ثقافة

الكاتب يعيش من مهنته والحاجة قد تدفعه للموافقة على ما يخالف مبادئه

08 مايو 2024
الكاتب والسيناريست عثمان جحى لـ «عمان»:
08 مايو 2024

لم أستطع قول كل شيء في مسلسل «العربجي» فقررت كتابته روائيا

الرواية أعلى أنواع الأدب وأي عمل درامي لا يوصل ما توصله الرواية من مشاعر

الكتابة الروائية أكثر تحررا من الرقابة في المسلسلات

العمل المشترك أكثر نضجا، وزمن الكاتب الواحد سينتهي

الرقابة الجائرة مقبرة للأدب وللدراما وللإنسانية

قدّم الكاتب عثمان جحى الكثير من الأعمال الدرامية للشاشة الفضية، نالت قبولا جماهيريا واسعا، ولعل بوابة الشهرة التي انطلق منها كانت عبر قيامه بكتابة الجزء السادس من مسلسل «باب الحارة» الذي سرعان ما انفك ارتباطه به، ولم يقتصر كتابة عثمان على الأعمال البيئية بل قدم التاريخية ومنها «هارون الرشيد» وغيرها من الأعمال المهمة، ومنها أعمال خليجية.

مؤخرا أحب الكاتب أن يقدم نفسه عبر الرواية المطبوعة فقدم للمكتبة العربية رواية «العربجي» التي تحمل ذات الاسم للمسلسل الدرامي الذي كتبه ولاقى قبولا لدى المتابعين.

يؤمن جحى بالورشات الكتابية التي تتمخض عن أعمال مشتركة ناجحة، وقد عمل فيها طويلا ولا يزال.

جريدة «عمان» استضافته بهذا الحوار الذي أجاب فيه على الكثير مما طرحناه بكل رحابة صدر وكانت الأسئلة أكثر ولكن ضيق المساحة والرغبة في عدم الإطالة جعلني أتوقف عند هذا الحد رغم متعة الحوار والمحاور.

باعتقادي كنت من أبرز كتّاب الدراما هذا الموسم الذين تم تسليط الضوء عليهم، كون الأضواء دائما تتجه نحو الممثلين والمخرج، ما هو السبب برأيك...؟

بداية شكرا على هذا السؤال. في الحقيقة وعلى مدى سنوات طويلة من تاريخ الدراما ظُلم الكاتب كثيرا، وكان شبه مغيب عن المنظومة الدرامية مع أنه حجر الأساس فيها، وبما أنه يعمل وراء الكاميرا بل بعيدا عنها فإنه لا يُعرف، وأنا خلال تجربتي المتواضعة التي راكمتها بالعديد من الأعمال حاولت أن أقدم أعمالا نوعية، والتي أصبح يسأل عنها الجمهور ومن كتبها؟ ولله الحمد عُرف اسمي أكثر هذا العام، وخاصة مع صدور روايتي الأولى «العربجي».

جرت العادة أن تتناول الدراما الروايات والقصص وتحولها إلى منتج درامي.. لكنك تفعل العكس، فأنت تنقل العمل الدرامي بعد عرضه وتحوله إلى قالب روائي؟ هل هناك صعوبة في هذا الأمر؟ وهل ستختلف المآلات في الرواية عنها في المسلسل بما يضمن لها التشويق المنتظر أم أنك اتكأت فقط على المسلسل لتروج للرواية؟

طالما عملت على تحويل الرواية إلى دراما، وهذا كان فحوى دراستي الأكاديمية في الماجستير، وتحويل الرواية إلى دراما عمل له قواعده المستنبطة من التجارب التي سبقت والتي أستفيد منها، وهذا العام وبعد انتهاء كتابة مسلسل «العربجي» الجزء الثاني قمت بإرجاع المسلسل إلى الحضن الدافئ وهو الأدب، وحيث إنني لم أستطع قول كل شيء في المسلسل فقررت كتابة رواية مختلفة عن العمل الدرامي، مختلفة بالأحداث وبماضي الشخصيات وبنهاية كل شخصية، وبالتأكيد بنيت على نجاح الجزء الأول.* قلت في رواية «العربجي أبواب الموت والحياة» ما لم تقله في المسلسل، هل يختلف رقيب الدراما عن رقيب الرواية، وهل ستكرر التجربة لتقول ما تريد بعيدا عن قيود الدراما وسطوة الرقابة عليها...؟ أبدأ من حيث أنت انتهيت، المشروع الأدبي الروائي لم يفارقني أبدا.. فهو هاجس مستمر لدي؛ لأني أعتقد أن الرواية هي أعلى أنواع الأدب، ولن يستطيع أي عمل درامي أن يوصل ما توصله الرواية من مشاعر وأحاسيس وتاريخ الشخصيات.. والرواية بشكل عام أكثر تحررا من الرقابة من المسلسل، ولها شروط وقواعد بالطرح تختلف تماما عن أي عمل فني، وأنا أحضّر لروايتي الثانية وسأطلقها إن شاء الله في بداية العام القادم..

يحمل مسلسل «العربجي» كثيرا من صور العنف، بعضها مبرر وبعضها مبالغ فيه، هل هذا من وحي المخرج، أم أنك ممن تعمد هذا من أجل الإثارة والجذب، وسبب السؤال كثافة العنف الذي يظهر على الشاشة من خلال الدراما...؟

العنف في العربجي نابع من وحي الحكاية وربما آثر المخرج ألا يهادن بموضوع العنف فقدمه كما يجب أن يقدَّم بكامل تفاصيله، ويبدو أننا في الدراما السورية بشكل عام أصبحنا نميل للصدام العنيف دون مواربة؛ لأنني أعتقد أننا في مرحلة ما بعد الحرب وكما رأيناه خلال السنوات، حقننا باللاوعي بجرعة قاسية.

أحد أبطال العربجي وهي الممثلة نادين قامت بتطوير شخصيته لكي توافق على الاشتراك فيه، هل أنت من قام بهذا التطوير وراقت لك الفكرة، أم تركت الأمر لها وللمخرج...؟

لا لم يرتجل أي ممثل خارج النص إلا بما هو متاح له وهامشه المسموح.. وشخصية درية كُتبت هكذا على الورق، وبالطبع الممثلة القديرة نادين أضافت للدور وقدمته بشكل لائق وعظيم.

يبدو مسلسل «العربجي» أكثر الأعمال جماهيرية ومتابعة هذا الموسم، هل يأتي ذلك بسبب الصراع بين الضعيف والقوي والصراع بين الخير والشر، أم من نجومية الممثلين وأدائهم العالي، أم من كوادر المخرج...؟

إن نجاح العربجي له عدة عوامل أهمها النص الذي تبنّته شركة محترمة وتقدّر قيمة الورق الذي بين يديها، وسبق لها أن أنتجت عدة أعمال من كتابتي منها هارون الرشيد، ثم يأتي دور العناصر الفنية للعمل وبالطبع الممثلين جميعهم.. النجوم وغير النجوم.. وحكاية العربجي هي حكاية جذابة هي صراع الفقر والغنى.. وهو حكاية المهمشين والمقهورين.

في سياق الكتابة التي تقوم بها، هل ترسم بعض الأدوار على مقاس ممثلين ما في خاطرك، وهل يمكنك أن تقدم رؤيتك في إسناد دور لهذا الممثل أو تلك المثلة بناء على قناعاتك التي رسمتها للشخصية للمخرج أو جهة الإنتاج وهل حصل توافق عليها أم أنك تبتعد عن هذه الإشكالية...؟ في الحقيقة أحيانا أقوم بترشيح ممثل كما يتخيل لي عندما أكتب الشخصية على الورق.. وربما يأتي المخرج أحيانا ليغير لي وجهة نظري، وبالنهاية المخرج هو صاحب القرار النهائي لأنه هو من سيتحمّل فشل الشخصية أو العمل، وأنا دائما أثق بالمخرجين الذين أعمل معهم، وقلما أبتعد عن عدم التدخل في «كاستينغ» الممثلين.

إلى أي حد يجب أن يكون الكاتب منفتحا أو متسامحا مع ما يتم تعديله من قبل المخرج على العمل...؟

هناك تعديلات يسمح بها الكاتب وهناك ما لا يسمح به ولكل عمل ظرفه الخاص، وهناك بشكل عام هامش مسموح به للمخرج يستطيع تعديل ما يراه مناسبا خلال التصوير.

* تزاملت مع مؤيد النابلسي في أكثر من عمل، إلى أي حد تكون الكتابة المشتركة ناجحة وتقدم عملا ناجحا خصوصا أن التجربة شهدناها في أكثر من عمل لكتاب آخرين، وما هي مخاطر التشاركية وفوائدها...؟

أنا من أكثر الذين اشتغلوا على ورشات الدراما داخل سوريا وخارجها، وخرجت بنتيجة مفادها أن العمل المشترك هو أكثر نضجا قد لا يكون أكثر نجاحا ولكنه سيكون مشروعا ناضجا.. ولاسيما أن تعدد وجهات النظر وتدوير الزوايا هو لمصلحة العمل.. وبالنهاية إذا كان هناك توافقا بين الشركاء فالعمل بالتأكيد سينجح أو على الأقل لن يفشل، وهناك العديد من الشراكات الناجحة، والغرب كله يعتمد على ورشات الكتابة ولا يوجد لديهم من يكتب مسلسلا وحده، بل هي أعمال مشتركة بين أكثر من كاتب حتى إن الأمر يصل لأن يكتب كل حلقة كاتب.. بالطبع مع وجود كاتب رئيس للمشروع، وأنا شخصيا عملت أكثر من مشروع مع «إم بي سي» على نظام الورشات وأظن أن زمن الكاتب الواحد سينتهي.

تحدثت عن أحد الأعمال التي لاقت صدى ومتابعة وقلت عنه إنه سطحي استعراضي لا يدخل لعمق المجتمع ولا يعدو كونه لوحة استعراضية لحالة خاصة في المجتمع وهي المافيا، هذا التصريح ألا ينطبق على أعمال كثيرة أخرى تشكل حالات خاصة ويتم إبرازها على أنها من وحي المجتمع...؟

عندما قلت عن ذلك العمل إنه سطحي كنت أتوسم بالمستقبل أننا سنعود بسرعة إلى دراما هادفة تدخل في منظومة تغيير المجتمع.. وكنت آمل من نجم كبير ومخرج كبير أن يقدمان عملا فيه تسلية وترفيها ولكن يحمل مضمونا.. وفي هذا العام استطاعا تقديم عمل ذي مضمون عال وراق.. وأعمال المافيا هي أعمال طارئة على مجتمعنا فنحن في مجتمعاتنا العربية لا نعرف المافيا وإن وجدت.. لكن مع إنشاء المنصات العديدة في العالم بدا أن هذا النوع جذاب للمشاهد ونحن استلهمنا من الأعمال الغربية هذه الروح وبدأنا العمل بها، ووضعنا بالدراما السورية هو وضع خاص فنحن مخلفات حرب وربما عرفنا هذا النوع على الأرض.

ظهر استياء واضح من دراما هذا الموسم وربما المواسم السابقة بسبب ما يعالجه كتاب الدراما من مواضيع مأخوذة من الواقع السلبي للمجتمع السوري وتصديره للخارج، أليس هناك ما هو جميل يمكن أن يكتب، ولماذا ننقل كل الوجع من الواقع للشاشة ويعيشه المتلقي مرتين...؟ للأسف الشديد الواقع سلبي بكل تفاصيله ومسألة تجميل الواقع هي أمر كاذب ولن يلقى إلا الاستهجان من الجمهور.. من يعيش في سوريا يعرف أن الواقع سلبي وأن ما ننقله نحن الكتّاب هو غيض من فيض لأمور كثيرة تحصل، فكما أسلفت أننا مخلفات حرب، ولكن باستطاعة الكاتب أن ينقل هموم المواطن التفصيلية، وهذا الأمر سلاح ذو حدين فهو ربما يرضي الداخل السوري ولكن ربما لا يهم المواطن العربي... فمثلا لو قدمت بعمل درامي أن الكهرباء تنقطع بسوريا بحدود ٢٠ ساعة يوميا من يصدق هذا؟!! أو إذا قلت إن معاش الموظف حوالي 20 دولارا شهريا من يهتم لهذا...!! نحن في مجتمع يحتاج بناء من جديد وأهم ما يجب بناؤه هو الإنسان.. وأريد أن أؤكد أن الواقع أكثر دراما من أي دراما نكتبها.

هناك اتهام موجه للكتاب، وللجهات المنتجة أنهم يعملون وفق ما يريده الممول، ولهذا فهم أسرى المال الخارجي الذي يحاول هدم ما تبقى من قيم المجتمع السوري...؟

الكاتب بالنهاية جزء من منظومة متكاملة تبدأ من سياسة محطة وتنتهي بالعمليات الفنية للعمل، وطالما أقول محطة وسياسة فأنا ككاتب أعيش من هذه المهنة يجب علي الالتزام بما ترتأيه المحطة، إذا كنت أريد أن أكتب كي أعيش ولن أدّعي المثالية.. اليوم مختلف عن الأمس.. حيث كان الكاتب لديه مشروع يتوافق مع وطنيته ومن ثم قوميته، وكان محميا بدراما قوية مطلوبة من الجميع، كان المشروع الفني السوري بشكل عام ينطلق من سوريا وفق أسس تربينا عليها جميعا، ولكن الآن اختلف الأمر فنحن أقسام عديدة داخل وخارج ومعارض وموال، والأهم من كل هذا أن الكاتب يريد أن يعيش من هذه المهنة، وربما انهار بلحظة حاجة.. وهذه اللحظة ستجعله يوافق على ما يخالف مبادئه، الحل أن تعود الدراما السورية قوية مطلوبة وتنطلق من سوريا.

كثير من النقاد والمتابعين للشأن الدرامي يلقون بالتُّهم على ما يعرض من دراما أنها بسبب سقوط النص، أي النصوص هي التي سارت بالأعمال في اتجاه لا يخدم الدراما من حيث المعالجة الصحيحة للوقائع، والابتذال في إظهار السلبيات على أنها هي السائدة في المجتمع؟

لا ليس النص فقط، النص هو البداية، لكن أين باقي مفاصل العمل الدرامي، أين المخرج الذي وافق على النص؟ أين شركة الإنتاج؟ أين الممثل النجم؟ كلهم مرتاحون ماديا أكثر من الكاتب وبإمكانهم أن يرفضوا هذا العمل، الكاتب اليوم هو حلقة ضعيفة وهو يشاهد ما يطرح عالميا ويستلهم منه ومن ثم يستلهم للواقع وإن لم يستطع أن يصل بنصه للتسلية فلن يسوق النص.. وبالحقيقة إذا قلت إن الدراما مرآة الواقع، فالواقع سلبي وهو ينقل جزءا مما يراه أو يعرفه أو عايشه.. وهذه على ما أعتقد مرحلة لا بد أن نمر بها حتى تستقيم الحياة لنا وتعود لطبيعتها، وأذكر قول الشاعر: هي الأيام كما شاهدتها دول ...من سرّه زمن ساءته أزمان.

هل يمكن أن نطلق على دراما المواسم السابقة أنها دراما الحرب مثلما نقول أدب الحرب، وهل تناول سنوات الحرب وتأثيرها ومعالجتها يأتي بهذه البشاعة أم أن مهمة الدراما أصعب وأعقد ولم تلامس الواقع بشكل جاد لتكون صاحبة هدف البناء وليس تعويم المشاكل وتعميمها وتصبح كأنها هي السائدة؟

أدب الحروب موجود منذ القدم والشعر والأدب العربي حافل بهذا النوع.. وأغلب قصائد الفخر العربي أُدرجها أنا كأكاديمي تحت أدب الحروب، فها هو أبو تمام شاعر المعتصم الخليفة العباسي يلقي بائيته المعروفة: السيف أصدق أنباء من الكتب.. كجزء من أدب الحرب الذي رافق الجيش. المجتمعات الخارجة من الحروب هي مجتمعات مريضة حتى تتعافى والدراما مهمتها على جبهتين طرح المشكلة التي سلفت وعرض لرؤيتها لما سيأتي، طرح المشكلة هو جزء من الحل لنستفيد مما جرى واستقراء المستقبل هو لشحذ الهمم على النهوض من تحت الركام.. الدراما هي جزء من منظومة ثقافية التي يجب عليها وضع نقاط علامة أو إضاءة شمعة في الظلام لتنوير الطريق للأجيال القادمة حتى يتفادوا ما وقعنا به، الواقع السوري معقد والدراما السورية واجب عليها تشريح المشاكل، وإضاءة الحل كما يراه المثقفون.. الدراما في العالم موجهة ونحن يجب أن نوجه الدراما إيجابيا.

ككاتب هل أصبحت تساير الموضة الدارجة في موضوع الأجزاء المتتالية للمسلسلات، وإبقاء النهايات مفتوحة لهذا الغرض، هل لأنها باب للرزق أم أن الخط الدرامي يتطلب الخوض في تفاصيل أكثر...؟

أنا بالنهاية أخضع لقانون العرض والطلب.. مع إنني أعارض الأجزاء ولكن أقع فيها لأن الطلب عليها، وبالعربجي الجزء الأول بقيت النهاية مفتوحة لأن زخم الأحداث لم ينته، وكان واجبا الجزء الثاني.. ولا أكتمك سرا أن المحطة العارضة طلبت جزءا ثانيا قبل عرض الجزء الأول، ولم أعارض البتة.

كنت ممن ساهم في عمل «باب الحارة» الذي لاقى انتشارا واسعا في بداياته، وبعد ذلك لاقى الاستهجان بسبب ما تم تناوله من دور المرأة والمجتمع في ذاك الوقت مثلا، وهناك اليوم من يترحم على هذا العمل قياسا لما يعرض من إسفاف درامي، ماذا تقول عن أنت...؟

قصة باب الحارة قصة طويلة وغنية بالتفاصيل، فعندما اتصل بي المخرج بسام الملا -رحمه الله- طالبا مني أن أكتب الجزء السادس لم أصدق ببداية الأمر لأن باب الحارة هو مصنع شهرة لأي عامل به.. تحمست حينئذ وعقدت العزم أن أغير بباب الحارة.. فعملت على تقبل الآخر ورفع شأن المرأة وجلبت الممرضة الفرنسية للحارة وزوّجتها لأبي عصام ولكني اكتشفت لاحقا أن باب الحارة تيار ساحب وإني أنا من ذهب إليه ولم أستطع إلا عمل تغيير بسيط وكذلك بالجزء السابع وبعد السابع انسحبت ولم تعد لدي رغبة بالعمل به.. ولكن مع مرور اكتشفت أن باب الحارة من ١-٧ هو دراما اجتماعية بيئية ملتزمة تخضع للقوانين الصارمة.. يقودها مخرج خبير وكبير بسام الملا.. وأسس لها كاتب ذو بصيرة بهذه الأعمال هو مروان قاووق، وعندما أشاهد أعمالا هزيلة أستذكر باب الحارة بكثير من الحب.. وأردد قول الشاعر في نفسي: هزلت حتى أبان هزالها كلاها وساقها كل مفلس..

لا يكاد يخلو أي عمل من إسقاطات معينة سواء كانت سياسية أو مجتمعية أو اقتصادية، كيف كنت تتلافى هذه الأمور مع الرقابة، خصوصا أن عملك باب الحارة حدث فيه هذا الشيء، ألا يؤثر هذا على الأعمال...؟

الرقابة مقبرة.. مقبرة للأدب مقبرة للدراما مقبرة للإنسانية.. وأقصد بالرقابة هنا هي الرقابة الجائرة التي تخاف من الطرح وتخاف على كرسيها.. إذا اعتبرنا الدراما أدبا وإن كانت أدنى أنواع الأدب فيجب أن يتاح لها سقف مرتفع لتقول ما تريد.. من أقدر على البوح بهموم الناس من كاتب يكتب بقلمه وبروحه وبأحاسيسه.. وما نفع الأدب إن لم يسقط الواقع في قالب حكايته!! ما نفع كاتب يسطح المجتمع.. كيف لوردة تنبت في كومة قمامة أن تتباهى بجمالها؟ أنا ابن الشارع وابن الناس ومن الناس، وإذا كان الرقيب يسلط مقصه على العمل فلأن الكلمة تخيفه.. وفي البدء كانت الكلمة.. والقسم بالقلم أمر إلهي، وأعقب وأضيف أن الكاتب هو النون فيما يسطرون.

تكاد الدراما السورية تخلو في المواسم الأخيرة من أعمال اجتماعية هادئة تبعث على الأمل بالحياة أو تلامس الواقع بطريقة شفيفة على غرار «الفصول الأربعة» و«ضبو الشناتي» على سبيل الذكر لا الحصر، ما هو السبب برأيك؟

الدراما هي مرآة الواقع، فتخيل معي أن أبطال الفصول الأربعة اجتمعوا الآن في مسلسل هل من الحكمة بمكان أن يستمروا كما بدأوا ...!! هل سيتجاوزن قطع الكهرباء ونقص «مازوت» التدفئة والوقوف على طوابير الغاز وانتظار رسالة البنزين.. (البنزين في سوريا على بطاقة ذكية.. لكل سيارة مخصصات تستلمها من المحطة بموجب رسالة نصية على الجوال) الواقع القاسي سيفرز دراما قاسية.. ولن يقبل الجمهور بتجميل الواقع.. أو القفز فوقه.. عيون الناس وتعبهم في الشارع يحيلوني لقول الشاعر: أراك عصي الدمع شيمتك الصبر..

هل تميل لمخرج معين ليقوم بإنتاج عملك مثلا أم تترك الأمر للجهة المنتجة...؟

غالبا ما أتوافق مع الجهة المنتجة على المخرج.. وفي بعض المرات أتجاوز.. وأنأى بنفسي..

هل ضخامة الإنتاج وتوفر الأدوات المساعدة هما ما يكونان حاملين للعمل لكي يلاقي الانتشار أكثر من أعمال أخرى ربما تكون أكثر أهمية ولكن لم تجد باب الانتشار الصحيح...؟

لم يعد للدراما الفقيرة إنتاجيا مكان للمنافسة، الدراما اليوم هي دراما مكتملة العناصر ومنها الإنتاج الضخم، ومستلزماته، وربما يكون عمل ضعيف في نصه لكن الإنتاج والإبهار البصري يرفعه، فمن عوامل الانتشار الضخامة الإنتاجية.