روضة الصائم

الفتاح.. جل جلاله

01 يونيو 2018
01 يونيو 2018

اختيارات: منار العدوية -

ورد مفرداً مرة واحدة وبصيغة الجمع (الفاتحين) مرة واحدة. قال تعالى «قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم». المعنى: هو الذي يفتح لعباده أبواب الرحمة والرزق ويسهل عليهم ما كان صعباً، وقد يكون هذا الفتح في أمور الدين والعلم أو في أمور الدنيا فيغني فقيراً وينصر مظلوماً ويزيل كربة، وهذا الاسم يختص في الفصل والقضاء بين العباد بالقسط والعدل وتوجهت الرسل إلى الله الفتَّاح سبحانه أن يفتح بينهم وبين أقوامهم المعاندين.

من واقع الحياة

أن الفتح والنصر من الله سبحانه، فهو يفتح على من يشاء ويخذل من يشاء فلا نطلب الفتح ولا النصر إلا منه.

علينا الاجتهاد في العبادة والطاعة وندعو الله أن يفتح لنا أبواب رحمته ويلهمنا صائب الرشد وييسر لنا التوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة.

السيرة النبوية الشريفة

اشتداد إيذاء المشركين للمؤمنين: اشتد الأذى على أصحاب رسول الله، وكان المستضعفون أشد الناس تعرضا للإيذاء، فقد قامت كل قبيلة على من تبع رسول الله منها تؤذيه وتعذبه بالحبس والضرب والجوع والعطش، حتى بلغت الحال ببعضهم أنه لا يستطيع أن يجلس من شدة الضرب، وكان أكثر الناس إيذاء للمسلمين أبو جهل، فقد كان إذا سمع برجل أسلم وله شرف وقوة ومال ذهب إليه ووبَّخه وقال له: والله ليُغْلَبَنَّ رأيك، وليضعفن شرفك، وإذا كان تاجرا قال له: لتكسدن تجارتك ويذهب مالك، وإن كان من أسلم ضعيفا حرَّض عليه قبيلته فعذَّبوه وآذوه، وهناك من فتن عن دينه ورجع إلى الشرك كأبي قيس بن الوليد بن المغيرة، وعلي بن أمية بن خلف، والحارث بن ربيعة بن الأسود، والعاص بن منبه بن الحجاج، وقد مات هؤلاء على كفرهم في بدر.

أسلم بلال وثبت على إسلامه، حاولوا جعله يترك دين الإسلام وأغروه، ولكن لم يقبل شيئا من تلك الإغراءات، فقام إليه أمية بن خلف يعذبه؛ فقد كان يجعل في عنق بلال حبلا، ثم يعطي الحبل للصبيان يلعبون به ويطوفون به في مكة، وبلال يقول: أحد أحد، وقد ترك الحبل في عنقه أثرا.

وكان أمية يخرج ببلال في الحر الشديد وقت الظهر بعد أن يُجَوِّعَه ويُعَطِّشَه يوما وليلة، فيلقيه على ظهره في الرمال الساخنة المحرقة، ثم يأمل أن تؤخذ صخرة عظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول أمية لبلال: لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى، وبلال يجيب بجواب واحد: أحد أحد.

مرَّ أبو بكر على بلال يوما وهو ملقى على ظهره في الرمال المحرقة وعلى صدره تلك الصخرة العظيمة؛ فقال أبو بكر لأمية: ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ حتى متى تعذبه؟ فقال أمية لأبي بكر: أنت أفسدته فأنقذه مما ترى، فخلَّصه أبو بكر ودفع لأمية مالا؛ فترك أمية بلالا فأعتقه أبو بكر.

وقد خلَّص أبو بكر من تعذيب المشركين جماعة من المستضعفين، خلَّصهم بماله وأعتقهم في سبيل الله، فقد خلَّص أم بلال -وهي حمامة- من العذاب، وخلص عامر بن فهيرة الذي كان يعذبه أحد بني تيم من قرابة أبي بكر، يعذبه حتى لا يدري ما يقول من شدة العذاب، وخلَّص أبا فُكَيْهَة الذي أسلم عندما أسلم بلال، وكان يعذبه أمية والد صفوان، فقد خرج به إلى الرمال المحرقة مقيدا وألقاه على ظهره وجعل على بطنه صخرة عظيمة حتى خرج لسانه من شدة العذاب، وأخو أمية يقول له: زده عذابا حتى يأتي محمد فيخلصه بسحره، فخلصه أبو بكر فاشتراه وأعتقه لله.

وخلص أبو بكر زِنِّيرَة التي عذَّبوها حتى ذهب بصرها، فقال لها أبو جهل: إن اللات والعزى قد فعلا بك هذا، فقالت: كلا والله؛ لا تملك اللات والعزى نفعا ولا ضرا، هذا أمر الله، وربي قادر على أن يرد عليَّ بصري؛ فأصبحت وقد ردَّ الله بصرها؛ فقالت قريش: إن هذا من سحر محمد، فاشترى أبو بكر زنيرة وأعتقها، واشترى ابنتها وأعتقها.

وخلَّص أبو بكر أم عُنَيس، وكان يعذبها الأسود بن عبد يغوث، فاشتراها أبو بكر وأعتقها.

وخلَّص النهدية وابنتها، وكان يعذبها الوليد بن المغيرة، وخلَّص امرأة مستضعفة اسمها لطيفة، وخلَّص أخت عامر بن فهيرة، وقد كان عمر بن الخطاب يعذب جارية قبل أن يسلم، وفي مرة أخذ عمر يضربها واستمر في ضربها حتى مل، ثم قال لها: إني أعتذر إليك فإني لم أتركك حتى مللت، فقالت له: كذلك يعذبك ربك إن لم تسلم، فاشتراها منه أبو بكر وأعتقها، وقيل إن اسم تلك المرأة لُبَيْنَة.

غراس الجنة

آيات المحبة: «لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ».

التفسيـر

ليس على المؤمنين الذين شربوا الخمر قبل تحريمها إثم في ذلك، إذا تركوها واتقوا سخط الله وآمنوا به، وقدَّموا الأعمال الصالحة التي تدل على إيمانهم ورغبتهم في رضوان الله تعالى عنهم، ثم ازدادوا بذلك مراقبة لله عز وجل وإيمانا به، حتى أصبحوا مِن يقينهم يعبدونه، وكأنهم يرونه. وإن الله تعالى يحب الذين بلغوا درجة الإحسان حتى أصبح إيمانهم بالغيب كالمشاهدة.