الحرف اليدوية.. إرث ثقافي يواجه خطر الاستدامة وصعوبة الوصول للعالمية
تُعد الحرف اليدوية العُمانية من الأعمدة الأساسية للهوية الوطنية ورافدا اقتصاديا حيويا، حيث تحمل في طياتها قصص الأجداد وإبداعات الحرفيين، وتعكس عمق الثقافة العُمانية الأصيلة. ورغم قيمتها التراثية والفنية، تواجه هذه الحرف تحديات معقدة في تسويقها على الصعيد العالمي، بدءًا من المنافسة الخارجية وصولًا إلى تكاليف الشحن والجمارك.
وتشمل هذه الحرف مجموعة متنوعة من الصناعات التقليدية، مثل الفضيات، والخشبيات، والسعفيات، والفخار، والنسيج، وهذه الحرف من الناحية الثقافية لا تشكل قيمة مادية فحسب، بل هي تجسيد لإرث حضاري عميق يبرز براعة الإنسان العُماني وارتباطه ببيئته وثقافته وعنصر أساسي في الهوية الوطنية.
ومن الناحية الاقتصادية تسهم هذه الصناعة في إيجاد فرص عمل مستدامة، وتنشيط القطاع السياحي، ودعم الصادرات غير النفطية، مما يجعلها ركيزة مهمة في جهود سلطنة عُمان للتنويع الاقتصادي.
منافسة قوية
قالت إلهام بنت حمود الهدابية، المكلفة بأعمال إدارة الصناعات الحرفية: يشهد قطاع الحرف اليدوية في سلطنة عمان جهودًا كبيرة للحفاظ على الموروث الثقافي وتطويره من خلال إنشاء مراكز تدريب وتنظيم المعارض المحلية والمشاركة في الفعاليات الدولية، إلا أن حجم الانتشار في الأسواق العالمية محدود مقارنة بالإمكانات الكبيرة التي يمتلكها هذا القطاع، والاستثمار في الحرف اليدوية العُمانية لا يعد مجرد تجارة، بل هو مساهمة في الحفاظ الهوية الثقافية وصون التراث العماني ودعم الحرفيين، ويعزز من استدامة هذه الصناعات التقليدية العريقة، مؤكدة أن الحرف اليدوية العُمانية تواجه منافسة قوية من منتجات مشابهة من دول أخرى، غالبًا ما تكون بأسعار أقل نتيجة انخفاض تكلفة الإنتاج، مما يضع الحرفيين العُمانيين أمام تحدٍ كبير في تسعير منتجاتهم، وتغطية تكلفة الجهد والمواد، والمنافسة في الأسواق المحلية والعالمية.
تحديات التوسع عالميا
وأضافت الهدابية: من أبرز التحديات التي تحد من قدرة الحرفيين على التوسع عالميا هو ارتفاع تكاليف المشاركة في المعارض الدولية، ورسوم الشحن والتخليص الجمركي، بالإضافة إلى ندرة الوسطاء المتخصصين في تصدير المنتجات الحرفية، ويُعد ارتفاع أسعار المواد الخام المستوردة كالفضة، والأصباغ الطبيعية، وبعض الخامات الخاصة من أبرز العوائق التي تؤثر على إنتاج وتصدير الحرف اليدوية العُمانية، إذ تنعكس هذه الزيادة مباشرة على تكلفة المنتج النهائي، ما يُصعّب على الحرفيين تسعير منتجاتهم بطريقة تنافسية، موضحة أن الجهات المعنية تعتمد بتطوير وتسويق الحرف على عدة استراتيجيات منها المشاركة في المعارض الدولية، وإقامة معارض متنقلة، إضافة إلى التعاون مع السفارات والملحقيات والمراكز الثقافية للتعريف بالمنتجات، وإتاحة الفرص للحرفيين للمشاركة في الفعاليات الدولية للترويج لمنتجاتهم.
وعرجت في حديثها على المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت قنوات مهمة لعرض المنتجات الحرفية والوصول من خلالها إلى جمهور عالمي، لكنها تحتاج إلى إستراتيجيات تسويق رقمية احترافية لرفع وزيادة حجم المبيعات، مشيرة إلى وجود اهتمام متزايد بالمنتجات الحرفية المرتبطة بالاستدامة والهوية الثقافية، مما يمنح الحرف العُمانية ميزة نسبية إذا ما استثمر في الترويج الصحيح لزيادة الإنتاج والتسويق.
جودة المنتجات
وتوضح إلهام الهدابية أن الحفاظ على جودة المنتجات يتم من خلال توفير التدريب المستمر للحرفيين، والالتزام بالمعايير، حيث تقوم الجهات المختصة بدور رقابي مهم في متابعة مراحل الإنتاج؛ لضمان جودة المنتج، فعلى الرغم من تنوع أنماط الإنتاج، فإن تصاميم وتفاصيل الحرف اليدوية العُمانية تحمل رموزًا وزخارف تعكس البيئة المكانية والثقافية والإرث العريق والتاريخ المتنوع، والحفاظ عليها أمر أساسي لتمييز المنتج الحرفي العُماني في السوق العالمي، كما أن الحفاظ على هذه الهوية البصرية والثقافية في كل منتج ليس فقط عنصر تميز، بل ضرورة للحفاظ على خصوصية الحرفة العُمانية وتعزيز قدرتها التنافسية عالميا.
رسوم جمركية
وحول الرسوم الجمركية أفادت بأن تكاليف التخليص في الدول المستوردة تشكل عبئا ماليا إضافيا، ينعكس مباشرة على سعر المنتج النهائي، خصوصًا في ظل وجود منتجات بديلة بأسعار أقل من دول أخرى، ما يؤثر على فرص انتشار الحرف العُمانية في الأسواق العالمية، وهناك تقنيات أو حلول لوجستية جديدة يتم استخدامها لتحسين عمليات التصدير من أبرزها التعاقد مع شركات الشحن السريع، واستخدام خدمات التغليف الذكي التي تحافظ على جودة المنتجات أثناء النقل، إلى جانب الدخول في شراكات مع منصات البيع العالمية، وقد ساهمت هذه الحلول في تيسير عمليات التصدير، وتحقيق وصولا فعليا للمنتجات إلى عدد من الأسواق الدولية، مضيفة: يعد فهم القوانين والأنظمة الجمركية في الدول المستوردة عنصرًا حاسمًا لنجاح عمليات التصدير، حيث إن الحرفيين بحاجة إلى دعم استشاري متخصص يُمكنهم من التعامل مع الشروط الفنية واللوائح التنظيمية الخاصة بكل سوق، كما يُعد التعرف على خدمات مركز صادرات عُمان خطوة مهمة لفهم آليات العمل الجمركي، وتؤثر المنتجات المقلدة على سمعة الحرف الأصيلة مما يكون له تأثير على دخل الحرفيين بسبب تفاوت الأسعار، موضحة أن المنتجات المقلدة تشكل تحديًا كبيرًا أمام الحرفيين المحليين، حيث تُضعف من ثقة المستهلك وتُحدث تفاوتًا في الأسعار، وهذا يؤدي إلى تراجع الطلب على المنتجات الأصلية، ويؤثر سلبًا على دخل الحرفيين واستدامة حرفهم.
التمويل والتسويق
وقالت الهدابية إن تسجيل التصاميم في الملكية الفكرية كعلامات تجارية أو نماذج صناعية يسهم في حماية المنتج وتعزيز ثقة المستهلك، وتقدم السلطنة ممثلة في هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (ريادة) الدعم لقطاع الحرف اليدوية والذي يشمل برامج تمويلية وفنية تستهدف تطوير المشاريع الحرفية، إلى جانب توفير منصات محلية ودولية لعرض المنتجات، مما يسهم في زيادة فرص التسويق والنفاذ إلى الأسواق الخارجية، وتم إطلاق عدة برامج تمويلية صغيرة، وحاضنات أعمال موجهة للحرفيين، ومبادرات تدريبية لرفع الكفاءة في مجالات التسويق والإدارة، وتتيح هذه البرامج للحرفيين فرصًا للتأهيل العملي، وتطوير المهارات التجارية، والاستفادة من خدمات "ريادة" ومؤسسات الدعم الأخرى في الترويج للمنتج العُماني عالميا، بالإضافة إلى ذلك تُعد برامج التدريب والتطوير عنصرا أساسيا في تمكين الحرفيين من المنافسة عالميا، إذ يتم تقديم دورات متخصصة في مجالات إدارة الأعمال، والتسويق الرقمي، وتطوير التصاميم، وتغليف المنتجات، مما يُحدث نقلة نوعية في جودة المنتج وآليات تسويقه.
"حرف عُمان"
وتابعت بقولها: إن تحويل المنتج الحرفي إلى سلعة ذات إقبال واسع يتطلب تطوير تصاميم تجمع بين الحداثة والأصالة، حيث إن التصميم الجرافيكي، والتغليف الجاذب، والترويج الرقمي يسهم في زيادة مساهمة القطاع في الناتج المحلي، وتحقيق عوائد اقتصادية مستدامة، ويعد البرنامج الوطني للصناعات الحرفية "حرف عُمان"، أحد البرامج الوطنية الاستراتيجية الهادفة إلى النهوض بالقطاع الحرفي في سلطنة عُمان، وتفعيل دوره في دعم الاقتصاد الوطني، وتمكين الحرفيين العمانيين، وتعزيز الهوية الثقافية العُمانية على المستويين المحلي والدولي، ويأتي البرنامج في إطار الجهود المتواصلة لتنفيذ مستهدفات رؤية عُمان 2040، من خلال دعم الصناعات الثقافية والإبداعية، ورفع كفاءة واستدامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة ذات الطابع الحرفي، وإيجاد منظومة متكاملة للتدريب، والتسويق، والتمويل، والابتكار، ويرتكز البرنامج على رؤية طموحة تسعى إلى الارتقاء بالقطاع الحرفي ليكون نموذجا رياديا عالميا يعزز الاستدامة الاقتصادية ويجذب الكفاءات الوطنية، وذلك عبر رسالة واضحة تهدف إلى تمكين الحرفيين العمانيين من خلال دعم الإبداع، وتطوير المهارات، وتعزيز التكامل مع ريادة الأعمال، والانفتاح على الأسواق الإلكترونية، وتوثيق الهوية العمانية ودعم تصديرها بصيغة عصرية.
وأضافت: يتضمن البرنامج الوطني للصناعات الحرفية عددًا من الأهداف الاستراتيجية أبرزها تمكين الحرفيين وبناء القدرات الوطنية في الإنتاج والابتكار، وتحسين جودة المنتجات وتطوير سلاسل القيمة الحرفية، وتعزيز التنافسية والتسويق المحلي الدولي للمنتجات الحرفية، وتوظيف التقنيات الحديثة والابتكار في تطوير القطاع الحرفي، وإنشاء بنية تحتية متكاملة تشمل الحاضنات ومراكز الأعمال المتخصصة، وتطوير البيئة التشريعية والمؤسسية الداعمة للصناعات الحرفية وتعزيز استدامة القطاع وربطه بالهوية الثقافية والسياحية، مشيرة إلى أن البرنامج يغطي أربعة محاور استراتيجية وهي الابتكار والتطوير التقني من خلال توظيف التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي وبرامج تدريبية لتعزيز الابتكار، والتعاون مع المؤسسات التعليمية لتطوير الصناعات الحرفية، وحوكمة المحتوى المحلي وذلك بتصنيف المواد الخام والمواد المرتبطة بالحرف، ووضع معايير فنية للحرف وفق الهوية العمانية، وتعزيز استخدام الموارد المحلية، وتوثيق المحتوى الثقافي وربطه بالتنمية المستدامة، بالإضافة إلى تسويق المنتجات وحماية الهوية الوطنية من خلال إنشاء منصات رقمية للترويج وتعزيز الهوية الثقافية، والفرص الاستثمارية والاستدامة الاقتصادية وتحديد الفرص الاستثمارية ووضع خطط تنفيذية، وتشجيع الاستثمارات المحلية والدولية، واقتراح سياسات داعمة للنمو والاستدامة، وحوكمة المحتوى المحلي للحرف والصناعات الحرفية.
ولفتت الهدابية إلى أن البرنامج يمكن أن يسهم في تعزيز القيمة الاقتصادية للقطاع الحرفي من خلال رفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي وزيادة عدد المؤسسات الحرفية المسجلة والمستدامة، ورفع القدرة التنافسية للمنتج الحرفي العُماني عبر تطوير الجودة والتصميم، واعتماد معايير صناعية وتسويقية متقدمة للمنتجات الحرفية، وإنشاء بنية تحتية محفزة للابتكار الحرفي تشمل الحاضنات والمختبرات الإنتاجية والمراكز التدريبية المتخصصة، وتعزيز التكامل القطاعي من خلال ربط الصناعات الحرفية بالقطاعات ذات الأولوية كالسياحة والتعليم والثقافة وريادة الأعمال، وإيجاد تحول نموذجي في قدرات الحرفيين عبر بناء كوادر وطنية مؤهلة تقنيا ورياديا، قادرة على الابتكار والإنتاج بأساليب حديثة، وتعزيز التعاون بين القطاع الحكومي والخاص لدعم التنمية المستدامة.
وتطرقت الهدابية إلى أبرز التحديات الواقعية التي يواجهها القطاع، والتي تتمثل في ضعف الإطار التشريعي والتنظيمي من خلال غياب قوانين متخصصة تنظم القطاع وتحمي حقوق الملكية الفكرية للمنتجات الحرفية، وقلة البحوث والتحليل السوقي وندرة الدراسات التي تستكشف متطلبات وتوجهات الأسواق المحلية والدولية مما يحد من قدرة الحرفيين على تطوير منتجات قابلة للتسويق عالميا، وانخفاض مستوى الابتكار والتطوير الإبداعي واعتماد غالبية الإنتاج الحرفي على الأساليب التقليدية دون دمج عناصر التصميم الحديث أو التطوير التقني مما يضعف القدرة التنافسية للمنتجات، وضعف منظومة التدريب والتأهيل المتخصص وذلك يتمثل في محدودية البرامج الأكاديمية والمهنية التي تعزز المهارات التقنية والإدارية للحرفيين وتواكب متطلبات السوق، وعزوف الأجيال الشابة عن القطاع الحرفي وضعف الترويج لمستقبل الصناعات الحرفية كمسار مهني مستدام مما يقلل من الإقبال والانخراط في المهن الحرفية من قبل الشباب، وغياب الحوافز الجاذبة للاستثمار في القطاع وعدم توفر حوافز داعمة كافية للعاملين والمستثمرين بالقطاع مما يقلل من فرص تطوير المشاريع الحرفية وتوسيع نطاقها، وضعف التنسيق بين الجهات المعنية وغياب التكامل بين المؤسسات الحكومية والخاصة في إعداد وتنفيذ سياسات تنموية شاملة تعزز من نمو واستدامة القطاع، وقلة انتقال الحرف من النطاق فردي إلى المؤسسي حيث إن غالبية المشاريع الحرفية تدار كجهود فردية أو أسرية دون وجود نموذج مؤسسي يسهم في نموها أو تمكينها من التوسع والاستدامة.
الصناعات الإبداعية
من جانبه يقول هلال بن سعيد السبتي، مؤسس مركز الاستشارات السياحية: الحرف التقليدية تُعد جزءًا من هوية سلطنة عُمان الثقافية، وعنوانًا لتراثها العريق المتنوع، ورغم الجهود المبذولة لحمايتها وتعزيز حضورها في المعارض والأسواق، فإن هذا القطاع الحيوي لا يزال يواجه تحديات بنيوية تمنعه من أن يكون مساهما حقيقيا في الاقتصاد الوطني. في المقابل، تظهر تجارب عالمية ناجحة في تطوير الحرف من مجرد تراث إلى منتجات إبداعية وثقافية تُسهم في الناتج المحلي، وهو ما يفتح الباب أمام فرص واسعة للسلطنة، شريطة تفعيل أدوات التمكين والتجديد، موضحا: "من أبرز التحديات التي يواجهها الحرفيون ضعف المهارات الإدارية والتسويقية، مما يحوّل الحرفة إلى نشاط محدود لا يتجاوز حدود المعارض السنوية أو الأسواق التقليدية، كما أن معظم الحرفيين، لا سيما في المناطق الريفية، يفتقرون إلى أدوات الترويج الرقمي، وهو ما يُضعف من قدرتهم على الوصول إلى أسواق أوسع أو دمج الحرفيات في المسارات أو القرى السياحية"، علما أن عدد الحرفين المسجلين يبلغ ما يقارب 24 ألفا في مختلف المحافظات، وعليه يجب أن يتم استغلال هذه المهارات بحيث تساهم في اقتصاد الصناعات الثقافية والإبداعية.
وأوضح السبتي أن توفير برامج تدريبية متخصصة في التسويق والإدارة وتطوير المنتج السياحي للحرفيين يُعد عاملًا حاسمًا في نقل الحرف التقليدية من نطاقها المحدود إلى سوق أوسع وأكثر تنافسية، موضحا أن قدرة الحرفين تكمن في تحويل المهارة إلى مشروع مستدام، فالكثير من الحرفيين يمتلكون موهبة يدوية عالية، لكن تنقصهم أدوات التسويق والتخطيط المالي وقيادة المشروع الحرفي، مما يجعلهم غير قادرين على الاستمرارية، إلى جانب تعزيز القدرة التنافسية، فعندما يتعلم الحرفي كيفية بناء علامة تجارية، وتحديد جمهور مستهدف، والترويج الذكي عبر القنوات الرقمية، يصبح منتجه أكثر قدرة على المنافسة في الأسواق المحلية والعالمية، مشيرا إلى أن التدريب يمكّن الحرفيين من فهم احتياجات المستهلكين واتجاهات السوق، مما يفتح المجال لتطوير منتجات تلبي ذوق العصر دون التفريط في الطابع التراثي، إضافة إلى توسيع فرص الدخل، كما أنه من خلال التوجيه المهني يمكن للحرفيين تنويع مصادر دخلهم، إما من خلال البيع المباشر، أو عبر المنصات الرقمية، أو حتى عبر التعاون مع علامات تجارية سياحية أو ثقافية، ولتمكين الحرفيين العمانيين من مجاراة التغيرات العالمية، لا بد من اتخاذ خطوات عملية تشمل برامج تدريبية شاملة تتضمن التسويق، وبناء العلامة التجارية، والإدارة المالية، وإدماج الحرف في التعليم الفني والمدارس التقنية كمادة تطبيقية، بالإضافة إلى تحفيز التصدير عبر معارض حرفية دولية ومنصات بيع إلكترونية، وتأسيس مراكز تطوير المنتج تربط الحرفيين بالمصممين والخبراء، وتمكين المرأة الريفية من خلال إنشاء تعاونيات وحاضنات أعمال، وإطلاق مسابقات سنوية وطنية لأفضل الابتكارات الحرفية بالتعاون مع الجامعات.
وحول سؤال "عمان" كيف يمكن تحويل المنتج الحرفي إلى سلعة تلقى إقبالًا كبيرًا؟ وما مدى الاستفادة من توظيف الصناعات الإبداعية في هذا المجال؟ أجاب السبتي أن "الصناعات الثقافية والإبداعية تقدم إطارًا فعّالًا لتحويل المنتجات الحرفية إلى سلع ذات قيمة اقتصادية عالية، وذلك من خلال تصميم يدمج بين الأصالة والابتكار؛ عبر التعاون بين الحرفيين والمصممين والمبدعين، ويمكن تطوير منتج يحتفظ بهويته الثقافية لكن بأسلوب معاصر يناسب أذواق المستهلكين عالميا (مثل إعادة تصميم نقش تقليدي على منتج حديث كالإكسسوارات أو الديكور)، وتحويل الحرفة إلى تجربة فالصناعات الإبداعية لا تركز فقط على المنتج، بل على القصة المحيطة به، ودمج الحرف في تجارب ثقافية (مثل حلقات العمل، المعارض، أو السياحة الحرفية) يجعلها أكثر جاذبية ويزيد من قيمتها السوقية، والتوظيف الذكي للتقنية عبر الواقع المعزز، والتصميم ثلاثي الأبعاد، أو التسويق عبر قنوات التواصل الاجتماعي يمكن الوصول إلى أسواق جديدة وعملاء حول العالم بطريقة مهنية ومؤثرة، بالإضافة إلى المساهمة في الناتج المحلي فعندما تُبنى منظومة متكاملة تشمل الإنتاج، التصميم، والترويج، والتوزيع ضمن إطار الصناعات الإبداعية، ويتحول قطاع الحرف إلى مساهم اقتصادي حقيقي، يخلق فرص عمل ويدعم سلاسل القيمة المحلية، وبناء هوية وطنية قابلة للتصدير والمنتج الحرفي يحمل بصمة ثقافية، وعند تطويره ضمن الصناعات الإبداعية، يمكن أن يكون سفيرا ثقافيا واقتصاديا في آنٍ واحد.
واستعرض السبتي بعض الممارسات العالمية الناجحة منها تجربة كوريا الجنوبية في دعم الحرف بالتصميم المعاصر حيث أطلقت مبادرة K-Craft لدمج الحرف التقليدية مع التصميم الحديث، مما أدى إلى زيادة صادرات المنتجات الحرفية بنسبة 35% بين عامي 2016 و2021، وتم تدريب الحرفيين ضمن برامج مشتركة مع مؤسسات التصميم، مما رفع متوسط دخل الحرفي بنسبة 40%..
وتجربة المغرب - التسويق السياحي للحرف من خلال دمج الحرف التقليدية في تجربة السائح عبر "جولات الحرف" و"ورش العمل المفتوحة"، مما ساهم في رفع إنفاق السائح على الحرف التقليدية بنسبة 25%، واستفادت المغرب من التجارة الإلكترونية العالمية لتصدير منتجات حرفية إلى أوروبا وأمريكا، وما يمكن تطبيقه في عُمان هو إطلاق "قرى حرفية سياحية" في ولايات مثل نزوى، وبهلا، أو صور أو أي ولاية تزدهر بالحرفيات، بحيث يعيش السائح تجربة حرفية حقيقية، وإدراج المنتجات الحرفية ضمن مسارات سياحية رسمية والترويج لها من خلال الفنادق وشركات السياحة.
أما في تجربة الهند - تعزيز الحرف عبر التجارة الرقمية، فقد قامت بإنشاء منصات رقمية مثل “India Handloom” لدعم بيع المنتجات الحرفية إلكترونيًّا، ما أدى إلى تمكين أكثر من 1.5 مليون حرفي، وتم دمج برامج تدريبية متخصصة في التسويق الرقمي للحرفيين المحليين، وما يمكن تطبيقه في عُمان هو إنشاء منصة إلكترونية وطنية للحرف العُمانية، مدعومة بخدمات تصوير احترافي، وبوابات دفع، ولوجستيات شحن، وتدريب الحرفيين العمانيين على التسويق الرقمي عبر برامج “تمكين إلكتروني” ضمن مبادرات وزارة الثقافة أو هيئة الصناعات الحرفية.
