1677204
1677204
عمان اليوم

السيفي: لمسات الحارات مضامين جميلة وتاريخ جليل

25 يونيو 2021
الحارات القديمة في نزوى.. شاهد على براعة العمانيين في الهندسة
25 يونيو 2021

نزوى - أحمد الكندي:

برع الإنسان العماني منذ القدم في مجالات متعددة فتكيّف مع ظروف الحياة التي عاشها والتي عايش من خلالها فترات من الشدّة والرخاء ورغد العيش وشدته وقسوته ونتيجة لتلك الحياة ومتقلباتها برزت الكثير من المآثر والشواهد التي مازالت صامدة وتحكي قصة وإصرار ومغامرة العماني منذ القدم.

ولعل بناء الحارات القديمة شاهد من الشواهد على هندسة الإنسان العماني حيث تم تصميم الحارات على نهج متناسق يتماشى مع بيئة وطبيعة المكان فنجد أغلب الحارات العمانية تتميز بطابع معماري متناسق وبتفاصيل دقيقة، قلّما تشاهدها قديما حيث يتم بناء المنازل غالبا ضمن منطقة سكنية محمية بسور وبه أبواب ومداخل من جهات مختلفة يتم إغلاقها وقت الحاجة ووفقا للظروف الأمنية التي تعيشها الدولة، كما تتميز الحارات بوجود المساجد بنسق التصميم نفسه، لتكون شاهدا من شواهد العصر، وبرع العمانيون كذلك في شق الأفلاج وشق قنواتها لتكون ضمن مكونات الحارات يُستفاد منها في ري المزروعات والماشية والاستخدامات الأخرى كالشرب والغسيل؛ أما خارج الحارات فتكون غالباً البساتين الزراعية بوابة للحارات يتم الانتقال إليها خلال فترة الصيف لجني المحاصيل والتمور وتصنيفها؛ كما لا تخلو الحارات القديمة من وجود المجلس العام « السبلة « التي يتجمّع فيها الأهالي لتناول القهوة صباحا وتجاذب أطراف الحديث وبحث الأمور المستجدة ولقاء الشخصيات من خارج الحارة إضافة إلى كونها مكان توفيق ومصالحة في حالة حدوث أي خلال أو انشقاق بين ساكني الحارة أو عند وجود نزاعات بين الحارة والحارات المجاورة .

مضامين جميلة

مضامين جميلة وتاريخ جليل، يقول مؤلف موسوعة السلوى في تاريخ نزوى والباحث في التاريخ العماني محمد بن عبدالله بن سعيد السيفي: إن أهمية المحافظة على تركيبة الحارات من حيث ترميمها وبقاء تفاصيل المساكن ضرورية جدّا حيث إنه لا بد من ترميمها وبقاء تفاصيل المكان كما هو؛ لأن كل لمسة في تلك الحارات تعبر عن مضامين جميلة وتاريخ جليل فهذه الحارات الطينية بصفتها التركيبية عبارة عن مدينة متكاملة يحيط بها سور الحراسة، وهناك المساجد والطرق وأماكن المجالس والصناعة، كما نجد فيها التنانير وأماكن الدواب والخيل إلى غير ذلك من التفاصيل التي تتحدث عن حقبة مضت حتى في حجم البيوت والغرف وتقاسيمها واستخدام المادة الطينية والصاروج، كل ذلك له دلالات ساحرة، وأضاف: «من العبث أن يتم هدم الحارات وإعادة البناء بالمواد الإسمنتية وتغيير تفاصيل المكان بحيث يصبح مفرغا من مدلولاته القديمة التي بها الكثير من واقع الحياة العمانية ومراحل تسلسلها». وتحدّث السيفي عن الدور الذي لعبته أبواب الحارات أو ما يسمى بالصباحات في الحفاظ على الاستقرار والسكينة فقال: الأبواب وما يعرف بالصباحات كانت لها آثار كثيرة فهي تصون أموال الناس وممتلكاتهم وأعراضهم كما كان لها دور في تنظيم الحركة وبدايات العمل ونهايته إضافة إلى ذلك تمثل هذه البوابات الأمان للناس والساكنين من المعتدين أو من إزعاج المارة ولذا وقّف لها أهل الخير بعض من الأموال والأوقاف من أجل صيانتها، وهناك معونات بين الناس في حال تهدم سور من أجل صيانته والحفاظ عليه بل كانت هناك أسوار تحيط ببعض المدن والحوزات مثل سور بهلا وسور العجب الذي يحيط بالحوزة النزوية التي لا تزال أطلاله باقية إلى وقتنا هذا.

كنوز مهمة !

وبرغم انتقال غالبية السكان لضواحي خارجية أكثر انفتاحا واتساعا إلا أن الحارات القديمة في نزوى ما زالت محتفظة ببعض أسرارها كما لا يزال بعض كبار السن يفضّلون العيش في المساكن القديمة كونها مرتبطة بذكريات جميلة، وما زالت بعض المساجد عامرة بروّادها رغم تقادم الزمن ودخول العمارة الحديثة التي غيّرت من نمط المساجد أما قنوات الأفلاج فما تزال باقية تروي ما تبقى من بساتين صمدت في وجه المدنية وقاومت محاولات اجتثاثها وتحويلها إلى مناطق سكنية، كما توجد بعض الأبراج التي بُنيت للدفاع قديما حيث يتناوب الأهالي على الحراسة والمراقبة لصد أي خطر قد يحدق بالحارة، وفي هذه النقطة يعلق السيفي قائلاً: في الزمن الماضي كانت هناك صعوبات في الحياة كما أن وسائل النقل كانت بدائية ولذا كان الناس لا يعتمدون على التنقلات الطويلة والتباعد المفرط فكانت الحياة الاجتماعية متكاملة في الحارة الواحدة وتتوفر في الحارة الواحدة كل المؤسسات بالمفهوم الحديث بجميع أنواعها العسكرية والدينية كالمساجد والاقتصادية كالمزروعات والمياه، والاجتماعية المتمثلة في السبلة، ولذلك كانت الحياة مع بساطتها إلا أنها في غاية التنظيم علاوة على وجود الهواجس الأمنية وقطاع الطرق، كل ذلك جعل الناس يوطنون أنفسهم على مدن الحارات المتكاملة.

البيت النزوي القديم

وتطرّق السيفي في حديثه عن تفاصيل البيت النزوي القديم بما يحتويه قائلاً: «البيت النزوي كان في غاية التواضع فتجد البناء من الطين وبه المجلس الذي يجلس فيه الضيوف وهناك العرشة لاجتماع العائلة والصفّة التي تكون للنوم وصفة النضيد لتخزين التمور والحمام أو الكنيف والدرس للحيوانات، والحوض للاستحمام وربما تحتوي بعض المنازل على الغرابية وهي الحجرة المنفردة في سطح المنزل».

دمج الأصالة بالمعاصرة

وبرغم التطورات الحديثة وما شهدته السلطنة بصفة عامة من نقلة في العمران وفي الطابع المعماري للمساكن إلا أن جهود الحفاظ على هوية الحارات متواصلة ولعل من أبرزها ما تقوم به وزارة التراث والسياحة من توثيق للحارات ووضع شروط في حالة الرغبة في الترميم أو التعديل في مكونات الحارات رغم أن الكثير من المنازل والمساجد والمساكن قد اندثرت لكن يبقى وجود الحارة ككيان مستقل دافعا للحفاظ عليها؛ كما أن فكرة تحويل البيوت القديمة إلى نزل تراثية فندقية بدأت في الرواج بعد إطلاق شركة أهلية بولاية نزوى مشروعها في عام 2017 وما شهدته من نجاح خلال السنوات الفائتة شجّع الكثيرين على السير في النهج نفسه والبدء في استغلال الحارات سياحيا بما يضمن استدامتها وتحقيق العائد منها؛ ويطالب أصحاب المبادرات بتبسيط وتسهيل الإجراءات للوصول لهدفهم الرامي إلى دفع عجلة السياحة الأثرية من جهة واستغلال هذه الحارات والاستفادة منها ماديا بعد أن مرّت عليها فترة كانت مرتعا للقوى العاملة الوافدة وملاذا لضعاف النفوس والهاربين من أعمالهم من الوافدين.