العشر الأواخر من رمضان خاتمة الشهر الفضيل وفيهــــــا ليلة خير من ألف شهر
فيها من المكرمات والرحمات ما ليس في غيرها من الأيام -
حاورهما : سالم الحسيني -
من رحمة الله تعالى في شهر رمضان أنه فضل أيامه بعضها على بعض، فكلما جاء يوم كان أفضل من سابقه، بل إن العشرة الأخيرة من رمضان فيها من المكرمات والرحمات ما ليس في غيرها من الأيام؛ لأنها تكون خاتمة الشهر الفضيل، وفيها ليلة خير من ألف شهر ألا وهي ليلة القدر، وكان نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم يخصها بمزيد من الطاعات وكان يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها. وعلى المسلم أن يجتهد في العبادة والطاعة متحريا ليلة القدر الميمونة، متنوعا في عبادته من صلاة وذكر ودعاء وتلاوة القرآن، ليصل إلى مزيد من العفو والغفران. ومن الأمور الغائبة عن أذهان كثير من الناس تلك السنة النبوية الثابتة ألا وهي الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، وهو حبس النفس عن مشاغل الدنيا وشهواتها بغرض التفرغ للعبادة والطاعة والتقرب من الله بشتى أنواع القربات .. جاء ذلك في الحوار التالي مع ناصر بن عبدالله الصوافي والشيخ متولي الصعيدي إمام وخطيب الجامع الأزهر الشريف سابقا حول فضل العشر الأواخر من رمضان وأفضل الأعمال والقربات التي ينبغي أن يتلمسها في هذا الأيام المباركة.
بداية يحدثنا ناصر بن عبدالله الصوافي الواعظ بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية فيقول: من رحمة الله -تعالى- بعباده أنه يعلم ضعفهم وتكاسلهم ويعلم أن هناك عدوا يتربص بهم ويعلم سبحانه أن الدنيا مليئة بالشهوات والملذات والإغراءات والمغريات وكلها تؤدي به إلى التقاصر عن الطاعات والتكاسل في أداء الواجبات والغفلة عن الأوامر والفرائض، ولذلك كان له سبحانه نفحات ربانية في بعض الأوقات وخص بها بعض الأزمنة والأمكنة ليرفع بها الأجور والحسنات وليرفع فيها المسلم رصيده ويتقرب فيها إلى ربه ومولاه، فكان شهر رمضان من ضمن هذه النفحات الربانية التي يكال فيها الأجر والحسنات كيلا، ولا تعد عدا، فأيامه وأوقاته كلها فضيلة عظيمة يجب على المسلم أن يستغلها في كل ما هو مفيد وصالح ليرفع منزلته عند ربه ويتدارك ما حصل منه من تقصير وإهمال وغفلة، ومن رحمة الله -تعالى- في شهر رمضان أنه فضل أيامه بعضها على بعض، فكلما جاء يوم كان أفضل من سابقه بل إن العشر الأخيرة من رمضان فيها من المكرمات والرحمات ما ليس في غيرها من الأيام؛ لأنها تكون خاتمة الشهر الفضيل وفيها ليلة خير من ألف شهر ألا وهي ليلة القدر - على مشهور الأقوال الصحيحة - ولذلك كان نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- يخصها بمزيد من الطاعات، وكان يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها، فقد ورد في الحديث الصحيح أنه -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخلت العشر الأخيرة من رمضان شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله، وهذا دليل على الاهتمام البالغ من قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذه الأيام.
وأضاف: إن ما يحدث من بعض المسلمين اليوم هداهم الله لهو مخالف لهذا النهج النبوي، فتراهم يقبلون على العبادة بشغف وحب وهمة ونشاط في أول أيام رمضان إلا أن الهمة والعزيمة تبدأ عندهم في التناقص ويصيب النفس الكسل والخمول بعد مضي أيام من رمضان، فتراهم يتقاصرون عن العبادات وعن أداء الفرائض والواجبات بعدما كانت المساجد تمتلئ بهم من كل حدب وصوب، وكانت حلقات القرآن في كل مكان إلى أن أصبحت الآن ونحن مقبلون على العشر الأواخر أصبحت خالية من كل زائر قليل هم من يجلسون أو يحافظون على أورادهم اليومية، وهذا من تلبيس إبليس اللعين؛ لأنه يترصد للإنسان في كل طريق مستقيم ويثبطه ويؤخره عن كل عبادة وطاعة فيها قربى لله -تعالى-، وهو بذلك يبر بقسمه عندما أقسم بأنه ليقعدن لهم الصراط المستقيم؛ ولذلك وجب على المسلم أن ينتبه للأوقات الفاضلة وأن يقدم الأهم على المهم، فكيف يترك هذه الفضائل والمكرمات والأجور والحسنات في آخر عشر من رمضان وهذا قدوته ونبيه وهو أفضل خلق الله وأحبهم إليه وأعلاهم منزلة لديه يعلم أمته كيف يجتهدون في الأوقات الفاضلة ويستغلون الأزمنة الجليلة؟! فهو يجتهد فيها فيستغل ليله بالقيام والصلاة والتهجد والقراءة والدعاء خوفا أن يفوته فضلها وحرصا منه على أن ينال أجرها وتصيبه نفحاتها، فنحن أولى بذلك منه -صلى الله عليه وسلم-، ونحن أحوج ما نكون لمثل هذا الاجتهاد وهذا الحرص على استغلال أوقات العمر؛ لأننا كم ضيعنا وأهملنا وقصرنا وكم نحن بحاجة إلى رحمة الله وعفوه ومغفرته وكم هي نعم الله -تعالى- علينا التي نرفل فيها ليل نهار وهي لا تعد ولا تحصى وهي بحاجة إلى شكر للمنعم، وشكره لا يكون إلا بالتقرب إليه وطاعته وعمل كل ما من شانه أن يقربنا إليه سبحانه؛ لكي تدوم النعم وتستمر، وقد عاتبت السيدة عائشة النبي -صلى الله عليه وسلم- على كثرة عبادته وقيامه حتى تورمت قدماه الشريفتان فقال لها -صلى الله عليه وسلم-: أفلا أكون عبدا شكورا - أو كما جاء في الحديث.
وأوضح الصوافي: أن الإنسان لا يعلم مدة الأعمار ولا منتهى الآجال، فلربما تكون هذه العشر هي آخر أيام عمره في هذه الدنيا، ولن يدرك أياما أخرى بعدها فكيف يتصرف وكيف يعمل في آخر أيام عمره وهو يعلم تمام العلم أنه ربما لن يدرك غيرها ولن ينال فضلها بعد الآن؟ فوجب عليه أن يحرص كل الحرص على أن يجتهد ويعمل ويتقرب فيها إلى الله ويعمل كل ما في استطاعته لكي ينال رضا الله -تعالى- ومحبته وينال مغفرته ورحمته؟ وكم نحن بحاجة إلى مثل هذه الأوقات والأزمنة الفاضلة؟ فلا ينبغي أن نرد منة الله وهديته وكأن الأمر لا يعنينا بشيء، فالإنسان سيندم يوم لا ينفع الندم على كل ساعة قضاها في غير طاعة أو بر أو عمل صالح أو ذكر لله -تعالى-، ومن الأمور الغائبة عن أذهان كثير من الناس تلك السنة النبوية الثابتة ألا وهي الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، وهو حبس النفس عن مشاغل الدنيا وشهواتها بغرض التفرغ للعبادة والطاعة والتقرب من الله بشتى أنواع القربات وهي ساعات قليلة يقضيها الإنسان في خلوة مع ربه ليناجيه ويطلبه ويتذلل بين يديه ويستفرغ كل ما في نفسه من أهواء وملهيات وينظف قلبه من كل الأكدار والشهوات فيقبل على ربه بقلب صاف نظيف لا يفكر إلا في ربه وسيده ومولاه لعل الله -تعالى- يصيبه بنفحة من عنده يرتقي بها إلى سلم المجد لديه ويكون من الفائزين والمقبولين. نسال الله تعال يأن يعيننا على الإخلاص في القول والعمل وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
من جانبه قال الشيخ متولي الصعيدي إمام وخطيب الجامع الأزهر الشريف سابقا: تواترت أقوال العلماء قديما وحديثا علي فضل العشر الأواخر من رمضان، اقتداء بسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بالإضافة إلى ما أودع الله -تعالى- في هذه الأيام من فضل وكرامة، وذلك لاشتمالها على أفضل ليلة تمر على المسلم وهو في طاعة وعبادة لله -تعالى-، وهي ليلة القدر التي نزل فيها القرآن الكريم وبعض الكتب السماوية، ورد عن قتادة -رضي الله عنه- في قول الله -تعالى-: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) أنها ليلة القدر، ثم قال ونـزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من رمضان، ونـزلت التوراة لست ليال مضت من رمضان، ونـزل الزَبور لست عشرة مضت من رمضان، ونـزل الإنجيل لثماني عشرة مضت من رمضان، ونـزل الفُرقَان لأربع وعشرين مضت من رمضان.
وأوضح قائلا: إن القرآن الكريم كلام الله -تعالى- المنزل على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- بواسطة أمين الوحي جبريل -عليه السلام- المتعبد بتلاوته المتحدي بأقصر سورة منه المعجز، ومنه «أي القرآن الكريم» تفجرت العلوم وكان منبعها منه، فلقد أودع الله في القرآن الكريم علم كل شيء، فترى كل ذي علم يستمد منه ويعتمد عليه بعد الله سبحانه و-تعالى-. وقد نزل على ثلاث تنزلات، فكان نزوله الأول جملة واحدة من رب العزة سبحانه و-تعالى- إلى اللوح المحفوظ، قال الله -تعالى-: (وكل صغير وكبير مستطر)، وهذا يدل على مشيئة إرادته عز وجل في أن يكون اللوح المحفوظ سجلا جامعا لكل ما قضاه الله وقدره، وكل ما كان ويكون إلى قيام الساعة، قال -تعالى-: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختار فخور)، وكان نزوله الثاني جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا في شهر رمضان المبارك، قال الله -تعالى-: (إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر)، وعن ابن عباس -رضي الله عنه-ما (فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا فجعل جبريل ينزل به على النبي -صلى الله عليه وسلم-)، فكان نزوله في هذه الليلة الميمونة من هذا الشهر الكريم، قال الله -تعالى-: (حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك إنه هو السميع العليم) ففي ليلة القدر يفصل إلى الكتبة من الملائكة أمر السنة كلها وما يكون فيها من الآجال والأرزاق، ثم كان نزول القرآن الثالث حين سطع ضياؤه علي دنيانا وشعت أنواره، بنزوله على قلب سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- بواسطة سيدنا جبريل -عليه السلام- حيث نزل منجما مفرقا على حسب الوقائع والأحداث والمناسبات والملابسات على مدار ثلاثة وعشرين سنة، قال الله -تعالى-: (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) وفي تعدد النزول ما يدل على نفي الشك عنه وزيادة الإيمان به، فعلى المسلم في هذه الأيام المباركة أن يجتهد في العبادة والطاعة متحريا ليلة القدر الميمونة، متنوعا في عبادته من صلاة وذكر ودعاء وتلاوة القرآن، ليصل إلى مزيد من العفو والغفران، لقول رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )، وهي في ليالي الوتر لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان)، وأفضل الدعاء فيها: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» أخذا من الحديث الوارد عن رسول الله لأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، وليحذر المسلم من التفريط فيها حتى لا يكون محروما بنص الحديث عن رمضان، (فيه ليلة خير من ألف شهر مَن حُرِمَ خيرها فقد حرِم)، ولزاما أن يعلم أن الله أخفى عنا تحديد هذه الليلة لئلا يتكل المسلم على ليلة واحدة كما هو الحال في الأسماء الحسنى، أخفى الاسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى لئلا نتكل عليه ونترك بقية الأسماء، قال -تعالى-: (ولله الأسماء الحسني فادعوه بها)، فتعرضوا لنفحات هذه الليلة، فخيرها عميم وبركتها موفورة وعفو الله فيها عظيم.
واختتم حديثه بالقول: وقد ورد عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقوم من الليل حتى تتورم قدماه فقلت: يا رسول، قد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر فقال: أفلا أكون عبدا شكورا)، وفي شهر مضان أيضا ولا سيما في العشر الأخيرة منه روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر الأواخر من رمضان شد مئزره وأيقظ أهله وأحيا الليل كله)، وهذا يعني أنه -صلى الله عليه وسلم- كان منقطعا للعبادة والطاعة معتكفا في المسجد، معتزلا زينة الحياة الدنيا آمرا أهله بذلك.
