مدينة غزة.. حلقة وصل تاريخية بين شمال أفريقيا وبلاد الشام
غزة - العمانية:
تعدُّ مدينة غزة من أكبر مدن قطاع غزة وأكثر المدن الفلسطينية من حيث الكثافة السكانية وتقع في الجنوب الغربي لفلسطين على الطريق الساحلي للبحر الأبيض المتوسط في موقع أكسبها عبر العصور أهمية استراتيجية فكانت من أقدم مدن العالم التي سكنها البشر كونها حلقة وصل بين شمال أفريقيا وبلاد الشام.
عالم الآثار الدكتور أيمن حسونة قال لوكالة الأنباء العمانية إنّ التنقيبات الأثرية أثبتت أن هناك سلسلة من المدن التي كانت تتبع لغزة تعد مواقع أثرية تعود للعصر البرونزي المبكر أي 3500 قبل الميلاد بقي منها مدينة غزة القديمة إذ أن التاريخ المبكر لغزة يعود لمرحلة الدويلات الكنعانية حيث إن الكنعانيين هم الذين أسسوا لعشرات المدن من شمال فلسطين إلى جنوبها غير أن غزة تميّزت عن كل المدن الكنعانية أنه كانت لديها دولة المدينة بما معناه أن النظام السياسي فيها كان قائما على دولة المدينة إذ لم تعرف الحضارات القديمة مثل حضارة الرافدين والحضارة الفرعونية. وبسبب وقوعها على الطريق الفرعي الذي يربط الجزيرة العربية بالبحر المتوسط عبر بلاد الأنباط وكان الخط التجاري بين مدينة الأنباط ومدينة غزة هو خط تجاري مؤمّن جدا من قِبل القبائل العربية التي سكنت المنطقة فهي التي كانت تعمل على حماية هذا الخط الذي ازدهر عبر التاريخ. ويقول حسونة إن رحلة الشتاء التي ذُكرت في القرآن كانت رحلاتها تمرّ عبر هذا الخط لتنتهي صيفا في غزة، وفي إحدى الرحلات توفي جد الرسول الثاني هاشم بن عبد مناف ودُفن في غزة في مقبرة عُرفت فيما بعد باسمه مقبرة السيد هاشم وثم بُني مسجد ضمّ ضريح السيد هاشم ومن هنا اشتهرت غزة باسم غزة هاشم وهو دليل على أهمية هذه المدينة من الناحية الاستراتيجية والتجارية والتاريخية.
ويضيف حسونة أنّ أول حضارة كانت لها علاقة مع غزة هي حضارة الفراعنة حيث إن التنقيبات الأثرية التي جرت جنوب غزة أظهرت بعض الآثار الفرعونية مثل الفخاريات والأختام الفرعونية المستوردة من مصر التي أرّخ لها العلماء بـ3000 سنة قبل الميلاد وهو ما يدلل على عمق العلاقة التاريخية التي تربط المملكة الفرعونية ومدينة غزة على اعتبار أن المدينة تابعة للأمن القومي المصري نظرا لموقعها الحدودي باعتبارها البوابة الأخيرة التي تربط قارة آسيا بأفريقيا. ويضيف عالم الآثار أيمن حسونة أن الفرس هم أول من منح غزة حكما ذاتيا وشجعوا على ازدهارها تجاريًا عن طريق فتح أبواب التجارة مع اليونان (الإغريق) عبر خط غزة؛ لأن الفرس كانوا على عداء دائم مع الإغريق وكان لا بد من إقامة علاقات تجارية معهم فكان هذا عبر بوابة غزة. ويتابع حسونة أنه في العهد الروماني سمح الرومانيون بصك العملة في غزة وهي صلاحية لم يعطِها الرومان إلا للمدن المهمة أو للمدن التجارية الكبيرة وتتسلسل الأحداث التاريخية التي مرّت وأرّخت لغزة حتى العهد الإسلامي عندما فتحها عمرو بن العاص أثناء دخوله إلى مصر وأقام بها للاستراحة والتزوّد بالمؤن وهو ما يدلل على أهمية المدينة الاستراتيجية. أما عن المواقع الأثرية والسياحية في غزة فقال عالم الآثار أيمن حسونة إن المواقع الأثرية التي تعود إلى العصر البرونزي لا تكاد تُذكر لأن الأبنية في ذلك الوقت كانت من اللبن وهو يحتاج إلى آلات خاصة ومجهود كبير للتنقيب عنها، أما المعالم الأثرية التي يمكن الحديث عنها اليوم التي لا تزال ماثلة فوق الأرض فتعود إلى العصر البيزنطي والروماني عندما بدأ البناء الحجري حيث تقدّم الفن المعماري وغزة مليئة بمثل هذه المعالم ذكر منها " الابلاخيه" وهو ميناء يعود إلى العصرين اليوناني والروماني، ودير القديس "هيلاريوس" ويعود إلى العصر البيزنطي ويمتاز بمساحته الواسعة جدا والقبو الكبير التابع له وحمامات البخار التابعة له. ويتابع حسونة أن غزة كانت تضاهي أثينا من حيث كثرة المدارس فيها وخاصة مدارس البلاغة وعلوم الحيوان واللاهوت، وإلى غزة نسب العديد من العلماء الذين برزت أسماؤهم عبر الأزمان، وهناك أرض الفسيفساء وهي أجمل وأغنى أرض فسيفساء عُثر عليها في منطقة بلاد الشام، وكنيسة "بيرفيريوس"، وقصر الباشا الواقع في البلدة القديمة ويمثل النموذج الوحيد للقصور المتبقية في المدينة ويعود بتاريخه للعصر المملوكي، والجامع العمري الكبير الذي يعدّ فريدا جدا ببنائه البازلتي العملاق، والعديد من المقابر الأثرية. ويقول حسونة إن غزة القديمة مبنية على تلة مُحاطة بسور عظيم له أربعة أبواب وقد أسماها الكنعانيون "هزاتي" والمصريون القدماء "غازاتو" والآشوريون "عزاتي".
