No Image
عمان اليوم

البروفيسور أحمد الحراصي: إنجازات عمانية ملموسة في البحث والابتكار .. ونقلة مرتقبة مع زيادة الإنفاق

31 ديسمبر 2022
واقع وتحديات البحث العلمي في سلطنة عمان
31 ديسمبر 2022

- أهمية إنشاء المركز الوطني للبحث العلمي وإيجاد تشريعات منظمة وخطة للتدريب والتأهيل

- 1000 بحث نوعي باسم عمان في مجلات علمية مرموقة

- بعض مراكزنا البحثية تمتلك الحد الأدنى من البنية الأساسية

- عدم اهتمام القطاع الخاص بالبحث العلمي سيحد من قدرته التنافسية

تسعى الدول إلى تعزيز البحث العلمي والابتكار والدراسات العلمية باعتبارها أساسًا للتطور والرقي، ويتطلع المجتمع في سلطنة عمان إلى أن يثمر البحث العلمي والابتكار عن مشروعات تلامس واقع حياته اليومية، في العديد من المجالات الطبية والمجتمعية والاقتصادية.

وعلى الرغم من مرور عشرات السنين على تخرج أفواج الباحثين من الجامعات العمانية وغيرها من الجامعات في الخارج، إلا أن المجتمع إلى الآن لم يلمس الطموح المعقود على الباحثين العمانيين.

«عمان» تفتح ملف التحديات التي تواجه البحث العلمي في سلطنة عمان، عبر حوار مع البروفيسور أحمد بن سليمان الحراصي نائب رئيس جامعة نزوى للبحث العلمي والدراسات العليا والعلاقات الخارجية، رئيس مركز أبحاث العلوم الطبيعية والطبية بالجامعة الذي تحدث عن واقع البحث العلمي في الوطن العربي وسلطنة عمان وأبرز التحديات التي تواجه مشروعات البحث العلمي والبنية الأساسية الخاصة بالبحث وغيرها من الجوانب، حيث أرسل أجوبته على محاور النقاش عبر البريد الإلكتروني.

في بداية حديثه، قال الحراصي: إن البحث العلمي لم يعد ترفا تمارسه دول العالم المتقدم ولم تعد المعرفة كما كانت قضية تأملية فكرية فحسب، بل هي الآن قضية اقتصادية لها انعكاسات سياسية واجتماعية كما هو الواقع الآن مع دول الهيمنة السياسية، موضحًا أن وحتى الحرب أخذت منحى آخر فلم تعد تلك المعهودة من قبل إذ بنا نرى حرب الفيروسات بأنواعها البيولوجية والتقنية لذا أصبح من الضرورة بمكان وضع الأولويات البحثية على قائمة أولوياتنا للعقود القائمة.

وأشار الحراصي إلى أنه ومن خلال تجربته في البحث العلمي منذ اليوم الأول من تأسيس الجامعة والتي تزامن بناء الأعمدة الثلاثة فيها ممثلة في التدريس (نقل المعرفة) والبحث العلمي (إنتاج المعرفة) وخدمة المجتمع (تطبيق البحوث وتقديم الاستشارات) أصبحنا أكثر يقينا بالمقولة الشهيرة لديريك بوك، الرئيس السابق لجامعة هارفارد «إذا كنتَ تظنّ أن التعليم مُكلّف، جرّب الجهل»، فمن غير المتصّور أن يقدّم الدعم للبحث العلمي من ليس لديه القناعة بأهميته وكلفته، كذلك علينا أن ندرك أن مردوده المؤكد يحتاج إلى وقت طويل وتمويل سخيّ ليعطي نتائجه المرجوّة.

وأضاف البروفيسور أحمد الحراصي: لقد كان لنا شرف المساهمة في زخم البحث العلمي العالمي بمجموعة رفيعة من البحوث النوعية تجاوزت الألف بحث علمي نشرت في مجلات علمية مرموقة جميعها تحمل اسم عمان، مؤكدًا أن ذلك النتاج البحثي الممنهج كان ثمرة ونتاجًا لتأسيس بنية أساسية صلبة من المعامل المتخصصة المجهزة بأحدث التقنيات الحديثة أهمها مختبر أبحاث الجينوم والتقنية الحيوية ومختبر أبحاث الأحياء الدقيقة ومختبر أبحاث الأنزيمات ومختبر أبحاث السرطان والالتهابات ومختبر أبحاث الخلايا الجذعية والطب التجديدي ومختبر أبحاث النباتات الطبية والأحياء البحرية ومختبر أبحاث الكيمياء التصنيعية والحفز الكيميائي ومختبر أبحاث البلورات، بالإضافة إلى وجود كادر بحثي مؤهل وشبكة واسعة من التعاونات الدولية مع أرقى الجامعات العالمية.

وقال الحراصي: هذه البحوث حققت عددا من الانجازات أهمها اكتمال مشروع الجينوم الكامل لشجرة اللبان العماني بعد ست سنوات من العمل واستخدام الجزيئات متناهية الصغر لحل ذائبية أحماض اللبان وزيادة كفاءتها كمضادات للالتهاب والسرطان ووصول أول منتج طبي إلى التجارب الإكلينيكية لعلاج الصدفية وفهم آلية عمل مكوّن الأينسينسول باستهداف مستقبلات جابا بالدماغ والذي نأمل أن يكون أول علاج آمن للاكتئاب.

وأوضح أن هذا النتاج وغيره جعل الجامعة ممثلة في مركز أبحاث العلوم الطبيعية والطبية مرجعًا استشاريًا في أبحاث العلوم الطبيعية والطبية مؤكدة دورها المحوري في إنتاج ونشر المعرفة ومحوّلة غراس التربة العمانية الطيبة من خامات طبيعية ونباتات طبية وأحياء بحرية إلى نواتج تكنولوجية وطبية ذات جدوى اقتصادية وقيمة مضافة توشك أن تؤتي أكلها، ورغم هذا فإنَّ هذا النتاج، وإن عُدَّ نوعيًا في سلطنة عمان، فإنما يُعدُّ متواضعًا جدًا في المجتمع العلمي العالمي.

أبرز التحديات

وعن أبرز التحديات التي تواجه البحث العلمي في سلطنة عمان أشار رئيس مركز أبحاث العلوم الطبيعية والطبية بجامعة نزوى إلى أن هناك عدة تحديات تواجه البحث العلمي وهي غياب التشريعات المنظمة للبحث العلمي، وضعف انخفاض حجم الإنفاق الحكومي وغيابه تماما من القطاع الخاص والاعتماد على التمويل المقدم من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار والذي تأثر كثيرا مؤخرا.

وقال: ينفق القطاع الخاص ضعف إنفاق القطاع العام في كل من فرنسا وبریطانیا وألمانيا والولايات المتحدة، بینما تجد الوضع مختلفا تماما في الدول العربية حیث لم یتجاوز إسهام القطاع الخاص معدل (5%) من إجمالي الإنفاق على البحث والتطویر والوضع في سلطنة عمان مماثل لذلك الموجود في الدول العربية.

وفي إطار حديثه عن التحديات أشار الحراصي إلى ضعف الاستثمار في الكادر البشري تأهيلًا وتدريبًا وقال: العالم يتجه بوتيرة متسارعة إلى الافتصاد المبني على المعرفة والبحث العلمي والابتكار وأهم هذه الركائز رأس المال البشري الذي لم نوفر له الأرضية الصحيحة في غياب القناعة لدى الكثير من المسؤولين بتطوير الكفاءات العمانية.

كما أوضح أن ضعف تأهيل القائمين على إدارة البحوث بمجلس البحث العلمي تعد واحدة من التحديات مشيرًا إلى أنه إذا ما تتبعنا مسيرة مجلس البحث العلمي منذ إنشائه نرى أن أحد التحديات التي تحد من إنتاجيته كما رسم له هو وجود القائمين على إدارة البحوث ليس ممن مارسوا البحث العلمي في الواقع والذي شكّل فهمًا خاطئًا وبالتالي انعكس سلبًا في بعض القرارات التي اتخذت.

وأكد الحراصي أن عدم وجود مركز أبحاث وطني أو أكاديمية علمية لإنتاج ونشر المعرفة وتقديم حلول للمشكلات التي تواجه سلطنة عمان من خلال البحث العلمي، إضافة إلى غياب التنسيق والتعاون لعدم وجود مظلة واحدة للقطاعات التي تعنى بالبحث العلمي، وضعف المستوى الأكادیمي للجامعات بسلطنة عمان فضلًا عن ضعفها في البحث العلمي.

وبيّن البروفيسور الحراصي أنه لا توجد قناعة لدى مؤسسات القطاعين الحكومي والخاص على حد سواء بجدوى البحث العلمي تعد من ضمن التحديات إضافة إلى التركيز على البحوث الوصفية غير النوعية ولأغراض الترقية الأكاديمية فقط وهناك الكثير من المشكلات البيئية والطبية والزراعية لم يسهم البحث العلمي في حلها، إضافة إلى عدم وجود خطة واضحة للأولويات البحثية وربطها مع الرؤية الاقتصادية لسلطنة عمان، وغياب الإطار القانوني لحفظ حقوق الباحثين، إضافة إلى وجود عدد من التعقيدات الإدارية مثل الحصول على التصاريح إلى التأخير الطويل في وصول المواد الاستهلاكية للبحث العلمي وغياب البيئة الجاذبة والحوافز والتشجيع المادي والمعنوي والتسهيلات الأخرى مما يضع الباحث العماني تحت تحدٍ كبير ليجعل قطاع البحوث من القطاعات التي تستنزف كثيرا من الوقت والجهد.

الدور الحكومي

وأكد البروفيسور أحمد الحراصي أن دور الحكومة في دعم البحث العلمي يعود بنا مرة أخرى إلى أننا نتصور من الحكومة أن تلعب دورًا أكبر في دعم البحث العلمي ولن يتأتى ذلك ما لم تكن هناك قناعات بأهميته وجدواه في إيجاد اقتصاد مستدام، والدعم هذا ليس بالضرورة هو ما تقدمه الحكومة ماليا وإنما بممارسة ضغوط أكثر على الشركات لدعم البحوث المنتجة.

البنية الأساسية

وعن وجود البنية الأساسية للبحث العلمي وقدرتها على التعاطي مع البحوث النوعية قال الحراصي: لا شك أن البنية الأساسية من مختبرات وأجهزة علمية متخصصة متطلب أولي لإقامة بحوث نوعية، وهناك بعض المراكز بسلطنة عمان تمتلك الحد الأدنى من هذه البنية ولكن في اعتقادي ما زال نتاجها لم يخرج من البحوث الوصفية إلى البحوث النوعية.

الكفاءات الوطنية

وأكد البروفيسور الحراصي أن الكفاءات الوطنية البحثية وقدرتها على إجراء البحوث النوعية تعد أهم الركائز وأكثرها ديمومة وأضمنها استثمارًا ولو أعطي الكادر العماني الشاب حقه تأهيلًا وتدريبًا لأحدث نقلة نوعية في القطاع البحثي.

ويوجد الآن عدد من الباحثين العمانيين الأكفاء الذين تخرجوا من أفضل الجامعات لكن في قطاعات متفرقة ولم تتم الاستفادة منهم، وبين حجم الفائدة لو تم إنشاء مركز أبحاث وطني وتمت الاستفادة من هذه الكفاءات.

مساهمة القطاع الخاص

وعن مساهمة القطاع الخاص في دعم البحوث العلمية قال رئيس مركز أبحاث العلوم الطبيعية والطبية بجامعة نزوى: هذه المساهمة حاليا قد تكون مغيّبة تمامًا الآن وذلك بسبب عدم وجود القناعات والإيمان والوعي لدى القطاع الخاص ولعل لذلك ما يبرره وهو عدم تمكن البحوث الحالية من الوصول إلى نواتج ذات قيمة مضافة يمكن أن يساهم القطاع الخاص في الاستثمار فيها.

وأضاف: عدم وجود ضغوطات من الحكومة على شركات القطاع الصناعي لدعم البحوث أدى إلى تراخٍ في الدعم، مؤكدًا أن الهوة كبيرة جدا بين ما يقدمه القطاع الخاص في الدول المتقدمة ونظيره في الدول العربية، موضحًا أن عدم اهتمام القطاع الخاص بمجال البحث العلمي سيحد حتمًا من قدرته التنافسية في المستقبل ومن قدرته على اقتحام الأسواق الخارجية في ظل اقتصاد معرفة عالمي متنامٍ.

وأشار الحراصي إلى أن نسبة مساهمة القطاع الخاص في دعم البحوث لا تتجاوز 0.18% من إجمالي الإنقاق على البحث والتطوير في سلطنة عمان لعام 2015م، وعلى سبيل المثال نجد أن تقنية المعلومات أسهمت بمبلغ 150 مليار دولار للاقتصاد في عام واحد، وتصرف شركات الأدوية في الولايات المتحدة أو فرنسا أو ألمانيا 50% من قيمة مبيعاتها على البحث العلمي.

وأكد على أنه يعوّل على شراكة حقيقية بين المراكز البحثية والقطاع الخاص حيث يمكن للقطاع الخاص المساهمة بالدعم المباشر للبحوث ذات الأهمية الوطنية أو التوجه نحو الاستثمار في نواتج البحوث.

مقترحات

وتحدث الحراصي عن جملة من المقترحات والآليات المساعدة في تطوير منظومة البحث العلمي ومن بينها استحداث آلية لزيادة الإنفاق الحكومي وتشجيع وممارسة بعض الضغوطات على القطاع وإعداد خطة وطنية شاملة لتأهيل وتدريب الباحث العماني.

كما اقترح ضرورة تأهيل القائمين على إدارة البحوث بمجلس البحث العلمي واختيار الباحثين ممن مارسوا البحوث على الواقع، وإنشاء مركز أبحاث وطني أو أكاديمية علمية لإنتاج ونشر المعرفة وتقديم حلول للمشكلات التي تواجه سلطنة عمان من خلال البحث العلمي يكون بمثابة مظلة واحدة تحتضن كل مجالات البحث.

وبيّن الحراصي أنه يجب العمل على التكامل وليس التنافس بين القطاعات البحثية فغياب التنسيق والتعاون لعدم وجود مظلة واحدة للقطاعات التي تعنى بالبحث العلمي سيشتت الجهود ولن يأتي بنتيجة.

وأضاف: من الضروري العمل على رفع المستوى الأكاديمي والبحثي للجامعات والكليات بسلطنة عمان حيث هي في الغالب أقرب إلى المدارس الثانوية منها إلى الجامعات وإذًا لا يتوقع من مخرجاتها تقديم أي إضافة في القطاع البحثي أو الصناعي، كما بيّن أهمية لعب الإعلام دورًا فاعلًا في نشر ثقافة البحث العلمي حتى يتولّد لدينا الإدراك والقناعات بأهميته وبالتالي تقديم الدعم المستحق له.

كما أوضح ضرورة إعطاء الأولوية لدعم البحوث النوعية اللاوصفية والتي تقدم حلولًا لكثير من المشكلات البيئية والطبية والزراعية التي تواجهها سلطنة عمان وربط الأولويات البحثية بـ«رؤية عمان 2040» ومتابعة نتائجها ووضع جدول زمني لها.

كما اقترح إنشاء مكتب فاعل لحماية الملكية الفكرية ووضع التسهيلات الإدارية مثل الحصول على التصاريح للحصول على المواد الاستهلاكية للبحث العلمي وجعل بيئة البحث العلمي بيئة جاذبة وتوفير الحوافز والتشجيع المادي والمعنوي والتسهيلات الأخرى.

واقع النظام البحثي

وعن واقع نظامنا التعليمي والبحث والابتكار قال البروفيسور أحمد بن سليمان الحراصي: لا يمكننا الحديث في المرحلة الراهنة عن الابتكار ونواتجه إلى أن تتم مراجعة نظام التعليم ومناهجه في كل مراحله، والإنفاق عليه بما يستحقه، واحتضان النوابغ وتأهيلهم متسائلًا أين وضعنا الحالي في مؤشر الابتكار العالمي بشكل عام، وفي المؤسسات، وفي رأس المال البشري، وفي البحث، وفي البنية الأساسية، وفي تطور السوق، وفي تطور بيئة العمال، وفي المخرجات المعرفية والتكنولوجية، وفي المخرجات الإبداعية؟

وقال: سلطنة عمان تمتلك رأسمال بشريًا لو تم الاهتمام به تأهيلًا وتدريبًا وتمكينًا، لأحدث نقلة نوعية في هذا المؤشر، ويجب ألا نستنكف من قبول هذا الواقع من أجل تغييره، وإلا سنظل على ما نحن عليه، أي سنظل متلقين للتكنولوجيا بدل أن نكون مبتكرين، ومشغّلين بدل أن نكون مصنِّعين.

وأكد الحراصي أن البحوث والدراسات والمشروعات العلمية تساهم في تحقيق الرفاهية للشعب، وتحقيق الاستقلالية والسيادة للدولة، وتقديم الحلول لمشكلات الكون والمجتمع، موضحًا أن القوة اليوم ليس بما نمتلكه من أسلحة، ولكن بما نملكه من علم، فالمعرفة هي القوة الاقتصادية والسياسية، ونحن بحاجة إلى مشروع نهضوي ذي استراتيجية تعليمية وبحثية مشتركة، وإلى مؤسسة تتابع البحث العلمي وتموله.