مسجد العين داخل حارة البلاد بمنح: أناقة الترميم القديم تظهر في طلاء المحراب وخشب السقف بالألوان الزيتية الخضراء
روائع المساجـد الأثريـة العـمانية -
محمد بن سليمان الحضرمي -
جاءت تسمية «مسجد العين» الواقع داخل حارة منح الأثرية بمحافظة الداخلية، بسبب مجاورته لعين مائية يطلق عليها اسم «عين البلاد»، تمر سواقيها أسفل المسجد مباشرة، فهو مسجد مجاور للعين، به أصبحت علما، العين والمسجد، نقطتان دافقتان بالحياة، العين تروي الأراضي القاحلة، والمسجد يروي النفوس المتصحّرة.
يقع مسجد العين في الجهة الجنوبية من حارة منح الأثرية، والمعروفة باسم «حارة البلاد»، أو «حجرة البلاد» ويطلق اسم الحجرة على الحارة من باب تسمية الجزء بالكل، فالحجرة جزء من مكونات المنزل الذي هو مكون للحارة، لذلك فمسمى الحجرة بمثابة النواة في هذا العمران العريق، ويأتي مسجد العين داخل هذه الحارة، ضمن المساجد الثلاثة ذات المحاريب المنقوشة، خلال مطلع القرنين العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، ويعد محرابه أحد المحاريب الخمسة التي صنعها النقاش عبدالله بن قاسم بن محمد الهميمي خلال خمسة عشر عاما فقط، بدءا بمسجد العالي داخل هذه الحارة وذلك عام 909هـ، وحتى عام 925هـ الذي أتم فيه محراب مسجد الشرجة بنزوى، أما محراب مسجد العين فقد فرغ من صنعه عام 911هـ/ 1505م. وإذا كان هذا الفنان قد أنجز خلال 15 عاما فقط خمسة محاريب، فمن المرجح أن يكون قد أنجز غيرها الكثير طيلة حياته، ولكنها ضاعت أو اندثرت أو تهدمت.
في إحدى أخشاب السقف وثيقة كتب فيها: تم عمار هذا المسجد بتاريخ يوم 3 جمادى الأولى عام 1401هـ/ 1981م أي قبل 36 سنة، في تلك الفترة لم تكن هذه المساجد تحت إشراف وزارة التراث والثقافة، حيث ما تزال بيوت الحارة ملكا للأهالي، وبإمكانياتهم المتواضعة قام الأهالي بعملية الترميم بإعادة تقويم جدران المسجد بالطين، وإعادة تسقيفه بخشب المصنع المربع، وصبغه خشب السقف والمحراب باللون الزيتي، وكان اللون الأخضر الغامق هو الخيار المناسب للمحراب، ورغم أن هذا الزيت طمس معالم المحراب الخطية، وغطى على لون الجص والجبس فيه، إلا أنه في تلك الفترة كان الخيار المناسب، فالمهم أن يبقى المحراب متماسكا ولا يتداعى، وهذا ما أكده أحد الباحثين في ترميم المحاريب، إضافة إلى أن الألوان الزيتية لها القدرة على إخفاء عيوب التصدع، ومقاومة الرمة من أن تطال الخشب.
أناقة الترميم القديم ظاهرة للعيان، ويبدو ذلك من مزج اللونين الأحمر والأخضر، على السقف، واللونين الأبيض على الجدران والأخضر على المحراب، مع إضافة حزام من اللون البني في الجدران من الأسفل، بارتفاع يصل إلى متر واحد.
محراب مسجد العين لا يمتاز بكثير من الفخامة، فهو من المحاريب صغيرة الحجم التي لا يتعدى عرضها أكثر من ثلاثة أمتار أما الارتفاع فيصل إلى أربعة أمتار، وبه ساريتان ترفعان السقف، ورغم أن المحراب صغير الحجم قياسا بمحاريب أخرى أبدعها النقاش عبدالله بن قاسم الهميمي، كمحراب جامع بهلا الذي زرناه خلال الأيام الماضية، ومسجد الشراة الذي سنزوره غدا، إلا أنه يمتاز بكثافة الأشكال النباتية والتكوينات الهندسية والخطوط الحروفية فيه، بدأ من رأس المحراب الذي يرفع جملة التوحيد عالية في تاجه: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وفي أعلى الصدر نقرأ اسم النقاش ومن أقام معه وعاونه في صناعة هذا المحراب، أو دعمه بالمال والحال وهو عبدالله بن وهب بن أحمد.
نجد أن النقاش الهميمي يسخر طاقته الفنية في هذه المساحة الصغيرة من المحراب لتنقيش أشكال كثيرة، تتناسج مع بعضها لصنعة هذه التحفة الزخرفية، بحيث إن ما نراه عن يمين المحراب يتكرر عن شمال المحراب، مع اختلاف في أشكال الدوائر وأحجامها بحسب موقعها من المحراب، وفي وسط المحراب يظهر صحن خزفي قديم، ينتمى إلى تلك الفترة، يتضمن شكلا لطيور أسطورية ترفرف بين الأغصان في حركة دائرية وكأنه تحوم في السماء. صحن مسجد العين من جهتي الجنوب والشرق للمسجد، وله أربعة أبواب ونافذتان تطلان على جهة الشمال، وتم صميم البومة في الركن الشرقي الشمالي، موصولة بسلالم خشبية إلى أعلى السقف، وكغيره من المساجد توجد به بئر ماء خاصة به، وأماكن للوضوء والاستحمام.
كل هذا الجمال في أنحاء المسجد، ولا يؤمه المصلون!، بسبب إغلاق الحارة التي لا تزال في مرحلة الترميم، في أرضية المسجد يتناثر أعشاش الطيور، حيث تفرخ في الكوى العلوية، حيث تجد في الأمكنة المهجورة مكانا مناسبا للمبيت والتعشيش.
يحكي لنا الآباء، أن مسجد العين بحارة منح شهد محاضرة ألقاها نورالدين عبدالله بن حميد السالمي، جاء زائرا لمنح، فالتقاه الناس داخل صحن المسجد، ومنذ ذلك اليوم بقي اللقاء محفورا في أذهان الناس وتتناقله الأجيال.
