الليلة الرابعة.. الإيمان بالغيب
جمال رمضان العيسين -
الحديث عن الجانب المادي مهم داخل الأسرة المسلمة، والنقاش فيه مطلوب من حين لآخر للجرد ومعرفة الحالة المالية التي تعيشها العائلة، ولكنّ والدي نجيب أرادا أن يجنباه الخوض في هذه المواضيع، لأن الأهم عندهما هو الجانب الروحي، العقدي والديني، وعلى هذا بدأ الحوار في سمر هذه الليلة، بالحديث المفصل عن الركن الثالث من الجملة : (وأشهد أنّ ما جاء به محمد حق من عند الله )، وهو الإيمان برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء فيها من الإيمان بالموت وهي حقيقة لا يمكن أن ينكرها أحد على الإطلاق، ومنها الإيمان بالغيبيات كالبعث والحساب والجنة والنار، وهذه الغيبيات يقرها المؤمن (خاصة أهل المغرب) كل يوم على الأقل خمس مرات في تشهد الصلوات، (أشهد أن الموت حق وأن البعث حق وأن الحساب حق وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور) . كذلك يجب الإيمان بأن القرآن منزل من عند الله، نزل به الروح الأمين على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تكفل الله بحفظه من التحريف والتصحيف والتبديل، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، وعلى المسلم أن يؤمن أن جميع الأنبياء يتصفون بالصدق والأمانة، وأنه يستحيل في حقهم الكذب والغش والخيانة، وأنه يجوز في حقهم أن يتصفوا بما هو من طبيعة البشر، كالنوم والأكل والشرب و المشي في الأسواق ...
ومن الغيبيات التي يجب على المسلم الإيمان بها الملائكة، حيث يجب أن يعتقد المسلم المؤمن أن الملائكة حق، وأن الطبيعة التي خلقهم الله عليها، غير طبيعة البشر، فهم عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، لهم أجسام نورانية، محجوبة عن رؤية الناس، لا يتصفون بالذكورية ولا بالأنثوية، ولا بما يتكون به جسم الإنسان من لحم ودم وعظم، بل أقصى ما نعرفه عنهم أن الله وصفهم بأنهم أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع،(الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، حتى النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل على صورته الحقيقة، ولكنه لم يصف تلك الصورة، من الملائكة من خلق للعبادة، ( وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ )، ومنهم من خلق لتنفيذ إرادة الله في الخلق وإبلاغ رسالاته لأنبيائه.
وفي معمعة هذا الحوار تأتي فرقعات أكواب الشاي لتنبأ الجميع أنها فترة استراحة لشرب كأس منعش من الشاي الأخضر اللذيذ، وأثناء احتساء الشاي وقع نقاش بسيط بين الزوجين مع شيء من الهزل، ولكن سرعان ما عادا الى الحوار المهم، بعد أن أظهر كل واحد منهما مدى حبه وتقديره للآخر، فقالت الزوجة في هذا السياق: (معاذ الله أن أصدر أمرا أيها الزوج الحبيب، فأنت القوام على هذا البيت، ولك فيه الأمر، وعلي السمع والطاعة). وهذا قمة الاحترام بين الزوجين، وهي رسالة مشفرة لنجيب، أنه مهما كان الأمر، ومهما كان النقاش والاختلاف بين الزوجين، فإن الأمر يجب أن يكون في نطاق الاحترام والتقدير، وهي أيضا رسالة لجميع الناس أن الاختلاف في وجهات النظر طبيعة بشرية (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)، وأنه لا يفسد للود قضية، والاختلاف عند الفقهاء رحمة للناس. وعطفا على هذا الحوار الراقي بين هذه الأسرة، فقد بينت الأم لابنها نجيب أن عقيدتها صحيح عقيدة العجائز، ولكنها تربت منذ الصغر تربية العزابيات* على الأخلاق والقيم وعلى العقيدة الصحيحة،على عكس بنات اليوم، والحالة التي وصلن إليها، من عري وتفسخ أخلاقي، وابتعاد عن الأخلاق، وكل ذلك-حسب رأيها- بسبب الابتعاد عن المنهج القرآني، وعن سيرة زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابيات. فقد غرتهن المدنية الزائفة، واتبعن العادات الدخيلة الوافدة من الغرب، فوقعن في المحظور، الذي لا سبيل للخروج منه إلا بالعودة لكتاب الله العزيز، قولا وتطبيقا لأحكامه.
* نظام العزابة، نظام اجتماعي ديني اشتهر به إباضية المغرب، وإلى الآن يعمل به في قرى وادي مزاب بالجزائر.
