محافظة، وبعد الزواج يحاول كلاهما الانفتاح وإزالة بعض القيود، عكس ما تربوا عليه فتقع المشاكل، كما أصبح الزوج الشاب يرجع إلى صديقه في نفس العمر في أخذ المشورة، وليس كبار السن وكذلك الفتاة تلجأ لصديقاتها وليس للأم أو العمة أو الخالة أو الجدة.

إن ضعف الخبرات يؤدي إلى الاستسلام في مواجهة صعوبات الحياة، ونؤكد دائما إلى أهمية اللجوء إلى مشورة الأشخاص الذين يتمتعون بخبرات حياتية قريبة من متغيرات العصر الراهن.

وأكد الدكتور جلال على أهمية إطلاق دورات متخصصة لإعداد الراغبين في الزواج واعتبارها شرطًا للزواج، كما أن إجراءات الطلاق من المهم أن يسبقها برنامج تأهيلي قبل إحداث الطلاق أو إرجاع الطرفين في حال الخلاف بشكل إلزامي قبل النظر في القضية إلى الإرشاد الزواجي في مؤسسات موثوقة.

بين الحلم والواقع

وبيّن الدكتور جلال أن العام الأول للزواج هو أهم عام في الحياة الزوجية، ففيه يتصادم الواقع مع الأحلام، والأفعال مع التوقعات، وكلما كانت الأحلام عاقلة، والتوقعات منطقية، وتعامل الطرفان بالتسامح والإيثار والحرص على فهم الآخر واحتياجاته عبر مركب الحياة الزوجية ذلك العام بلا خسائر تذكر.

مضيفا أنه في بعض الأحيان تبدأ المشكلات قبل أن يبدأ الزواج ذاته! بين التكاليف المادية الباهظة والعرف والعادات التي تُصعب الزواج وتمكنت منا وأصبحت كأنها قانون ملزم للجميع، وبين مشكلات أعمق في فهمنا لمعنى الحب وكيفية اختيار شريك الحياة المناسب ومعنى الزواج وكيف يستمر الحب بعد الزواج.

معركة الطرفين

وقال الدكتور جلال إنه لو تعود الزوجان على التسامح والتغافل والتقدير المتبادل من عامهما الأول سيوفران على أنفسهما مشاكل معقدة لاحقًا قد تؤدي لانهيار الزواج، المشكلة أن السائد أننا نتعامل مع الزواج على أنه معركة على طرف أن ينتصر فيها على الآخر ويقهره ويخضعه لرغباته، ويطوعه على هواه، وإذا لم يحدث ذلك، أصبح لا يرى فيه إلا كل سوء ونقيصة، وبين تصيد هنا، وتمرد هناك، ومقارنة مع ماضٍ ولى، أو مقارنة بالآخرين نملأ حياتنا بالمنغصات، نزرعها بأيدينا ولا نترك فرصة إلا وانتهزناها لتأنيب الآخر أو تنغيص عيشته، ولو تمهلنا، ربما اتضح لنا أن كثيرًا من الخلافات أساسها تفاهات وأمور صغيرة كان يمكن تخطيها!.

لمن نلجأ

أحيانا كثرة المشاحنات بين الأهل تؤثر سلبًا على علاقة الزوجين الحديثين لتجنب ذلك ذكر الدكتور جلال أن أهل الزوجين لهما كل الاحترام والمحبة، لكن لا يجب إشراكهم في كل صغيرة وكبيرة بين الزوجين، وبصفة خاصة في الخلافات، الأهل يحبون أبناءهم، يرونك الابن الحبيب ويرونها الابنة المدللة ولا يتحملون أن يمس أبناءهم أذى ولو لحظيا، وكثيرًا ما تنتابهم مشاعر غيرة نحو زوج الابنة أو زوجة الابن وهي مشاعر طبيعية معذورون فيها، علينا أن نكون واعين لها فنعاملهم برفق، ولا نثقل على مشاعرهم بأعبائنا حتى بعد أن أصبحت لنا بيوت منفصلة عنهم! وعلينا أن نعرف أن لهذه الغيرة آثارا سلبية قد تبدو منهم نحو شركائنا في الحياة، وأن علينا ملاحظة ذلك والتدخل وزرع المحبة بينهم.

التماسك الأسري

وقال أحمد بن خلفان الذهلي، محامي ومستشار قانوني: إن من أهم الأولويات التي يسعى إليها الرجل العماني وتحديدا بعد استقراره المادي هو بناء أسرة، يطمح من ورائها تحقيق سعادته وبناء تماسك أسري قويم، فتتكون من الأسرة وحدة المجتمع واستقراره وهذا ما حث عليه ديننا الإسلامي عندما قال الله تعالى في كتابه الكريم: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون". صدق الله العظيم.

وأشار الذهلي إلى أن الحياة الزوجية قد يحدث بها العديد من المشاكل بسبب اختلاف ثقافي أو اجتماعي أو مادي أو غيرها من الاختلافات التي قد تؤدي إلى الطلاق.

وبيّن الذهلي أن قانون الأحوال الشخصية المستمدة نصوصه من الشريعة الإسلامية قد وضع لحل هذه الرابطة أحكام واجب اتباعها لتفادي حل تلك الرابطة الزوجية لأهميتها وحفاظا على الأسرة، وضمان استقرارها فالعلاقة الزوجية قائمة على دوام الأسرة واستقرارها. لذا فإن الوصول لحل الرابطة الزوجية يتطلب دراسة الحالة الاجتماعية للزوجين دراسة دقيقة من حيث الأسباب والبحث عن الحلول ومعالجتها تفاديًا لحصول الطلاق.

حالات الطلاق

وكشف الذهلي أن حالات الطلاق التي تشهدها المحاكم تكون أسبابها نتيجة خلافات بين الزوجين واعتداء الزوج على الزوجة وهذا الاعتداء غالبا ما يكون بسبب تعاطي الزوج للمؤثرات العقلية، فبغياب العقل يفقد السيطرة على تصرفاته والتي تؤدي في نهاية المطاف إلى ضرب وإهانة الزوجة، الأمر الذي يدفعها للجوء للجهات المختصة وإثبات الضرر الذي وقع عليها من الزوج والمطالبة بالطلاق، وهذه القضايا غالبا ما تتكرر بشكل مستمر في المحاكم.

مضيفا أن من القضايا التي تشهدها المحاكم مطالبة المرأة بالطلاق لأسباب غير مقنعة كمطالبتها بأشياء غير متكافئة مع الوضع المادي للزوج مما يؤدي ذلك إلى إرهاق الزوج ماديا وتزعزع الحياة بسبب عدم وجود تكافؤ مادي بين الطرفين.

يحق الطلاق

وتطرق الذهلي إلى الأسباب التي يمكن أن تطالب بها الزوجة للطلاق وفق ما حدده قانون الأحوال الشخصية العمانية وأبرزها الطلاق للضرر والشقاق والذي يكون بسبب ما يمارسه الزوج من إهانة واعتداء أو تناول للمسكرات والمؤثرات التي قد تفقده السيطرة على تصرفاته.

وقد يكون الطلاق لعدم الإنفاق فقد يكون أحد الأسباب أيضا الموجبة للطلاق وهي إحدى الحالات والقضايا التي تشهدها المحاكم الشرعية في سلطنة عمان كعدم التزام الزوج بالإنفاق على زوجته وأبنائه الأمر الذي يدفعها للجوء إلى المحاكم للمطالبة بالطلاق لعدم الإنفاق لذا فإن أغلب ما تشهده المحاكم العُمانية من قضايا شرعية معنية بالطلاق هي غالبا ما تكون للأسباب المذكورة سلفا.

صلح الطرفين

وأشار المحامي أحمد الذهلي إلى أن المحاكم تسعى لإبداء الصلح ومحاولة عدم وقوع الطلاق وفي حال تعذر الإصلاح بينهما يعين القاضي حكمين من أهله ومن أهلها وللقاضي السلطة التقديرية في تقدير تقييم الحكمين والأخذ به فإذا تبين له الشقاق حكم بالتطليق وفق تقرير الحكمين.

وأضاف: إن الطلاق من المسائل التي تسبب الفرقة بين الأسر، والتي تنعكس آثارها على الأبناء، وهو من القضايا الخطيرة التي يجب أن يتعامل معها الزوجان وكل مختص بشأنها على نحو يحمي ويضمن استمرارية الحياة الزوجية واستقرار الأسرة.