1692131
1692131
ثقافة

الشاعر سالم بن مستهيل الشحري لـ«عمان»: فن «النانا» هو السهل الممتنع و«الدبرارت» أشبه بالقصيدة العربية العمودية

11 يوليو 2021
11 يوليو 2021

حوار - بخيت كيرداس الشحري -

تزخر السلطنة بموروثاتها الفنية والأدبية والثقافية المتنوعة على امتداد جغرافيتها مترامية الأطراف، وذلك حصيلة إرثها الحضاري الكبير والتنوع الديموغرافي الذي تتميز به السلطنة، وتعتبر الموروثات الشعبية في مجال الفنون ذاكرة وطنية تتناقلها الأجيال المتعاقبة وتحافظ عليها كجزء أصيل من ثقافة الإنسان العماني، وتتنوع هذه الفنون بتنوع لغات ولهجات الإنسان العماني واختلاف البيئة التي يعيش فيها، وكما تعبر هذه الفنون عن الحالة التي يمر بها الإنسان وكذلك حسب المناسبات المختلفة.

هنا في هذه المساحة نسلط الضوء على جانب من الفنون الريفية الشعرية المغناة باللغة الشحرية بمحافظة ظفار، وهي فنون ريفية موروثة منذ القدم تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل، وخلال هذه السنوات ازداد الاهتمام بهذه الفنون المغناة وأشهرها فن الدبرارت وفن النانا وخاصة مع سهولة انتشار هذه الفنون المغناة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

وقد التقينا بالشاعر سالم بن مستهيل غفرم الشحري «أبو حفيظ» الذي يعد من أبرز الشعراء في فن النانا وفن الدبرارت، وقد بدأت موهبته الشعرية في فن النانا في منتصف الستينيات، أما فن الدبرارت فقد بدأ يبدع الشعر فيه في نهاية التسعينيات حيث وثق تلك القصائد عبر أشرطة سمعية.

ويعد الشاعر سالم بن مستهيل غفرم الشحري ذاكرة شعبية لهذه الفنون ويحفظ الكثير من هذه الفنون ويفخر كثيراً بأدائه وحفظه لهذا الموروث الشعبي الذي يعد جزءاً مهماً من ثقافة المجتمع العماني في محافظة ظفار.

خصائص فن الدبرارت

وللتعريف أكثر بفن الدبرارت والاقتراب من خصائصه الشعرية قال الشاعر سالم بن مستهيل غفرم (أبو حفيظ ): «إن فن الدبرارت هو عبارة عن قصيدة أشبه بالقصيدة العمودية في الشعر العربي لها وزن وقافية، ولكنه باللغة الشحرية المعروفة في محافظة ظفار، ويقال هذا الفن في كثير من الأغراض الشعرية مثل الرثاء والمدح والفخر والحكمة وسرد التجارب التي مر بها الشاعر ورواية الأحداث والمناسبات، وكذلك تقال في مدح الأطفال الصغار من خلال أبيات شعرية تتنبأ لهم بمستقبل واعد وزاهر ويتوسم الخير فيهم من خلال نعتهم بالصفات المثلى تيمناً بهم أن يكونوا على هذه الصفات حينما يكبرون وهذا النوع من الدبرارت يتغنى به الآباء أو الأمهات قديماً كوسيلة في تهدئة الأطفال حتى يناموا».

وأوضح: «إن الدبرارت فن لا يقتصر أداؤه على الرجل أو المرأة بل كل من به قريحة الشعر ممكن أن يقول في هذا الفن وهو فن قديم له عشاقه ومتابعوه، ويأتي شعر الدبرارت في كثير من الأحيان على شكل وصايا وحكم ونصائح يوجها الشاعر للشخص المعني ويذكر باسمه في القصيدة كأحد أبنائه أو بناته ولكنها في الحقيقة هي نصائح ووصايا موجهة للمجتمع بشكل عام وأغلب هذه النصائح تحث على مكارم الأخلاق مثل الكرم وحسن الجوار والحفاظ على العهد والوفاء بالوعود والإحسان لذوي القربى والابتعاد عن الفتن، وكذلك التمسك بتعاليم الدين الإسلامي، وكما تأتي قصيدة الدبرارت بغرض المدح لشخصية معينة معروفة في المجتمع بها من الصفات الحميدة التي يعرفه بها المجتمع».

وأشار الشاعر سالم بن مستهيل غفرم إلى أن الشاعر الراحل «محاد الفهد كشوب» هو أحد أبرز الشعراء في فن الدبرارت ويعتبر أول من قام بتسجيل هذا الفن في الأشرطة السمعية منذ الثمانينيات، مشيرا إلى أن هناك العديد من الشعراء الذين برزوا في هذا الفن مثل «عامر بن شُدر العمري» و«محاد بن ارعيب العمري» و«عوض بن أحمد صفرار» ومن الجيل الشاب يعتبر الفنان الراحل «ناصر بن محمد ارغين المشيخي» من أكثر الشعراء الذين برزوا في هذا الفن ونال رحمه الله شهرة واسعة في هذا المجال.

فن النانا (السهل الممتنع)

وحول فن النانا قال الشاعر سالم بن غفرم الشحري: «إن هذا الفن كان قبل أكثر من 150عاما تقريباً فنًا نسائيًا وكان نادراً ما تجد الرجال يخوضون في هذا المجال ربما لما فيه من عذوبة المعاني والعاطفة الجياشة في معانيه، ولكن مع التحولات والتغييرات التي تطرأ على كل مجتمع أصبح هذا الفن يمارسه الرجال والنساء على حد سواء».

واسترسل الشحري قائلا: «إن فن النانا يختلف كثيراً عن فن الدبرارت حيث تتكون قصيدة النانا من شطرين فقط، وقد تأتي أحيانا مكونة من ثلاثة اشطر وتعرف بـ(المثلثة) وتلتزم قصيدة النانا كذلك بوزن وقافية، ويعتبر الغزل من أكثر الأغراض الشعرية التي يتناولها شعر النانا وكما يتناول كذلك شعر النانا المواقف اليومية التي يصادفها الشاعر، وبالرغم من أن قصيدة النانا عدد الكلمات فيها قد لا تتجاوز العشر كلمات من مفردات اللغة الشحرية إلا ان فيها من البلاغة والصور الشعرية التي تعادل في قيمتها الشعرية وشمولية وصفها القصائد العربية وقصائد الدبرارت التي تتكون من عشرات الأبيات، ويمكن أن ينطبق وصف السهل الممتنع على هذا الفن، فبالرغم من قصر المفردات فيه إلا أنه ليس سهلا لأي أحد أن يقول في هذا الفن بسهولة، ومن أبرز الشعراء في هذا المجال من الرجال (سهيل بن ليقاط العمري) و(محمد بن سعد جمعان الشحري) و(أحمد بن اريوت المشيخي) ومن النساء الشاعرة (ايدال بنت سهيل العمرية) و(طفول باقي)، وكثير من الأسماء لا يسع المجال لذكرهم في هذا المقام».

نموذج من النانا وقد ذكر لنا الشاعر سالم بن مستهيل غفرم الشحري أحد قصائده في فن النانا التي قالها في عام 1973 وهي تعبير عن حالة مر بها، حيث بلغه حديث عن شخص كان يكن له الود والتقدير من شخص آخر، مما غير في نفسه تجاه ذلك الشخص، وبعد أن تبينت له الحقيقة تأسف على ما حمله في خاطره من عتب تجاه ذلك الشخص، وقال واصفاً حاله في قصيدة نانا:

(عق أغليل إجورك..... وشيسن إكفيفك وبحنوف ألحيسك.... أد من عوبر ليفك)

وترجمة لحالة الشاعر باللغة العربية يصف الشاعر حالته بأنه كان كالشخص الذي يجري وسط الضباب ولا يشعر بالمسافة التي يقطعها بسبب انعدام الرؤية حتى يجد نفسه قد قطع مسافةً طويلة دون أن يشعر وهو في غير الاتجاه الذي يقصده، ليعود للاتجاه الصحيح بعد انجلاء الضباب ووضوح الرؤية.

أما في قصيدة نانا أخرى يعبر الشاعر سالم مستهيل عن حالة المفارق لأحبابه ويشبهه بحال الطفل الذي يفارق أمه حيث يلعب ويلهو بالنهار مع الأطفال وفي المساء حين يعود كل طفل إلى أهله يستشعر وجع الفقد ويعتريه الشوق والحنين لأمه، والقصيدة يقول فيها:

(إغفيل عق جمع إينعوك ألشبديدكو مقرأ إعير أعسر إنهيد هير شجددك)

وأشار الشاعر سالم بن مستهيل غفرم الشحري إلى أن أهم ما يلهم شعراء النانا في محافظة ظفار هي مكونات الطبيعة واختلاف المواسم في ظفار وكذلك الليالي المقمرة وعلى سبيل المثال تعد ساريات الغيم التي تأتي من اتجاه بحر العرب لتغطي قمم الجبال من الأشياء الملهمة لشعراء النانا وكذلك رذاذ الخريف وانجلاء الغيم والضباب عن الجبال الخضراء بعد موسم الخريف الماطر والعيون الجارية والسهول الخضراء ونسيم الجنوب العليل وهذه المفردات الطبيعية كلها هي مصدر إلهام لشعراء النانا.

أهمية الحفاظ على هذا الموروث

وحول حرصه على تسجيل قصائده بصوته وعدم اعتماده على بعض الأصوات لتسجيلها كما يحدث الآن، حيث يستعين بعض الشعراء بأصوات شابه ظهرت على الساحة خلال هذه السنوات لتأدية قصائدهم، قال الشاعر سالم مستهيل: إنه حريص على أداء قصائده من أجل الحفاظ على النطق الصحيح للمفردات وعدم كسر اللغة حيث إن بعض الأصوات برغم امتلاكها أصواتا جميلة إلا أنها تلحن في بعض المفردات ولا تنطقها بالشكل الصحيح لصعوبة بعض الألفاظ في اللغة الشحرية. وقد أكد في ختام حديثه لجريدة «عمان» على شكره وتقديره لوزارة الإعلام بمختلف قطاعاتها الإعلامية لاهتمامها بالموروثات العمانية بشكل عام وتسليط الضوء على مختلف مكونات الثقافة العمانية وإبرازها للجمهور.