عملية القدس .. هل هناك من يقرأ تجارب التاريخ؟
08 سبتمبر 2025
08 سبتمبر 2025
لا يمكن قراءة العملية التي نفذها فلسطينيان من الضفة الغربية أمس وأدت إلى قتل ستة أشخاص باعتبارها حدثا معزولا عن سياق الإبادة والتجويع الذي يحدث منذ عامين في قطاع غزة. العملية بشكل مباشر هي رد مفهوم على ما يحدث في غزة، ورد على غياب أي أفق سياسي يمكن أن يمنح الفلسطينيين حقوقا أساسية، أو حتى بسيطة جدا تتمثل في كسرة خبز أو جرعة ماء نضيف!
والصلة بين ميدان غزة والضفة الغربية أو القدس الشرقية ليست جديدة لكنها تبدو اليوم أكثر وضوحا مع اتساع نطاق صور الدمار والقتل والتجويع في القطاع، وتحولها إلى وقود للتعبئة الفردية والجماعية.. وفي مثل هذا السياق، يصبح تكرار مثل هذه الهجمات مسألة وقت لا مفاجأة، ما دامت الأسباب الجذرية قائمة.
المفارقة أن الخطاب الإسرائيلي الرسمي ما زال يصر على معالجة الظاهرة عبر المزيد من القوة العسكرية، سواء في غزة أو في الضفة، من دون أن يلتفت إلى أن الأمن لا يُبنى فوق ركام المدنيين. كل جولة قصف على القطاع، وكل صورة لمستشفى مدمَّر أو عائلة تحت الأنقاض، تتحول إلى مادة لتغذية خطاب الانتقام، ليس فقط في فلسطين، ولكن في مختلف عواصم العالم التي تقف سياساتها بوضوح إلى جانب إسرائيل.. وتدعم بطريقة أو بأخرى عملية الإبادة والتجويع.
وكانت تقارير أوروبية كثيرة قد حذرت من أن حرب غزة أصبحت عاملا رئيسيا في رفع مستوى التهديدات الأمنية داخل القارة، ومنذ بداية هذه الحرب الوحشية حذرت هذه الجريدة من أن التوحش الإسرائيلي من شأنه أن يصنع ردود فعل انتقامية تحركها الغريزة والشعور بالظلم والخذلان وانسداد الأفق. والتوترات المتصاعدة بين معاداة السامية وكراهية المسلمين من شأنها أن تخلق دائرة مغلقة من الاستقطاب، تسمح بتبرير مزيد من العنف من الطرفين. بهذا المعنى، فإن التوحش الإسرائيلي لن تبقى ردود فعله في إطار إقليمي ولكنه سينتج آثارا أمنية وسياسية تتجاوز الحدود.. وربما هذه البداية رغم أن لا أحد يريد لهذا العنف أن ينتشر أو أن يتكرس خطاب الكراهية بين الشعوب.
لا يكمن الحل الآن في الإدارة الأمنية لهذه «الأزمة» ولكن في معالجة سياسية جذرية تذهب إلى أصل المشكلة وتبدأ بالوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، وفتح ممرات إنسانية مستقلة عن الابتزاز السياسي، وإطلاق مسار مساءلة دولي بشأن الجرائم البشعة التي ارتكبت ضد المدنيين في غزة بدءا من جرائم البارود وليس انتهاء بجرائم التجويع. ولا يجب أن تكون هذه المعالجة عبارة عن شعارات جوفاء ولكن لا بد أن تكون شروطا واقعية لتقليص احتمالات تكرار مشاهد العنف في القدس أو بروكسل أو لندن.
وإذا كانت إدانة قتل المدنيين مبدأ مطلقا فإن على العالم بكل مؤسساته أن يدين قتلهم في غزة أيضا ويعمل على وقف الجريمة التي تقع بشكل لحظي منذ عامين، أما إذا استمر العالم في تجاهل الأسباب البنيوية المتمثلة في الاحتلال والاستيطان والحصار والإبادة والتجويع فإن حوادث الطعن أو إطلاق النار مرشحة للتكرار وخطاب الكراهية سيكرس حضوره بشكل أكبر وسينعكس على كل تفاصيل الحياة.
السياسة التي تكتفي بالقوة العسكرية تُنتج مزيدا من الفوضى. أما الاعتراف بالحقوق المتساوية فيمكن أن يضع حدا لدائرة العنف والكراهية.. وحتى يتحقق ذلك، فإن كل هجوم جديد سيذكّرنا بأن تجاهل غزة لا يعني تجاوزها، بل يعني أن مأساتها قد تتحول إلى عنف في كل مكان، والتاريخ يعرف الكثير مثل هذه التجارب ويستطيع الساسة أن يستعيدونها ويتابعوا كيف تحولت إلى أداة منفلتة للعنف.
