No Image
رأي عُمان

العرب في مواجهة تاريخية مع أوهام السلام الإسرائيلي

09 سبتمبر 2025
09 سبتمبر 2025

تجاوزت دولة الاحتلال الإسرائيلي كل القوانين الدولية والمواثيق الأخلاقية والاعتبارات السياسية والاستراتيجية حتى مع أقرب حلفائها عندما أقدمت على استهداف وفد حركة حماس التفاوضي خلال وجوده في دولة قطر الشقيقة، رغم أن قطر كانت على مدى عامين الوسيط الأول بين حركة حماس وإسرائيل، وكان ذلك يحدث بموافقة جميع القوى الدولية بما في ذلك أمريكا الحليف الاستراتيجي لقطر وصاحبة أكبر قاعدة جوية في منطقة الشرق الأوسط.

كانت دولة الاحتلال تدرك هذه الأبعاد وهي تستهدف الوفد التفاوضي في قطر مؤكدة للعالم سيرها في مشروع الإبادة بوعي تام وليس كما تروج هي بين حين وآخر وبعض حلفائها أنها لا تقوم بأي إبادة وأن الضحايا إنما يسقطون على هامش المواجهة مع حركة حماس؛ فالوفد الذي استهدف في قطر وفد تفاوضي تحميه القوانين والأعراف الدولية وهو في دولة رضيت إسرائيل نفسها أن تقوم بدور الوسيط.. وفي هذا ما لا يخفى من عنجهية وتكبر على كل القوانين والأنظمة وإحراج حتى لمن لا زالوا يعتبرونها حليفا استراتيجيا.

وقد وضع الاعتداء الصارخ على سيادة دولة قطر الولايات المتحدة الأمريكية أمام مشكلة كبرى ستكون محل استفهامات عميقة بينها وبين حلفائها الاستراتيجيين في العالم أجمع وهي كيف يمكنها أن توازن بين انحيازها التقليدي لإسرائيل والتزاماتها مع شركائها في منطقة الشرق الأواسط بشكل خاص خاصة تلك الدول التي تقوم بدور الوسيط في قضايا تبدو أمريكا بشكل أو بآخر جزءا منها أو من مسار حلها؟!

وإذا كان العالم في طريقه لفقد الثقة في إسرائيل، إنْ لم يكن قد فقدها بعد، فإن الثقة باتت مهزوزة في الولايات المتحدة، أيضا، وفي رئيسها ترامب بشكل خاص حيث مارس التضليل السياسي عبر تصريحاته قبيل استهدافين خطيرين عبر استخدام المفاوضات، الأول، كان قبيل بدء الحرب الإسرائيلية على إيران، والثانية، قبيل الاعتداء على سيادة دولة قطر عبر استهداف الوفد الفلسطيني التفاوضي حيث طرح ترامب مبادرته لوقف الحرب والتي تبين الآن أنها لم تكن إلا عملية تضليل واستدراجا للوفد التفاوضي وإن حاولت إسرائيل قول خلاف ذلك بتأكيدها أنها نفذت العملية بشكل مستقل.

ويدرك العالم خطورة الحدث في بعده الأمني والسياسي والقانوني وهذا ما يمكن قراءته من خلال ردود الفعل الغاضبة في مختلف العواصم العالمية، والتي تشعر الآن أن الشرق الأوسط بأكمله قد يتحول إلى ساحة لتصفيات متبادلة وهذا ليس في صالح أحد أبدا خاصة وأن العالم في مرحلة تحول كبرى وبدأت قوى كبرى تشكيل ما يمكن أن يشكل العتبات الأولى لنظام عالمي جديد لا تكون أمريكا قطبه الأوحد، خاصة وأن هذا الحدث الخطير جاء بعد أيام قلائل من المشهد السياسي المهم الذي شهده العالم في الصين والذي اعتبره الكثيرون أنه يحمل البعد الرمزي لعالم يعيد تشكيل قواعده من جديد.

ما حدث في الدوحة هو انتهاك صارخ لسيادة دولة قطر إذا ما نظرنا للموضوع من جانب قانوني، وهو تقويض لفكرة المفاوضات وحصانة الوسطاء إذا ما نظرنا إليه من جانب سياسي، والحدث خطير جدا من كل هذه الزوايا.. ولكن الزاوية الأكثر خطرا هي الزاوية الاستراتيجية فهو من هذه الزاوية إعلان واضح بأن المنطقة تدخل مرحلة جديدة تختفي فيها الفواصل بين ساحات الحرب وساحات الوساطة/ الدبلوماسية. أما الشرق الأوسط فإنه اليوم في مواجهة حقيقية أمام ما كان يحاول تصديقه لعدة عقود من «أوهام» السلام مع إسرائيل.