ثقافة

إسدال الستار على المؤتمر العلمي "ترجمة التراث العماني الرؤى والآفاق" بكوالالمبور

28 أكتوبر 2022
شارك فيه باحثون ومترجمون من 14 دولة
28 أكتوبر 2022

اختتمت أمس جلسات المؤتمر العلمي السابع "ترجمة التراث العماني الرؤى والآفاق" في الجامعة الإسلامية العالمية بالعاصمة الماليزية والذي استمر ليومين بتنظيم من مركز ذاكرة عمان والجامعة الإسلامية العالمية، وعُرض في هذا المؤتمر عشرون ورقة بحثية كان نصيب اليوم الأول خمسا منها والخمس عشرة الأخرى في اليوم الثاني وشارك فيه باحثون ومترجمون من 14 دولة في جلسات علمية.

وخرج المؤتمر بمجموعة من التوصيات أهمها: تقديم مواد إعلامية مكثفة في برامج إذاعية وتلفازية ومقاطع مرئية تُعرف بالترجمة، وتخصيص مواقع إلكترونية لرفع البحوث والدراسات والمخطوطات والوثائق ذات الصلة بالترجمة، وتأسيس هيئة وطنية للترجمة توحّد الجهود المتفرقة وتجمع بين المترجمين، وتنشيط التعاون في مجال الترجمة بين سلطنة عمان والمراكز البحثية في الدول الأخرى، للاستفادة من تجربتهم في ترجمة التراث، وإدراج ترجمة التراث العماني ضمن متطلب أكاديمي في الجامعات العمانية أو ضمن متطلبات الماجستير والدكتوراه، وجمع الألفاظ الدخيلة على التراث العماني واللهجات العمانية، وإصدار فهرس مستقل للمخطوطات غير العربية المحفوظة بعمان، وتحقيق مخطوطات التراث العماني المكتوبة بغير العربية، وتأسيس كراسي علمية أو مراكز بحثية متخصصة في الترجمة العربية والملاوية، ولغات أخرى ذات صلة بالنتاج العماني، والسعي إلى الخروج من مركزية اللغة الإنجليزية، والانفتاح على لغات أخرى لتوسعة نطاق نشر التراث العماني، وتفعيل جائزة "تُرجمان عُمان" ونشر نصوص مختارة من التراث العماني بشتى لغات العالم، وتوثيق سِيَر رُوّاد الترجمة في عُمان وإنشاء قاعدة بيانات رقمية تجمع نتاجهم في مجال الترجمة.

وقدم الدكتور أحمد بن محمد الرمحي بحثا حول المعجم ثنائي اللغة عربي - سواحيلي والذي هو بعنوان "مُبْتَدَأ الأَسْفَارِ في بَيَانِ نُبْذَةٍ يَسِيرَةٍ مِنْ لُغَةِ أَهْلِ زِنْجِبَار بالمشهور من اللغة العربية" والكتاب من صَنْعَة الشيخ العلامة ناصر بن أبي نبهان جاعد بن خميس الخروصي (1262هـ) حيث قال : بين يدينا سِفْر يكشف لنا بُعْدينِ مهمّين: لُغَوي، وآخر حضاري، أمَّا بُعْده اللغوي فيدفع الباحثين إلى دراسته في سياق الصنعة المعجمية، وهي صنعة شهدت تطوُّرًا نوعيًّا في تراثنا العربيّ منذ أنْ فتح بابها إمام العربيّة الخليل بن أحمد الفراهيديّ الأزدي العُمانيّ، فتفرَّع التصنيف فيها إلى مدارس في ترتيب مداخلها وأنماط في التصنيف بين معاجم الألفاظ ومعاجم المعاني، مع العناية بما تقتضيه هذه الصَّنْعة من انتقاء المداخل وترتيبها ومعالجتها وفق ما بُنِيَ عليه المعجم.

وفي سياق الصنعة المعجمية يُمثِّل هذا السِّفْر انتقاءً نوعيًّا في التصنيف المعجمي وأسبقيّة في المضمون اللغوي، أمَّا انتقاؤه النوعيّ فهو من حيث كونه معجمًا ثُنائيّ اللغة، وهذا نوع من الصنعة المعجميّة قَلَّت العناية به في تراثنا العربيّ إذا ما قِيسَ بالمعاجم أحاديّة اللغة، وأمَّا أسبقيّته في المضمون اللغوي فقد ضَمَّ مع العربيّة لُغَةً لم تَعْهَد قبل زمن المؤلِّف عنايةً واهتمامًا لُغَوِيًّا، فاعتنى بتصنيف معجمينِ اثنينِ (عربي - سواحلي)، هذا أحدهما، وسعى فيهما إلى محاولة التقعيد اللغويّ لها، وكشف جانبا من ظواهرها الصَّوتيّة والصَّرْفية، في وقتٍ لم يُماط اللِّثام بَعْدُ عن المعالجات اللغوية لهذه اللغة حسب عِلْم الباحث.

أمَّا بُعْده الحضاري فهو من نتاج حقبة تاريخيّة كان للسيادة العُمانيّة وَقْعٌ في شرق أفريقيا، فجاء هذا السِّفْر حينها في سياق حاجة مُلِحَّة أَمْلاها التَّنوّعُ السكاني والتباينُ اللغوي بين أفراده، وأفرزها الحراك الحضاري بأنماطه الاجتماعيّة والاقتصادية والسياسية، فكانتْ صِناعة هذا السِّفْر انعكاسًا لذلك الحراك الحضاري، وليس تَرَفًا في التأليف أو تكرارًا لجهود معجميّة سابقة، فهو بهذين البُعْدين اللغوي والحضاري يُضيف جديدًا للمكتبة العربيّة عمومًا وللعُمانيّة منها خصوصًا.

ولأهمية هذا السِّفْر اقتضَى أنْ يُسْبَق نصُّه المُحقَّق بدراسة موجزة، تُعَرِّف بالمؤلِّف والمؤلَّف، فكان الحديث عن المؤلِّف في أبرز محطَّاته العِلْميّة، وأمَّا المؤلَّف فثمَّة إضاءات في سياق صنعته المعجميّة، وإشارة إلى اللغة السواحلية بين رَصْدها في هذا السِّفْر وواقعها اللغوي المعاصر، وخُتِمت هذه الدراسة ببيان عمل التحقيق، وهو جانب مهمّ يكشف للقارئ معالجات المتن، ومضامين الإحالة في الهوامش.

وقدم الدكتور محمود محمد علي من السودان وهو مستشار تعليمي لدى الإدارة الدينية بولاية بهانج - ماليزيا بحثا حول جهود العمانيين في ترجمة موسوعة الوثائق البرتغالية في ضوء حركة ترجمة التراث العماني المعاصر، من البرتغالية إلى العربية ، فقد ارتبطت الإمبراطورية العمانية، جغرافياً، وتاريخياً، بحركة الملاحة الدولية؛ وظلت عاملاً فاعلاً في بحر العرب، والمحيط الهندي، والشواطئ الآسيوية، والإفريقية، وصولاً إلى الهند والصين، وبحُكم هذا التأثير البحري، تكوَّنتْ لديها علاقاتٌ بالقوى البحرية البرتغالية، التي دخلت إلى المحيط الهندي منذ مطالع القرن السادس عشر، وقد عمدت الإدارة البرتغالية، إلى تسجيل تلك الأحداث التاريخية لوجودهم البحري في المنطقة، فكتبوها في تقارير ووثائق، بلغت ألفا وخمسمائة وثيقة؛ تتضمَّنُ أحوال العُمانيين: العسكرية، والدينية، والاجتماعية؛ كما فهمها البرتغاليون، أو راقبوها، وسجلوها؛ لحوالي القرنيْنِ ونصف القرن من تاريخ العلاقات التبادلية والحضارية المتنامية بين الإمبراطورية البرتغالية، والإمبراطورية العمانية.

لقد تمَّ إنجاز تحرير الموسوعة، وترجمتها إلى العربية تحت إشراف وزير التراث والثقافة حينها، وتمَّ نشرها في ستة عشر مجلداً تحتوي على 7680 صفحة من الوثائق والسجلات البرتغالية عن عُمان، وتَكْمن أهمية هذا البحث في أنه يوثِّقُ لأكبر حركة ترجمة في تاريخ عُمان المعاصر؛ من خلال تدوين عصر الإمبراطوريات البحرية في المحيط الهندي، والبحر الأحمر.

وقدمت هدى يعقوب أحمد من أريتيريا وهي باحثة في مرحلة الدكتوراه بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا بحثا يتناول ترجمة وثائق الوجود البرتغالي في منطقة أرخبيل الملايو- قلعة ملقا- 1511- 1641م وهي دراسة في ضوء جهود العمانيين في ترجمة موسوعة الوثائق البرتغالية إلى اللغة العربية فقدْ سيطر البرتغاليون على السواحل العُمانية بعد اكتشافهم لطريق رأس الرجاء الصالح على مدى المحيط، الذي كان العُمانيون موجودين في سواحله، الإفريقية والآسيوية، كما يمتد وجود النفوذ البحري للبرتغاليين في منطقة أرخبيل الملايو لمدة 130عاماً. فقد احتل البرتغاليون، عام 1511م، مضيق ملقا (ملاكا) – الواقع في الجزء الجنوبي لماليزيا- الذي يربط بين المحيط الهندي، وبحر الصين الجنوبي، وبنوا فيه أكبر قلعة مطلة على المضيق، وقد سبق العمانيون البرتغاليين إلى منطقة أرخبيل الملايو، وحملوا معهم ثقافتهم إلى جانب تجارتهم، فنشروا الإسلام، حتى بلغ نفوذهم الثقافي إلى جزر الهند الشرقية.

وتسعى الباحثة من خلال المنهج الوصفي التحليلي دراسة الوثائق المترجمة من البرتغالية إلى العربية، عن الوجود البحري للبرتغال في أرخبيل الملايو (قلعة مضيق ملاكا)،. وتَكْمن أهمية هذا البحث في أنَّ البرتغاليين قد ربطوا أهمية قلعة مسقط في عُمان، بأهمية قلعة ملقا (ملاكا) وموزمبيق كما ورد في ص:195من المجلد السادس في معرض رسالة ملك البرتغال إلى نائبه في الهند، ونصها كالآتي: (يجب ألَّا تغيبَ عن ذهنكم الأهمية القصوى التي تكتسبها قلعة ملقا، وقلعتي موزمبيق ومسقط؛ وهي القلاعُ التي تكتسب اليوم أهمية قصوى بالنسبة إلينا، مما يفرض علينا اتخاذ الاحتياطات كافة، وأنْ تحرصوا على أنْ يلتحقَ كل جندي بالقلعة المعيَّن فيها، وأنْ تحصروا العدد المخصَّص لكل واحدة منها) وفي ظل هذا الربط المباشر بين أهمية قلعة مسقط في عُمان، وقلعة ملقا في ماليزيا، ستتبَّعُ الباحثة الوثائق البرتغالية المتعلقة بمنطقة أرخبيل الملايو لإبراز الوجود العماني السابق للاحتلال البرتغالي، في منطقة أرخبيل الملايو عبر مضيق ملقا الاستراتيجي بحريا.