موسكو تختبر أمن أوروبا الجماعي
10 سبتمبر 2025
10 سبتمبر 2025
دخل الصراع المباشر وغير المباشر بين روسيا ودول حلف الناتو أمس منعطفا يدفع دول الحلف وبشكل خاص الدول الأوروبية لإعادة تقدير معادلات الردع وإعادة تعريف حدود أمنها الجماعي.
فقد اختبرت روسيا أمس صلابة دول الحلف عندما اخترقت مسيرات قتالية الأجواء البولندية في لحظة دقيقة وصعبة من الحرب الأوكرانية. كانت الرسالة الروسية تقول بشكل واضح جدا إن أدوات الضغط لم تعد مقصورة على ساحة القتال في أوكرانيا، وأنّ حدود الناتو نفسها قابلة للامتحان عبر وسائل منخفضة الكلفة وعالية القدرة على التشويش السياسي!
طلبت بولندا فورا تفعيل المادة الرابعة من ميثاق الحلف التي تنص على «تتشاور الأطراف معا كلما رأت دولة من الأعضاء أن سلامة أراضيها أو استقلالها السياسي معرض للتهديد». لم تقرأ وارسو الاختراق باعتباره خطأ تقنيا ولكنها وضعته مباشرة في خانة التهديد الأمني المباشر لسلامة أراضيها واستقلالها السياسي، لكنها في الوقت ذاته، اختارت لغة سياسية دون مستوى المادة الخامسة، في محاولة لحماية التماسك الجماعي من الانجرار إلى حرب مفتوحة مع روسيا.
وتنص المادة الخامسة من ميثاق الحلف على أن «يتفق الأطراف على أن أي هجوم مسلح ضد واحد أو أكثر منهم في أوروبا أو أمريكا الشمالية يُعتبر هجوما ضدهم جميعا، وبالتالي فإنهم يتعهدون بأنه إذا وقع مثل هذا الهجوم، فسوف يساعدون الطرف أو الأطراف التي تعرضت لهجوم، عبر اتخاذ الإجراءات التي يرونها ضرورية، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة، لاستعادة أمن منطقة شمال الأطلسي والحفاظ عليه».
تكمن خطورة الحادث في أنّه يعيد رسم طبيعة الحرب الجارية خاصة وأن المسيرات كان لها دور كبير في ترجيح كفة روسيا في هذه الحرب وإدارة التصعيد حيث يمكن إطلاقها بكثافة كبيرة وبكلفة لا تُقارن بأنظمة الاعتراض التي تتطلب ملايين الدولارات. ومنحت هذه المعادلة موسكو قدرة كبيرة على استنزاف خصومها وإرباكهم سياسيا، وهي قدرة تتجاوز الجبهة الأوكرانية لتصيب صميم الاستقرار الأوروبي.
وجدت أوروبا أمس نفسها أمام ثلاث وقائع لا يمكن تجاهلها، الأولى، أنّ مجالها الجوي لم يعد بمنأى عن الحرب، وأن أي مدينة في شرق القارة قد تصبح ميدان اختبار جديد. الثانية، أنّ الدفاع الجوي الوطني لم يعد كافيا، وأن المطلوب هو بنية قارية موحّدة وقابلة للعمل المشترك. والثالثة، أنّ الغموض في تعريف «الهجوم المسلّح» يترك الباب مفتوحا أمام خصم بارع في استغلال المناطق الرمادية، ما يهدد بتحويل كل حادث حدودي إلى معضلة سياسية كبرى.
لكن ثمة عامل مهم فيما حدث لا يمكن تجاوزه وهو عامل التوقيت، فمع اقتراب الشتاء، وتزايد الضغط على البنى الأساسية للطاقة، ومع اقتراب لحظة مفصلية في الدعم الغربي لأوكرانيا، ترى موسكو فرصة لاختبار إرادة الحلف قبل أن تكتمل استعداداته الدفاعية. ما حدث فوق بولندا يندرج إذن في سياق إستراتيجية روسية أوسع، تستهدف تثبيت ميزان قوة جديد على حدود الناتو، وإقناع الرأي العام الأوروبي بأن كلفة الدعم المستمر لكييف سيكون باهظا في الداخل أيضا.
التحدي أمام أوروبا والحلف الأطلسي يكمن في القدرة على تجفيف مساحة المناورة الروسية، وهذا يتطلّب وضوحا سياسيا في تعريف الخطوط الحمراء، وسرعة تشغيلية في الردع، واستثمارا جادا في البنية الدفاعية القارية.
