"الجيلة" بولاية نخل.. واحة خضراء وسط تضاريس جبلية قاسية
تتجلى براعة الإنسان العماني و صموده وإصراره وبحثه عن مصادر الرزق في كثير من المشاهد على امتداد سلطنة عمان، حيث تتجسد روح الكفاح والبناء وإعمار الأرض وزراعتها في ظروف وتضاريس جبلية قاسية، وقد استطاع الإنسان العماني بكفاحه وإرادته شق صخور الجبال لإنشاء سواقي المياه لتجري فيها شرايين الحياة وتروي بساتين النخيل الخضراء التي تطل بوجهها اليانع وسط الجبال.
ومن بين المشاهد الحاضرة على صلابة الإنسان العماني و تعامله مع الظروف الطبيعية القاسية في فترات زمنية ماضية وقبل وجود المعدات الثقيلة والآلات التي تشق الجبال وتزرع الأرض وتحفر بين الصخور الصلبة، تطل بلدة (الجيلة) بقرية الحصين بولاية نخل بمحافظة جنوب الباطنة واحة نخيل وسط الجبال، بتضاريسها الجبلية القاسية، حيث لم تكن تصل إليها المركبات إلى وقت قريب، وكان الأهالي يصلون إليها مشيا أو على الدواب.
طريق جبلي شاق
و أينما كان الماء كانت الحياة، حيث جذبت آثار لعيون مائية عذبة وبعضها مائلة للملوحة تعطش الأهالي للزراعة، في زمن كانت الأرض مصدر الغذاء ويأكل الناس مما يزرعون، وقد شق أهالي قرية (الجيلة) منذ قديم الزمان سواقي لتمر عليها مياه تلك العيون، وفسلوا أنواعا من النخيل على سفح جبل البلدة، فدبت الحياة وسط تلك الجبال الصماء وبسقت النخيل وأنواع من الحمضيات في بساتين بلدة (الجيلة) التي تطل بوجهها في تلك البقعة التي تحيط بها الجبال الشاهقة من كل صوب.
(عمان) زارت بلدة (الجيلة)، والتقت بحمد بن راشد بن حمود السيابي من أهالي الجيلة، وقال: كانت السيارات لا تصل إلى البلدة، وبعد قدوم إحدى الشركات بالقرب من البلدة للتنقيب عن بعض المعادن شقت الطريق إلى منطقة التنقيب، قمنا بالاستفادة من المسافة التي شقتها الشركة وقام الأهالي بشق طريق جبلي يتفرع من الطريق الذي شقته الشركة لتستطيع مركبات الأهالي ذات الدفع الرباعي الوصول إليها.
وأضاف السيابي واصلت الأجيال الاهتمام بالزراعة في البلدة، وساروا على خطى آبائهم في الاهتمام بالزراعة في البلدة، ولم تثن عزيمتهم عدم قدرة المركبات على الوصول للبلدة، حيث نذهب مشيا على الأقدام أو نحمل المواد من ثمار النخيل والمزروعات عبر الدواب، وكذلك نقوم بنقل الأسمدة ومتعلقات الزراعة إلى البلدة، وبعد شق الطريق الجبلي استطاعت المركبات الوصول للقرية وهذا الأمر سهل كثيرا الوصول للبلدة واختصر المسافة.
جودة الرطب
وأشار حمد السيابي إلى أن الأهالي في بلدة الجيلة قاموا منذ قديم الزمان بزراعة النخيل بعدد بسيط يصل لقرابة 10 نخلات نغال، واليوم أصبح فيها مئات من مختلف الأنواع مثل النغال والمبسلي وقش طبق، إضافة إلى أشجار الورس والحناء وأنواع من المانجو والليمون وبعض المزروعات الموسمية التي يزرعها الأهالي بين فترة وأخرى بحسب المواسم، موضحا أن البلدة تتميز بجودة وفيرة في محصول الرطب يقبل عليه الكثير من الناس، حيث يعود ذلك إلى بعد البلدة عن المزارع وموقعها وسط الجبال، وما تتميز به من أجواء حارة وجافة في الصيف تعطي جودة لأنواع الرطب الذي يجنيه الأهالي من النخيل بموسم الرطب.
عيون مائية
وأوضح السيابي أن البلدة تعتمد في سقي مزروعاتها على عيون مائية بعضها عذبة وبعضها يميل إلى الملوحة نظرا لوجود مواد كلسية، مؤكدا أن مياه العيون لا تجف طوال العام ويزيد منسوب المياه فيها مع هطول الأمطار حيث يقل في بعض المواسم ولكنه لا ينقطع.
وأكد السيابي أن بلدة الجيلة لا يعرفها الكثيرون نظرا لبعدها وموقعها بين الجبال، ولكنها تعد مثالا حيا على تحمل الإنسان العماني لظروف الحياة وسعيه إلى رزقه والحصول على الطعام من ثمار النخيل والمزروعات مهما كانت الظروف صعبة.
وتجولت (عمان) بين أحضان بلدة الجيلة، حيث يكون الوصول إليها من بوابة قرية الحصين بمنطقة الأبيض بولاية نخل، وعند الوصول إلى قرية الحصين، يبدو للمشاهد أنه لا يوجد بعد ذلك أي قرية أو بلدة أخرى، ولكن عبر طريق جبلي وعر لمسافة تقارب 5 كلم، تطل بلدة الجيلة باخضرار نخيلها وسط الجبال.
و تنبع عيون مائية فيها نوع من الكلس وتجري مياهها في سواقي صغيره، وتتجمع في بركة مائية ثم يتم توزيعها عن طريق السواقي والأفلاج لتروي البساتين، حيث توجد أجود أنواع نخيل النغال التي بدا رطبها يميل إلى الاصفرار مؤذنا بقرب موسم القيض.
