No Image
رأي عُمان

قمة ألاسكا.. بين الرمزية والأمل

16 أغسطس 2025
16 أغسطس 2025

أكثر وصف يمكن أن توصف به القمة التي جمعت الرئيس الأمريكي ترامب بالرئيس الروسي بوتين هو أنها قمة «رمزية» تختبر ما بقي من النظام العالمي.

فرغم أن القمة لم تُفضِ إلى وقف إطلاق نار كما كان يسعى ترامب، إلا أن قوة رمزيتها تكمن في إعادة طرح خيار السلام على طاولة النقاش بعد أن غلب عليها ضجيج المدافع.

لقد دخل الطرفان اللقاء بغايات مختلفة.. بوتين سعى إلى كسر طوق العزلة الدولية واستعادة صورته كزعيم قادر على الجلوس مع أقوى رئيس في العالم والتفاوض من موقع ندّية. أما ترامب فحاول أن يقدم نفسه كصانع صفقات، قادر على فتح أبواب الحوار بعد سنوات من القطيعة، ومؤهل لإعادة صياغة قواعد اللعبة بين القوى الكبرى. لكن حصيلة الساعات الثلاث لم تتجاوز وعودا فضفاضة، وحديثا عاما عن «ضرورة إنهاء الحرب»، دون أن يتجسد ذلك في خطة عمل واضحة.

مع ذلك، لا يمكن اختزال القمة في مقولة «الفشل التكتيكي». فالسياسة الدولية لا تُقاس، في العادة، بما يقال في البيانات الختامية وحدها، ولكن بما قد تفتحه اللقاءات من نوافذ محتملة يمكن أن تساهم بصناعة الاختراق المنتظر في عمق الحرب. وجلوس بوتين مع ترامب على طاولة واحدة، بعد سنوات من القطيعة والعقوبات والاتهامات، من شأنه أن يكشف أن أطراف الحرب ـ ولو بشكل غير مباشرة ـ بدأت تدرك أن الاستنزاف طويل الأمد لن يؤدي إلى حسم عسكري، بل إلى إطالة النزيف وفتح أبواب الفوضى.

وما يلفت الانتباه هو أن كلفة الحرب لم تعد أوكرانية فقط؛ أوروبا، أيضا، تواجه تحديات الطاقة والتضخم وتراجع الثقة الشعبية في مؤسساتها. الاقتصاد العالمي، هو الآخر، يدفع ثمن الانقطاع في سلاسل الإمداد المعتادة، وتقلبات أسعار الحبوب، والارتباك في أسواق النفط والغاز. أما دول الجنوب العالمي، من إفريقيا إلى الشرق الأوسط، فقد وجدت نفسها في مواجهة أزمة غذاء متفاقمة تذكر بمآسي الحروب الكبرى في القرن العشرين. كل ذلك يجعل من وقف الحرب ضرورة استراتيجية لإنقاذ النظام الدولي من التآكل المستمر.

ورغم أن القمة بدت أقرب إلى استعراض للنيات منها إلى مفاوضات جدية، لكنها تكشف أيضا عن ملامح معادلة جديدة؛ فبوتين، وهو يطرح نفسه «شريكا محاورا»، حصل على مكسب سياسي يتمثل في إعادة إدماجه « ولو رمزيا » في مشهد العلاقات الدولية. أما ترامب فقد خرج بصورة من يعيد رسم خطوط التواصل، وإن من دون نتائج ملموسة. في المقابل، بقيت أوكرانيا على الهامش، مهددة بأن تُطلب منها أثمان قاسية مقابل أي تسوية محتملة.

لكن المسألة الأهم هي أن القمة تطرح سؤالًا تتجاوز دلالته اللحظة الراهنة وهو كيف يمكن للعالم أن يتعامل مع الحروب الممتدة التي لا تنتهي بنصر ولا هزيمة؟ تجربة أوكرانيا تكشف أن الحرب، حين تطول، تتحول إلى عبء وجودي على جميع الأطراف: على المجتمع الذي يعيش تحت القصف، وعلى الاقتصاديات التي تتآكل، وعلى المؤسسات الدولية التي تفقد هيبتها. وهنا يمكن الحديث عن قيمة «السلام الممكن» وليس «السلام الكامل» من أجل المزيد من الممرات الإنسانية وعمليات الإغاثة وفتح نوافذ من أجل المزيد من التنفس.

قد لا يبدو أن بمقدور قمة ألاسكا تغيير مسار الحرب كما كان يأمل البعض لكنها ستذكر العالم بأن البديل عن الحوار هو المزيد من العنف. ولعل أعظم ما يحتاجه النظام الدولي اليوم يتمثل في بناء إدراك مشترك بأن كلفة الحرب صارت أثقل من أي مكسب إقليمي أو سياسي.. واستمرار الحرب الأوكرانية لن يضعفها وحدها، ولكنه سيستمر في إضعاف النظام الدولي.