البحيرات الوردية.. لوحات ساحرة تجسد جمال الطبيعة العمانية وتنوعها
تُعدّ البحيرات الوردية من الظواهر الطبيعية اللافتة التي تجمع بين الخصوصية البيئية والجاذبية السياحية، حيث تمتاز بلونها الوردي البديع الناتج عن وجود طحالب دقيقة أو بكتيريا محبة للملوحة تنتج أصباغًا طبيعية، مما جعلها مقصدًا للزوار ومحل اهتمام الباحثين حول العالم، في وقت يحذر فيه العلماء من مخاطر قد تهدد بقاءها نتيجة التغيرات البيئية والتوسع العمراني.
وتشكل البحيرات الوردية في سلطنة عُمان كنزًا بيئيًا واقتصاديًا يعكس جمال وتنوع الطبيعة العُمانية وغناها.
"عُمان" التقت عبد الله بن محمد الشحي، الباحث في مجال العلوم الزراعية والبيئية، وحاورته حول البحيرات الوردية والأسباب الرئيسية التي تكسبها هذا اللون.
وقد أوضح أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية للون الوردي أو الأحمر في البحيرات الوردية، منها النظام البيئي للبحيرات التي تقع في المناطق الشاطئية أو في مناطق بعيدة نسبيًا عن السواحل، غير أن ارتباطها بالبحر ومصبات الأودية يجعلها عرضة لتبخر المياه تحت تأثير درجات الحرارة المرتفعة والضوء الشديد، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الملوحة إلى أكثر من خمسة وثلاثين ضعفًا مقارنة بملوحة البحر.
وأضاف أن البيئة القاسية تشجع بعض الطحالب والبكتيريا المحبة للملوحة على إفراز أصباغ تحميها من الظروف البيئية، مثل الطحالب الدقيقة التي تنتج صبغة "بيتا كاروتين"، والبكتيريا التي تفرز أصباغًا حمراء، كما يساهم تفاعل ضوء الشمس مع التركيز العالي للأملاح والمعادن في إبراز اللون الوردي.
وأوضح أن البحيرات الوردية تُعد مواقع مهمة في قطاعات عدة، منها القطاع البيئي والسياحي والإنتاجي؛ فهي وجهات سياحية يقصدها الزوار للاستكشاف والتصوير والاستمتاع بجمال الطبيعة الخلاب، ومتابعة الظواهر الطبيعية النادرة التي تجعل كل زيارة تجربة فريدة، كما توفر فرصًا مميزة للبحث العلمي ودراسة التغيرات البيئية وتأثير الملوحة والطقس على النظام البيئي، إضافة إلى كونها مصدرًا اقتصاديًا مهمًا لاستخراج الملح، وبيئة حيوية متكاملة للكائنات الدقيقة وبعض الطيور النادرة مثل طيور الفلامنجو التي تتغذى على هذه الكائنات، وهو ما يعكس التنوع البيولوجي الغني لهذه المواقع ويجعلها نموذجًا متفردًا للتوازن البيئي، كما تُسهم في تعزيز الوعي البيئي والسياحي، وتشجع على استدامة الموارد الطبيعية وحماية النظم البيئية الفريدة في سلطنة عُمان.
ويعزو بعض العلماء اللون الوردي في طيور الفلامنجو إلى استهلاكها الكبير لتلك الصبغات الوردية.
وأشار الباحث الشحي إلى أن سلطنة عُمان تُعد من الدول القليلة التي تتفرد بوجود البحيرات الوردية بها، حيث تشكل مواقع سياحية تستقطب الزوار من داخل سلطنة عمان وخارجها في مواسم تلونها باللون الوردي. وتتوزع هذه البحيرات في عدة مناطق، أبرزها بحيرة السويح في ولاية جعلان بني بوعلي بمحافظة جنوب الشرقية، والتي تقع بين رأس الحد والأشخرة، وكذلك بحيرات الجازر في محافظة الوسطى التي تضم بركتين بارزتين على مقربة من الساحل، إلى جانب منطقة الرويس الواقعة بين صور والأشخرة. كما توجد بحيرات أخرى غير معروفة أو مسجلة بشكل رسمي، منها البحيرة الوردية في ولاية بخاء، وكانت تلك المنطقة سابقًا عبارة عن بحيرات رطبة معظم أيام السنة.
وربط الباحث عبد الله الشحي بين البحيرات الوردية التي زارها خلال الشهور الماضية والبحيرات التي نشأ بجوارها منذ طفولته، حيث اكتشف بعد عودته من تلك الرحلات الاستكشافية وجود البحيرة الوردية المهددة بالاندثار، ولاحظ تشابه الطحالب التي تنمو فيها مع تلك التي رآها في بحيرات أخرى. وأكد أن الجهات المختصة في سلطنة عمان تعمل على حماية هذه المواقع البيئية وتحويلها إلى مناطق جذب سياحي.
وذكر أن هناك بحيرات وردية شهيرة على مستوى العالم، منها بحيرة "هيلير" بأستراليا الواقعة في جزيرة ميدل آيلاند، وبحيرة "ريتبا" وبحيرة الملح في السنغال، وبحيرة "لاس كولوراداس" في المكسيك، وبحيرة "هوت لاغو" بكندا، إلى جانب بحيرات "تورييفيخا" في إسبانيا.
