من يتحكم في الآخر؟
إلى ما قبل أحداث السابع من أكتوبر الماضي كان الكثيرون في العالم العربي، على أقل تقدير، يعتقدون أن إسرائيل هي التي تتحكم في العالم الغربي وأن الوجه القبيح والشرير للغرب إنما هو وجه إسرائيل بطريقة أو بأخرى، لكن الحرب الدموية الشرسة التي تقودها إسرائيل على الفلسطينيين في قطاع غزة كشفت جليا أن الغرب «المسيحي» هو من يتحكم في إسرائيل «اليهودية» بعد أن صدروها إلى الشرق في مطلع القرن الماضي كآخر الحلول لما كان يعرف «بالمسألة اليهودية».. وتحولت إسرائيل إلى دولة «وظيفية» بيد الغرب حقق من خلالها أكثر من هدف بدءًا من تصدير اليهود إلى الشرق الأوسط وليس انتهاء بزرع هذه الدولة الوظيفية في خاصرة العالم العربي. ولا ينسى الغرب في هذا السياق أن المسلمين عبر الدولة العثمانية قد وصلوا إلى فيينا. لذلك رأى الغرب قبل إسرائيل نفسها أن انتصار حركة حماس في الهجوم الذي شنته على إسرائيل يمكن أن يكون بداية سقوط إسرائيل «ووظيفتها» في الشرق وإعادة تصدير اليهود الصهاينة مرة أخرى إلى الغرب: أوروبا الغربية وأوروبا الشرقية وأمريكا وهؤلاء لا يستطيعون الإندماج في المجتمعات الغربية الرأسمالية بالطريقة التي يريدها الغرب دون أن يثيروا المشاكل الكبرى المعروفة عنهم عبر التاريخ. ويمكن بذلك فهم الاندفاع الغربي بدعم إسرائيل بالأسلحة الضخمة والمليارات من أجل تمويل الحرب والإصرار على عدم وقف إطلاق النار رغم عشرات آلاف القتلى وعشرات آلاف المفقودين تحت الركام ومئات الآلاف من الجرحى.. ورغم الأصوات الشعبية التي تطالب بوقف إطلاق النار للدواعي الإنسانية.. حتى القضاء على حركة المقاومة حماس، وتأجيل فكرة سقوط إسرائيل إلى سنوات طويلة قادمة.
لذلك، فإن الغرب غير جاد أبدًا في حديثه عن السلام عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، ولا تعنيه أبدا -دع عنك إسرائيل نفسها- حقوق الإنسان العربية، وما الحديث عنها في كل مناسبة إلا من أجل التوظيف السياسي، والضغط على الدول العربية التي اتضح الآن -أكثر من أي وقت آخر- أن الكثير منها تراعي حقوق الإنسان بشكل شامل أكثر من الدول الغربية التي بدا واضحا أن تطبيقها لحقوق الإنسان انتقائي، ويقتصر على المواطنين الغربيين فقط.. كما اتضح الآن للكثير من الجماهير العربية التي كانت عبر عقود طويلة ساخطة من فكرة محدودية حرية التعبير في البلاد العربية أن الكثير من الدول العربية لديها حرية تعبير أكبر بكثير من الدول الغربية التي كشرت عن أنيابها في اللحظة التي وضعت فيها على المحك ومنعت وقمعت كل من تعاطف مع أطفال غزة، حتى أن دولا أوروبية منعت مجرد حمل الكوفية الفلسطينية؛ لأن فيها إشارة رمزية للتعاطف مع أطفال غزة الذين يقتلون بالجملة.
المرحلة القادمة تحتاج من العرب أن يعيدوا ترتيب علاقاتهم مع الدول الغربية نفسها إن أرادوا الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط.. فمشكلة العرب الأساسية، مع الأسف الشديد، مع الغرب وليس مع إسرائيل التي يوظفها الغرب لتحقيق مصالحه العليا.