ثقافة

بحث البلاغة اللغوية والدلالات العميقة في شعر النانا بصلالة

27 أكتوبر 2022
27 أكتوبر 2022

أقيمت مساء امس ندوة ثقافية بعنوان «البلاغة اللغوية والدلالات العميقة في شعر النانا الظفاري» نظمتها الجمعية العمانية للكتاب والأدباء فرع محافظة ظفار بمجمع السلطان قابوس الشبابي للثقافة والترفية بصلالة. اشتملت الندوة على جلستين وعدد من أوراق العمل، وشارك الدكتور أحمد بن عبدالرحمن بالخير أستاذ الدراسات اللغوية المشارك بجامعة ظفار بورقة عمل بعنوان «التكثيف الدلالي في شعر النانا» وقال: إن هذه الندوة جاءت بهدف المحافظة على الهوية والشخصية التراثية الثقافية التي تتميز بها محافظة ظفار ونحن في وقتنا الحاضر أكثر حاجة إلى التأكيد على تراثنا الشعبي في ظل التغيرات والهيمنة الغربية على الثقافة العربية، وفي هذا البحث نلقي الضوء على أحد المورثات الشعبية في ظفار في تحليل للتكثيف الدلالي في شعر النانا، حيث يعد التكثيف أحد أهم القضايا المهمة في التشكيل اللغوي؛ نظرًا لما يحققه من الكشف عن المعنى الذي تختزله الألفاظ والتراكيب وهو اختزال الألفاظ والدلالات وإيجاز المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة لتقديم تصور كامل للمعنى المراد، مشيرًا في ورقته إلى فن النانا، وهو فن شعري يعتمد في صياغته على اللغة الشحرية في ظفار، ويقوم على القافية، كما في الشعر الفصيح وتحدث عن أهم ما يميز هذا الفن المتفرد بمعانيه، حيث يؤدي الفن في ألحان شجية تسمى (طُرق) يتناوله مجموعة من المرددين ذوي الأصوات الشجية، ويبدأ اللحن بترديد كلمة النانا مرات متعددة، وبلحن مختلف، وتعد هذه اللغة منطوقة لا مكتوبة فقد اعتمدت الأجيال على السماع والمشافهة في تناقلها وتناول أمثلة لنصوص باللغة الشحرية والحديث عن معانيها وترجمتها والنظر في معانيها البلاغية وقال: إن معظم القصائد الشعرية والنصوص في هذه اللغة تعتمد على جانب الحكمة، وذكر مثالا بأبيات من هذا الفن الشعري: (اصرك شي بجهد بل هيمك تحترف / عك تا بلي تعبك من إسهِب لغِرف). وترجمت هذه الأبيات تعني «أنك لم تقف معي بجهد ولا هممت أن تتوارى أو تبتعد عني والشطر الثاني يطرح فيه تساؤل وبحالة تعجب، «هل تريد مني مهما تعبت من البحر أن أغرف!»

بعدها ألقى كل من الدكتور أحمد بن علي المعشني والباحث محمد بن سعيد المشيخي ورقة عمل بعنوان «المفهوم والأبعاد الأسطورية والنفسية والروحية في شعر النانا» بدأ فيها الدكتور المعشني بالحديث عن فن النانا كونه يمثل لونًا من ألوان الفنون الشعبية في محافظة ظفار، ويمتد من عمق التراث الشعبي ويؤدى بطريقة فردية أو ثنائية إذا كانت هناك مناظرات بين شاعرين أو أكثر، مشيرًا إلى البعد النفسي والروحي في شعر النانا ويقول من يستمع إلى النانا، ويصغي إلى مفرداتها ونغماتها سيلاحظ الرمزية اللفظية ومجازية التشبيه، وتكثيف الصور الشعرية، وتركيز المفردات، وشحنها بمضامين رمزية تحتمل الدلالات التي تعبر عن إسقاطات أو تؤدي دور الحيل النفسية من قبيل التحويل والإنكار والتسامي والتفريغ، وغيرها من صور الدلالات النفسية لشعر النانا، ويحاول شاعر النانا تمويه رغباته الحقيقية وإلجامها في تلافيف الرمز لهذا تأتي قصيدة النانا في نُظمها وتراكيبها شبيهة بلغة الحلم، كما تظل الحالة الشعرية من وجهة نظر التحليل النفسي محكومة بمتلازمات نفسية تجد تعبيرها في التنفيس، وهي حالة من التطهير المفضي إلى بلسمة المشاعر، وتمثل مفردات بعينها أوعية معناتية لفن النانا من قبيل كلمات للشاعرة إيدال العمري وهي شاعرة متميزة في هذا الفن في كلمات وهي «أنغش ذخورف هي عك اولكتفئ / لي بغضف تقلب هجر ينتفي - والمعنى أن الشاعرة هنا تعبر عن مشاعرها واشتياقها وترحيبها بموسم الخريف، حيث تقول: مالي غنى عنك أبدا ولا لك نظير وطيفك يرد الروح من بعد الهجير.

وتناول الأستاذ الباحث محمد المشيخي الجانب البلاغي متحدثًا عن نص النانا الشعري وما يحمله من طابع شعري جمالي متفجر بالدلالات والإيحاءات التي تترك للمتلقي فرصة المشاركة في صناعة النص وإنتاج الدلالة، وذكر بعض الأمثلة الشعرية التي وردت فيها أيضًا اللغة المهرية وذكر البلاغة في الشعر في هذه اللغة، وقال إن شعر النانا يتسم بوجود العديد من الأساليب البلاغية المختلفة المستقاة من العلوم البلاغية الثلاثة المعروفة (علم المعاني، علم البيان، علم البديع) مركزًا على الصورة الشعرية الواردة في بعض النصوص الشعرية التي تحمل طابعًا نفسيًا وروحيًا، وتتيح للعقل والفكر الغوص في تفاصيل الكلام الموجز في النص الشعري القائم على التكثيف قائلا: من هنا يمكننا القول إن البلاغة التي يقوم عليها النص الشعري في فن النانا هي (الإيجاز) مع تقنية الكناية بالتعريض والتلويح والرمز والإيماء، وقبل أن نذهب إلى الصورة الشعرية في نص النانا نود الوقوف على قضية مهمة جدًا وهي: (التكامل اللغوي بين المهرية والشحرية في توفير المعجم اللغوي لشعراء النانا، إذ نجد بعض المفردات في اللغة الشحرية لا يستطيع الشاعر استخدامها شعريًا في نصوصه ومن ضمن تلك الألفاظ على سبيل المثال لا الحصر:

(مه: ماء/ رمنم: بحر/ شعب: وادي/ يوء: الناس) وإذا أراد الشاعر أن يستخدم أحد هذه الألفاظ في نصه الشعري يذهب إلى اللغة المهرية، ويستعير اللفظ المرادف له فلفظ الماء باللغة العربية يقابله بالشحرية ميه، وهذا لا يستقيم استخدامه في نص النانا، ويقابله بالمهرية (حموه)، وهذا يستقيم مع نص النانا، ونجده مستخدما عوض عن (ميه/ الماء) في نصوص الشعراء وكذلك مع بقية الألفاظ (رمنم: بحر) بالمهرية (خضير) أو (أروني) في حالة الجمع و (شعب: وادي) بالمهرية (حودي) و(يوء: الناس) بالمهرية (حبوء).

بعدها ألقت طفول بنت سالم كاتبة وعضوة في إدارة الجمعية العمانية للكتاب والأدباء وعضوة في مجلس إشراقات ثقافية، ورقة عمل بحثية حول شعر النانا وعلاقته بالشعر العربي «الاشتراك والتقاطع» تناولت فيها أمثلة تُبين المقارنة بين أبيات من شعر النانا والشعر العربي الفصيح والعامي (النبطي) وإظهار التقاطع والاشتراك بينهم الذي يتجاوز في أحيان كثيرة مجرد التشابه إلى التماثل والتطابق رغم خصوصية كل شعر، وما يميزه كل شعر وما يميزه من أساليب وخصوصيات فنية إضافة إلى توصيل مفهوم النظام التواصلي الذي ينهض بجملة من الوظائف التعبيرية والجمالية والشعرية الفنية وغيرها مشيرة إلى أن فن النانا في محافظة ظفار هو أحد أهم التجليات اللغوية الفنية في محافظة ظفار، وأدار الجلسة الأولى للندوة سعيد بن محمد المعشني. وتضمنت فعاليات الندوة جلسة مرادات شعرية في فن النانا لكل من الشاعر أحمد محمد شماس والشاعر أحمد بن أرغين المشيخي والشاعر علي العايل الكثيري، وهو كاتب وشاعر في اللغتين العربية والشحرية، وله ديوانان شعريان في الشعر النبطي ومدير لجلسة المرادات الشعرية في ختام الندوة وقام راعي المناسبة بتسليم الشهادات والهدايا التذكارية في الختام.