البراشدي: الإسلام حرص على استمرار الحياة الزوجية بعيدا عن الطلاق وشرعه في حال تعذر استمرارها
إن كان لا بد منه فليكن فراقا كريما تأخذ المرأة فيه ما شرعه الله لها من حقوق -
أجرى اللقاء: سيف بن سالم الفضيلي -
أكد فضيلة الشيخ سالم بن محمد بن سالم البراشدي (قاضي المحكمة العليا) على حرص الإسلام على استمرار الحياة الزوجية بعيدا عن الطلاق فإن كان لا بد منه فليكن فراقا كريما تأخذ المرأة فيه ما شرعه الله لها من حقوق.
وقال فضيلته: إن الإسلام شرع الطلاق لإنهاء الحياة الزوجية المتعذرة بين الزوجين وشرع معه آدابا بعيدة عن التشفي من الزوجة أو إيذائها أو الإساءة إليها ومنها أن يكون الطلاق رجعيا في طهر لم يسبقه جماع فإن لم تكن الزوجة كذلك فليصبر الزوج حتى تطهر ثم إن شاء أمسكها أو طلقها طلقة واحدة حتى يمكنه إرجاعها في العدة حال ندمه.
وذكر أن من بين آداب الطلاق أن يتجنب الغضب والإساءة إليها فلا يخرجها من بيته إلا بعد إتمام العدة فلعل في بقائها في البيت معه فرصة لإعادة الحياة بينهما.. والى ما جاء في اللقاء.
يحدثنا بداية فضيلة الشيخ سالم بن محمد بن سالم البراشدي (قاضي المحكمة العليا) عن أقسام الطلاق والأقسام التي تتفرع منها فقال: فمن حيث المشروعية ينقسم الطلاق إلى قسمين، أولهما الطلاق السنة وهو ما وافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه في طريقة إيقاعه ومن صوره إن يطلق الرجل زوجته المدخول بها طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه وأن يطلقها في غير الحيض وكذلك طلاقها وهي حامل وأن يقتصر في تطليقها على طلقة واحدة.
وثانيهما الطلاق البدعي وسمي بذلك لأنه طلاق مبتدع ومخالف لطلاق السنة الذي ذكرته سابقا ومن صوره أن يطلق الرجل زوجته بلفظ الثلاث بكلمة واحدة أو يطلقها ثلاث مرات تباعا أو يطلقها وهي حائض أو نفساء أو يطلقها في طهر جامعها فيه، وقد روى البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما انه طلق امرأته وهي حائض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر «مُرهُ فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل ان يمسّ تلك العدة التي أمر الله بها» وهذا القسم من الطلاق حرام وصاحبه آثم لأنه يدعي فحكمه انه يقع عند جمهور الفقهاء.
ومن حيث بقاء الزوجية وعدمها يذكر فضيلته ان الطلاق ينقسم الى ثلاثة أقسام أولها (الطلاق الرجعي) وهو الطلاق الذي يوقعه الزوج على زوجته المدخول بها دون مقابل مال وحكمه انه يقع طلاقا لكن يملك الزوج بعد إيقاعه الطلاق إعادة زوجته الى عصمته ما دامت العدة بدون رضاها ورضا وليها وبدون مهر بحضرة شاهدين لأنها لا تزال في عصمته ما دامت في العدة ويقال لهذه الإعادة الرجعة وتكون كذلك بعد الطلقة الثانية وتحسبان على الزوج وتنقصان في عدد الطلقات الثلاث التي له، والدليل على ذلك قول الله سبحانه وتعالى في حق إرجاع الزوج لزوجته بعد الطلاق الأول والثاني «وبُعُولَتُهُنَّ أحقُّ بردّهنَّ فِيْ ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوْا إِصْلاحا»، أما بعد الطلاق الثالث فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره والدليل على ذلك قوله تعالى: «فإن طلَّقها فلا تَحِلّ لهُ من بعد حتَى تَنْكِحَ زوجا غَيْره».
والثاني (الطلاق البائن بينونة صغرى) وهو الذي يملك الزوج بعده أن يعيد زوجته إليه بشرط رضاها ورضا وليها ومهر جديد وشاهدين.
والثالث (الطلاق البائن بينونة كبرى) وهو الطلاق الأخير؛ لا يمكن للزوج الذي طلق زوجته ثلاث تطليقات أن يعيدها إليه إلا بعد ان تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا يدخل بها ثم يموت عنها أو يفارقها من غير تواطؤ على تحليلها لمن طلقها فيجوز لها ان تتزوج الأول الذي طلقها وذلك بعد انتهاء عدتها قال تعالى «الطّلاقُ مرّتانِ فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسان» ثم قال بعد ذلك «فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعدُ حتى تنكِح زوجا غيره فإن طلّقها فلا جُناح عليهما ان يتَرَاجَعَا إن ظنّا أن يُقيما حدودَ الله وتلكَ حدودُ ُاللهِ يبيّنها لقومٍ يعلمون».
أما اشتراط دخول الزوج الثاني بهذه المطلقة فيدل عليه حديث البخاري عن رعافة القرظي رضي الله عنه أنه تزوج امرأة ثم طلقها فتزوجت آخر فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أنه لا يأتيها وأنه ليس معه إلا مثل هُدبة الثوب فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك».
والرابع (الطلاق المنجز) هو ما يقع بصيغة ليست معلقة على شرط ولا مضافة الى زمن معين بل يقصد بها إيقاع الطلاق فورا في الحال كأن يقول لزوجته أنت طالق وحكمه يقع فورا في الحال.
أما الطلاق المعلّق على شرط هو ان يعلق الزوج الطلاق على حصول أمر في المستقبل كأن يقول إن دخلت بيت فلان أو بيت الجيران فأنت طالق أو إذا جاء الشهر الفلاني فأنت طالق وحكمه عند الجمهور وقوع الطلاق إذا وقع المشروط.
أما (الطلاق الكنائي) هو التلفظ بألفاظ تحتمل الطلاق وتحتمل غيره كقول الزوج لزوجته أخرجي من البيت وألحقي بأهلك وأنت خليّة ولا أريد ان أرى وجهك فهذه العبارات ونحوها تحتمل أنه يريد أن لا يراها أمامه وتحتمل الطلاق وحكمه عند جمهور الفقهاء انه يقع طلاقا ان نوى الطلاق وقصده.
آداب
شرع الإسلام الطلاق لإنهاء الحياة الزوجية المتعذرة بين الزوجين وشرع معه آدابا بعيدة عن التشفي من الزوجة أو إيذائها أو الإساءة إليها ومن هذه الآداب، أن يكون الطلاق رجعيا في طهر لم يسبقه جماع فإن لم تكن الزوجة كذلك فليصبر الزوج حتى تطهر ثم إن شاء أمسكها أو طلقها طلقة واحدة حتى يمكنه إرجاعها في العدة حال ندمه.
ومن آداب الطلاق ان يتجنب الغضب والإساءة إليها فلا يخرجها من بيته إلا بعد إتمام العدة فلعل في بقائها في البيت معه فرصة لإعادة الحياة بينهما ولقد أحسن نور الدين السالمي حيث قال في جوهره في أحكام العدد:
وإن يكون طلاقها رجعيا
فالتلبس الحرير والحليا
وتكحلن عينها النجلاء
وتدهن وجهها الوضاء
لعل من طلقها يعود
لضمها وتذهب الحقود
فإنه أولى بها في العدة
إذا أرادها بوجه الرجعة
ويقول سبحانه وتعالى «يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن»
وليس للزوج ان يبخسها أي حق من حقوقها كمهرها المؤجل أو نفقة عدتها وعليه ان يمتعها بمال ونحوه ويعطيها إياه مواساة لها يقول الله عز وجل: «ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين»، وعليه ان يكون رجلا شهما في معاملته لها أثناء العدة وبعدها ولا يفشي أسرارها ولا يؤذيها بقول أو فعل امتثالا لقول الله تعالى: «ولا تنسوا الفضل بينكم ان الله بما تعملون بصير».
وهكذا يتضح مدى حرص الإسلام على استمرار الحياة الزوجية بعيدا عن الطلاق فإن كان لا بد منه فليكن فراقا كريما تأخذ المرأة فيه ما شرعه الله لها من حقوق.
أسباب الطلاق
وحول الأسباب المفضية لتفاقم ظاهرة الطلاق يقول فضيلته: إن السبب في تفاقم ظاهرة الطلاق هو عدم العلم بالمواثيق التي تؤخذ على الأزواج عند عقد الزواج أول وهلة وربما في بعض الأمور تصدر من أمهات الأزواج أمور تكون هي السبب لظاهرة الطلاق وذلك مع عدم العلم والمعرفة لما سيحصل من الشقاق بين الزوجين حتى لا تنتهي العلاقة الزوجية بينهما. وعن الشكوك التي قد تصدر عن الزوجة ما يسبب وقوع الطلاق قال فضيلته انه لا يصدر الشك من الزوجة لزوجها إلا بسبب تصرفاته التي هي خارجة عن حدود الله تعالى وإذا حصل شيء من ذلك فعليه ان يصلح شأنه ويرجع الى ربه فعندئذ تكون الزوجة ملتزمة عنده بما يليق به، وعلى كل واحد منهما ان يحسن الظن بالآخر حتى تستمر الحياة الزوجية.
