روضة الصائم

أدب القضاء: فيما للقاضي وما عليه (7)

11 يونيو 2017
11 يونيو 2017

زهران بن ناصر البراشدي/ القاضي بالمحكمة العليا مسقط -

على الحاكم أن ينظر إلى الخصم، حين ينطق بالدعاوى أو الإقرار. ولا يتشاغل بشيء آخر؛ لئلا تنعكس معه الأمور، ويعزب عليه الفهم عن وضعه الصحيح فيدخله الحيف ويحكم بالجور.

وإذا جلس إليه الخصوم أعرض عنهم قليلا حتى تجترئ قلوبهم وتنشط ألسنتهم ويتذكرون حججهم.

ويجب على الحاكم أن يساوي بين الخصمين في الدخول عليه والجلوس أمامه والإقبال عليهما والنظر إليهما والاستماع منهما والإشارة إليهما والإنصات لأقوالهما حتى تنفذ كل واحد حجته.

وإن تهيأ له رجلان يجالسانه من أهل العلم والورع يحضران الحكم فإن زل أرشداه وإن غفل عن الحق أخبراه ويقومان الخصوم فهو أسلم له دنيا وأخرى للعدل بين الخصوم.

روى ابن أبي شيبة في مصنفه في القاضي هل يجالسه أحد على القضاء.

حدثنا ابن أبي زائدة عن إسماعيل بن أبي خالد قال: رأيت شريحا يقضي وعنده أبو عمرو الشيباني وأشياخ نحوه يجالسونه على القضاء.

حدثنا ابن إدريس عن أبيه قال: رأيت محارب بن دثار وحمادا والحكم وأحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، ينظر إلى الحكم مرة، وإلى حماد مرة، والخصوم بين يديه. حدثنا حفص عن الأعمش قال: قال لي القاسم: اجلس إلي - وهو يقضي بين الناس. ويستحب له أن ينظر بين القادمين أولاً من الخصوم.

وإن أمكنه النظر والحكم بين الخصوم فلينظر بينهما ولا يؤخر ذلك، ويستحب له أن يقعد للناس إلى أن ينتصف النهار، ولا يزيد على ذلك كي لا يدخله الملل والسأم وضعف القوة فيؤدي به ذلك إلى انشغال النفس عن فهم الأمور على وجهها الصحيح، فيحكم بخلاف الحق.

وكره بعض الفقهاء الجلوس في المسجد للقضاء؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمروها في الجمع.

والذي عليه الجمهور جواز القضاء في المسجد وفي كل مكان يمكن فيه القضاء من المصر الذي استقضي عليه كان في بيته أو في طريق أو غيره؛ إن احتيج إلى ذلك، إلا أنه إن قضى في المسجد فلا ينفذ فيه التعزير والحدود؛ خشية إيذائه بما لا يليق به، وليحذر فيه من اللغط ورفع الأصوات.

ويؤمر الحاكم أن يتخذ كاتبا عدلاً مسلماً أمينا له معرفة بالفقه وقواعد الكتابة.

ويؤمر الحاكم أن يشاور في أمره العلماء العارفين بلغة العرب وبكتاب الله وسنة نبيه وآثار السلف الصالح واختلاف أقاويلهم.

فقد ثبت ذلك بالكتاب والسنة والإجماع وله فضائل كثيرة وفوائد عظيمة لا يستطاع حصرها. وكفى بذلك أن الحق سبحانه جل جلاله وعظم سلطانه أمر بالشورى نبيه صلى الله عليه وسلم حيث قال مخاطبا له: «وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ».

وقال جل شأنه واصفا لعباد الله المؤمنين: «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ».

وأن يجتهد في مطالعة كتب العلم بجميع أصنافها فإنها توصله إلى نيل معرفة الصحيح من آراء المسلمين وأحكامهم، ولا يعتمد على حفظ بعض المسائل فقط خشية أن يخرج عن الصواب ويتحمل في ذلك مسؤولية العتاب في الدنيا ويوم الحساب، فيهلك بالعذاب؛ إن لقي الله خاليا من صحيح الجواب.

ولا يطلب الولاية، ويكره الدخول في القضاء لمن يخاف العجز عن القيام به، ولا بأس به لمن يثق من نفسه القدرة على أداء فرضه، ومن تعين له تفترض عليه الولاية، كما سبق الكلام عليه.