ثقافة

ناشرون عرب يستعرضون تحدياتهم في حماية اللغة ومسؤوليات الكتاب للحفاظ عليها

04 نوفمبر 2022
ضمن مناشط معرض الشارقة الدولي للكاتب
04 نوفمبر 2022

د. سالم البوسعيدي: لم نستطع اخراج جيل يشعر بأن القراءة أمر ممتع وليس أمرا مجبرا عليه

...........................................

محمد الرحبي: لا زالت المطبوعات الموجهة للأطفال واليافعين تقليدية.. فهل تستطيع مواجهة عالم الرقمنة الأجنبي؟

............................................

استعرضت جلسة حوارية ضمن مؤتمر الناشرين العرب في دورته السادسة -الذي يقام على هامش فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب- تحديات ومسؤوليات الناشرين العرب والكتاب في سبيل حماية اللغة العربية من التداخل الثقافي، وحماية اللغة العربية في ظل توجه الجيل الجديد من الأطفال واليافعين نحو اللغات الأخرى وخاصة اللغة الإنجليزية.

وتحدث في الجلسة التي حملت عنوان "واقع اللغة العربية وتأثير الكاتب والناشر العربي المعاصر عليها"، كل من الدكتور سالم البوسعيدي صاحب دار رؤى للنشر، وأكاديمي في جامعة نزوى، ومن المملكة العربية السعودية محمد الفريح مدير إدارة النشر والترجمة في شركة العبيكان للتعليم، ومن جمهورية مصر العربية الدكتور هيثم الحاج علي أستاذ الأدب العربي والنقد بجامعة حلوان، ومن دولة الامارات العربية المتحدة الدكتورة نسيبة العزيبي كاتبة للقصة القصيرة ومختصة في أدب الأطفال واليافعين، وأدار الجلسة الكاتب محمد بن سيف الرحبي صاحب دار لبان للنشر.

انطلقت الجلسة الحوارية بكلمة الكاتب محمد الرحبي، الذي أشار بأنه جزء من المعنيين في الشأن الثقافي، فهو كاتب وناشر في آن واحد، مستعرضا تجربة دار لبان في ما يتعلق بالنشر بشكل عام، والنشر المعني بالأطفال واليافعين، و أشار إليهم بأنهم يمثلون التحدي الأكبر في هذه القضية الشائكة، المتمثلة في التمسك باللغة العربية وعدم خلطها بلغات أخرى مثل الإنجليزية، بل عدم تغليب اللغة الإنجليزية على لغة الأم، كما هو حال الكثير من الأطفال وأسرهم.

وقال الرحبي: "لا بد أننا نتفق جميعا على وجود تحديات تواجه الناشر العربي، وعوامل تهدد هذه الصناعة بالانهيار، كما أشار رئيس اتحاد الناشرين العرب خلال كلمته في المؤتمر، حيث أشار إلى أن هذه الصناعات تحتاج إلى تدخل الحكومات العربية، فدور النشر دورها تنويري ومن ذلك نشر الثقافة المحلية داخل البلاد وكذلك نقلها إلى افق ارحب خارج البلاد".

وتابع الرحبي: "عالم الرقمنة الذي يسيطر علينا اليوم مؤثر جدا، هناك محتوى رقمي يضخ بشكل هائل لأبنائنا، وجل هذا المحتوى باللغة الإنجليزية ولغات أخرى، تأثير هذا المحتوى واضح على أبناءنا الذين بدأوا يستعملون اللغة الإنجليزية بشكل واضح في حياتهم اليومية بدلا من اللغة الام، اللغة العربية، وهذا بدوره يؤثر على النشر العربي إذا ما تحدثنا بشكل خاص على المحتوى الخاص بالأطفال واليافعين، فهل سيكون مجديا الطباعة لهذه الفئة باللغة العربية وهم في معزل عنها؟ وهل يتوقف الأمر عند الطلب والعرض، أم يتعداها إلى مسؤولية الكتاب والناشرين من ناحية اجتماعية، للأسف لا زالت المطبوعات في غالبها الموجهة للفئة العمرية من الأطفال واليافعين مطبوعات تقليدية، فهل هذه المطبوعات قادرة على مواجهة العالم الرقمي؟ هنا نطرح هذه التساؤلات للبحث عن حلول".

وتحدث عن تجربة دار لبان، قائلا: "نواجه حقيقة تحديات، اعتقد ان الكثير من دور النشر تواجهها، ومنها ضعف المحتوى المخصص للأطفال واليافعين، وغياب واضح للكتاب المتخصصين في هذا الجانب، لا نقول انهم معدومين، هناك أسماء بالفعل قدمت في أدب الأطفال واليافعين، ولكن العدد لا يلبي المساعي الخاصة بمواجهة عالم الرقمنة الواسع، بالمقابل هناك كذلك ضعف في الاقبال على هذه المطبوعات، وهذا أمر يحتاج إلى دعم حكومي ومجتمعي معا".

السجية اللغوية

وفي حديث الدكتور سالم البوسعيدي أشار إلى عدة أمور، منها قيمة اللغة، حيث قال: "اللغة هي عامة للبشر، وحينما عرَّف البعض الانسان، قالوا بأنه حيوان ناطق عاقل، والحيوان هنا من الحيوية، والحيوية التي يستمد الانسان قوته منها هي حيوية عقله وبيانه، فالبيان كما قال الله (علَّمه البيان) هي ميزة حباها الله آدم والبشرية من بعده، وعلى ذلك فاللغة ليست مجرد أداة للتفكير ولكنها هي طريقة تفكير، توظف ماهية الانسان وثقافته ووعيه وروحه وعاداته وتقاليده، فالكلام لا يصفنا أمام بعضنا فقط، ولكن يصفنا للعالم الواسع".

وتابع: "اللغة العربية باعتبارها لغة أمًا، فهي لغة حاضرة للثقافة والتراث والحضارة، وعلى ذلك بقاؤها واستمراريتها هي استمرارية لثقافة وشعوب وهوية".

أما النقطة الثانية التي تحدث عنها الدكتور سالم البوسعيدي هي واقع اللغة العربية، إذ قال: "هو واقع مؤلم في كثير من الأحيان، ومما يؤلم البعد عن اللفظ الأول، أو ألفاظ التراث الأولى، التي أصبحت اليوم منغلقة على كثير من أبنائنا، حيث لم يعودوا يستعملون تلك الألفاظ، الحقيقة هذا يصنع مشكلة، إذا كان مفكرونا والذين صنعوا فكرنا تخرجوا من الجامعات الوطنية وهم يتميزون على بالاطلاع على الثقافة والتراث وكذلك الانفتاح على الآخر، بالتالي نقول أن جانب الاتصال بالتراث هو جانب مهم وأصيل في مفكرينا الذين ظهروا بهذه الفترة، وهذا أمر جيد، المشكلة اليوم أن هناك غياب عن اتصال ابناءنا بهذا التراث، بالتالي الكثير منه سيغيب مع تعاقب الأجيال إذا لم نتدارك الموضوع، والمشكلة الثانية التشتت بين اللغة العربية الفصيحة، التي نمارسها كمسلمين في عباداتنا، وبين اللهجة العامية، أو بين اللغة الفصيحة واللغة الأجنبية التي تدرس بها كلغة أساسية في بعض المدارس، وهناك إشكالية ثالثة وهي اتهام الأدب العربي نفسه بأنه لم يعد يوازي الأدب العالمي، والمشكلة الأخيرة التعليم، فهو عندنا تعليم تقليدي يعتمد على التضخيم والتعقيد أكثر مما يعتمد على حيوية اللغة، فتعليم اللغة يعاني من تضخيم قواعد الصرف والنحو والبلاغة والادب القديم، لدينا مشكلة المناهج وضمور المادة التعليمية لا توجد حوافز على الابداع، واهم مشكلة أننا لم نستطع أن نخرج جيلا يحب الكتاب والقراءة، لم نستطع اخراج جيل يشعر بأن القراءة أمر ممتع وليس أمرا مجبرا عليه، فشل التعليم مرتبط بقضية التحبيب بالقراءة، إذا لم نستطع فعل ذلك فهذه إشكالية كبرى، الأمر الإيجابي إذا ما نجحت تلك المساعي أننا نستطيع بناء جيل يتعلم ذاتيا من خلال حبه للقراءة، جيل ليده تفكير ابداعي، جيل واثق من نفسه ولغته".

وعرج الدكتور إلى دور الكاتب والناشر، وقال بهذا الجانب: "الناشر العربي استطاع أن يقدم شيئا مهما للمجتمع، خاصة في إصدارات تبسيط القواعد، وتقديمها للطالب، وهذا ما جاء في زمن سابق قليلا، وكان أمرا ابداعيا، نحتاج إلى جيل جديد من هذا الابداع حتى يواكب المتغيرات والرغبات والتحديات التي تعيشها المجتمعات العربية واللغة العربية، ابن خلدون يشير إلى قضية تعلم اللغة منذ زمنه بأن هناك مشكلة، وقال (أنها سجية بالنفس تمكن صاحبها من فهم الكلام العربي والحديث به) وهنا يجب أن نصنع المعلم الذي يتحدث اللغة العربية بسلامة ويستطيع أن يتفاعل معها في حياته وتوصيل معلوماته، وهذا ما لا يصنعه إلا صاحب الملكة اللغوية أو السجية اللغوية، وهذا ما نسميه بالمحضن التربوي الذي يمكِّن الانسان التفاعل مع بيئته اللغوية".

الذكاء الاصطناعي

وبدوره تحدث محمد الفريح مدير إدارة النشر والترجمة في شركة العبيكان للتعليم عن الواقع التقني العربي، مشيرا إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي حديثة في العالم العربي، ولكنها بدأت عند الغرب منذ ستينيات القرن الماضي، مشيرا إلى تطور الذكاء الاصطناعي الذي تم من خلال اصدار كتاب كاملا دون تدخل الانسان في عام 2019 باللغة الإنجليزية، وهو كتاب قابل للقراءة بشكل سلس وطبيعي، كما أوضح إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي أصبحت متاحة في العالم العربي، ضاربا بذلك العديد من الأمثلة، ولا يستبعد أن يتاح قريبا انتاج الابداعات الأدبية العربية مثل الرواية والقصة والشعر باستخدام الذكاء الاصطناعي بنسبة 100 %.

الغراب الأبيض

أما الدكتور هيثم الحاج علي فقد تحدث عن تحديات المجتمعات والاجيال الجديد في حفاظها على اللغة العربية، مستذكرا قصة الغراب الذي أحس أنه منبوذ كلما ذهب إلى روضة بها طيور بيضاء، فقرر تلوين نفسه بالأبيض، فشاركهم حتى حاول تقليد تغريدهم، حينها نقروه الطيور، ليقرر العودة إلى سرب الغراب، فنقروه كذلك لأنه مختلف ولونه أبيض!

في إشارة من الدكتور إلى أهمية الاعتزاز بالهوية العربية، فمهما تخلى العربي عن لغته لفن يشعر في الانتماء إذا ما غادر للغرب، وإن عاش هناك فترة، سيشعر بالغربة عند رجوعه.

في حين استذكرت الدكتورة نسيبة العزيبي موقفا لأم وابنتها كانتا تجلسان بجوارها بلباسهما المحلي، إلا أن الام تخاطب ابنتها باللغة الإنجليزية حديثا عاديا، مشيرة إلى أن المسؤولية في الحفاظ على اللغة العربية مسؤولية أسرية قبل أن تكون مسؤولية كاتب أو ناشر أو حكومة، لأن الاسرة نواة أساسية.