1643056
1643056
ثقافة

أبومعاذ مرشد الخصيبي في قصائده ومؤلفاته امتداد لسلالة أدبية مبكرة أنتجت فكراً وشعرا

18 مايو 2021
18 مايو 2021

إعداد: د. محسن الكندي -

لم يكن الأديب المعروف الشاعر مرشد بن محمد بن راشد الخصيبي (1959-2012) ببعيدٍ عن مناخات والده الأدبية والعلمية وهو يؤلِّف موسوعته الرائدة في تاريخ الشعر العُماني المُسمَّاة « شقائق النعمان على سموط الجُمان في أسماء شعراء عُمان» هذه الموسوعة الرائدة المهمة في الثقافة العُمانية وتاريخ الشعر والشعراء العُمانيين، فقد خصَّنا - ونحن نكابد تتبع خُطى والده في إعداد مدونة شعراء عُمان - بمذكرة مخطوطة توضيحية ظلّت قيدَ الأدراج سنيناً، وفيها من الإيضاحات والبيانات والإفادات الطريفة لطريقة والده ومنهجه في تأليف تلك الموسوعة وما لقيه من متاعب ذلك التأليف في تلك المرحلة الفارقة من حياة الثقافة العُمانية أعني بها فترة سبعينيات القرن العشرين وما بعدها، كان لقائي بأبي معاذ في منزله بالغبرة في ليلة ربيعية من شهر مارس من عام 1999م مفعماً بالكشف وسبر أغوار ما بحوزته من تراثِ والده المخطوط وما بقي له من أعمال مخطوطة لم تر النور ولم يتيسّر نشرها إضافة إلى كمٍ كبيرٍ من لقَى ومخطوطات القصائد والدواوين والمجاميع والدفاتر والرسائل والمدونات التي اعتمد عليها في تأليفه لتلك الموسوعة وغيرها وهي تشكل في الأساس مكتبته المتوارثة مادتها من كلّ طريف وتالد كما يُقال.

كان المرحوم أبو معاذ كريماً كعادته في ذلك اللقاء بما أحاطني به من إحاطة معرفية وما أطلعني عليه من كنوز ثمينة تشكّل ذلك الإرث العلمي التليد وهو أمرٌ مكنني من إكمال المسيرة بتأليف مدونة شعراء عُمان في القرن العشرين التي أتمنى أن ترى النور.

عرفتُ الأستاذ مرشد الخصيبي أول ما عرفته في لقاءٍ خاطفٍ جمعني به عبر الأثير الفضائي بصحبة المرحوم الأستاذ أحمد بن سليمان الكندي وهما يَعْبُران الآفاق إلى القاهرة في رحلة جوية توقفت في مطار البحرين، فدعوتهما للنزول فيها كونها وجهتي ومكان دراستي، وكون الوقت كافياً لرؤية البحرين الصغيرة مساحةً الكبيرة حضارةً .. توطدت بعد ذلك اللقاء الحميمي علاقتي بأبي معاذ وتواصلت معه في أكثر من محفل فهو اسم معروفٌ في الثقافة العُمانية كونه شاعراً وأديباً مكثر الدواوين والمناظيم والأبحاث إضافة إلى كونه كاتب مقالات في الصحف والمجلات السيّارة والمحافل بأعمدة اجتماعية وصفحات لها قراؤها في ذلك الوقت من ثمانينيات القرن العشرين لعل أشهرها «المرهونيات»،العمود الاجتماعي الذي كان ينشره في مجلة «النهضة».

دُبّجَتْ عن أبي معاذ مقالات كثيرة فور وفاته المباغتة وترجم في أكثر من مقال وكتاب، وأحصي إنتاجه في أكثر من موضع منها مقال وجدناه في صحيفة الوطن بتاريخ 17 مارس 2013 م في احتفالية تأبينه أقامها له نادي سمائل بحضور سماحة المفتي حفظه الله وهذا المقال بقلم يعقوب بن محمد الرواحي نقتطف منه لدقة رصده وشمول إحاطته الفقرة الآتية، حيث أحصى إنتاجه الماثل في السرد المتصرف الآتي « الديوان: صدر1992م..» وكتاب «اليم الزاخر بمعرفة الأواخر: طبع1993م ..» ومجموع المناظرات: وهو مجموع شعري مطبوع عام 1414هـ/1993م تضمن مناظرات عديدة بين كل شيئين متضادين لإبراز محاسنها .. وكتاب «عُمان أيام زمان : وهو كتاب نثري طبع عام 1414هـ/1994م..» و«الملاذ لأراجيز أبي معاذ»: وهو كتاب شعري رجزي مطبوع عام 1414هـ/1994م ضمّ مجموعة من الأراجيز بما فيها أرجيز الرحلات والأرجوزة ( المرشدية) التي تبلغ أكثر أبياتها أكثر من 500 بيت رجزي .. وديوان بيت القصيد: طبع عام 1416هـ/1995م ( بمناسبة العيد الفضي لسلطنة عمان).. و«المرهونيات: وهو كتاب شعري رجزي في معظمه يناقش قضايا مجتمعية وقد طبع سنة 1416هـ/1995م». وكتاب «من قصائد عام التراث 93».. وملحمة « نسيم الأصايل في أهل ولاية سمائل» وهي ملحمةٌ شعرية ٌبلغت أبياتها (800) بيت طبعت عام 1418هـ/1998م ثم في عام 1421هـ/2000م .. وديوان (من رُبى الفيحاء):طبع عام 1422هـ/2001م.. وديوان (بيت الشعر): وطبع عام 1424هـ/2003م.. وديوان (كوكب الشعر): وطبع عام 1427هـ/2006م وطبع عام 2006م .. ديوان من وحي القريحة: وطبع عام 1427هـ/2006م..و كتاب الثلاثيات: وهو كتاب نثري طبع عام 1427هـ / 2006م حوى عدة أبواب مختلفة عن الرقم ثلاثة بما في ذلك باب عن العُمانيات.. وبحث حول منزلة ابن دريد بين اللغوين شارك به في الندوة التي أقامتها المديرية العامة للشباب بسلطنة عُمان خلال عام 1991م.

حصل أبو معاذ – كما جاء في هذا المقال على وسام السلطان قابوس للثقافة والعلوم والفنون من الدرجة الأولى عام 2001م .. كما منح شهادات تقدير ورسائل شكر بلغ عددها أكثر من ستين شهادة ورسالة ).. وفاز بالمركز الأول في المسابقة التي أقامتها شرطة عُمان السلطانية عام 1997م حول أسبوع المرور»..

وهو في جانبه الآخر مشاركٌ نشط في كافة المناشط الاجتماعية والثقافية ومنصَّات الالقاء، كيف لا وهو خليفة والده الأديب المربّي القاضي الفقيه الشاعر محمد بن راشد الخصيبي ( 1915- 1990)، وحفيد الاسم المعروف الذائع الصيت القاضي راشد بن عزيّز ( 1846- 1928) الذي لا تخفى مكانته لدى سدة الحكم المسقطية والعُمانية قاطبة فقد كان بمثابة وزير نافذ في عهد السلطان تيمور بن فيصل فإليه تحجُّ الناس وتُضرَبُ أكباد الإبل وبل ومهوى الأفئدة وكلّ طالب حاجة. وقد « تقلد الأوامر الشرعية في مدينة سمائل إبّان حكم السلطان فيصل، ثم عُيّن رئيسًا للمحكمة الشرعية بمسقط في عهد السلطان تيمور بن فيصل

كان من المقربين إلى سلاطين مسقط، وعرف بجودة خطه، إضافة إلى معرفته لعدد من اللغات، واشتهر بالكرم والدهاء « كما ورد في ترجمة بمعجم البابطين... أمّا عمّه رشيد بن راشد الخصيبي فهو أديبٌ وشاعرٌ عُرف بقصائده ، وجودة إلقائه ، بالإضافة إلى خطه وقد وجدت له مراسلات كثيرة مع المحرر الشيخ ناصر بن سالم بن سلطان المسكري ، أخيه الشيخ علي بن سالم المسكري وفيها من الإفاضة المعرفية والإجادة وحسن السبك ما يعجز عن وصفه البيان.

وقبل أن نفصِّل الحديث عمّا خصَّني به أبو معاذ في ذلك اللقاء لا بدَّ من التفاتة ولو مختصرة إلى تلك الموسوعة الهامة التي أُشبعت بحثاً وقراءة ونقداً من قبل باحثين كثر لعل أهمهم المرحومة فائزة اليعقوبي في كتابها (العلاقة بين النقد وتاريخ الأدب للخصيبي) والدكتور أحمد درويش في كتابه «مدخل إلى دراسة الأدب في عُمان» والدكتور سعيد العلوش في كتابه (أطروحة الثقافة الخليجية) وغيرهم.

وموسوعةُ «شقائق النعمان» تعدُّ في نظرنا فخر الكتابة التاريخية الشاملة والإحاطة الكافية بمنجز شعري لولاه لغابت فصوله وطوتها عربات الزمان، فلم تبق لنا تلك التراجم والنماذج والأخبار.

فهذه الموسوعةُ كما ذكرنا في كتابنا «الشعر العُماني في القرن العشرين» تكتسبُ أهميتها من خلال إرساء دعائم كتابة التاريخ الأدبي لمنطقة لم تستأثر بجهود رصينة في مجال كتابة تراثها الأدبي، ولم يحظ فيها الشعر- رغم ذيوع صيته – بما استأثرت به بعض فروع المعرفة الإنسانية من توثيق وتدوين وتمحيص وتحليل مع أن الشعر كان وما يزال أداة من أدوات تسجيل هذه العلوم. وكانت نتيجة ذلك أن ضاعت دواوين كثيرة، وبقيت أعداد قليلة منها مقارنة بما كان يعرف عن عددها الحقيقي وبالذات غير المحقق. وفي المقابل لم تظهر كتب من آثار القدماء، ولا حتى المحدثين تعنى بتاريخ الأدب في عُمان عدا هذه الكتب الثلاثة؛ وقد صدرت في ثلاثة أجزاء عام 1983م.

هدفَ الشيخُ محمد بن راشد الخصيبي من كتابه هذا كما يقول الدكتور سعيد العلوش في كتابه السابق ص 131 إلى «الجمع بين تاريخ الأدب والمنتخبات متضمناً شعر الشعراء على مدى أربعة عشر قرناً، ملاحقا الواقع الأدبي في عُمان عبر تقاطعاته الاجتماعية والتاريخية والثقافية وتداخلاته بسجلات الأعلام والأئمة والسلاطين والأعيان والأفاضل في شكل «بانوراما» تخضع لمقاييس المنتخبات الشعرية القديمة.

فالكتابُ يتكون من أرجوزة نظمها المؤلف نفسه وأسماها «سموط الجمان في أسماء شعراء عُمان» وتقع في ستة وستين وثلاثمائة بيت، ثم شرح الأرجوزة والتعليق عليها. وهو الشرح المُسمى بـ «شقائق النعمان» وهو للمؤلف أيضاً، ويقع في حدود ألف ومائة وثمانين صفحة من الحجم المتوسط.

وتظهر قيمة شقائق النعمان في الاعتماد على الرصيد الثقافي الممتزج بالمخزون الشعري للمؤلف، مما يجعل منه مجالا خصباً لبيان شخصية المؤلف المعلم أولا، ثم المؤلف الشاعر ثانياً، فالأولى تتضح من خلال عمل المؤلف معلما ًدفعته مهنته إلى تقديم هذا العمل التعليمي على غرار الدرس التقليدي في التعليم، حيث يجدُ الطالب كلِّ شيء من فقه إلى لغة إلى أدب في دفة كتـــاب واحد: أي أنه يجعل من العمل خليطاً متشابكا من العلوم والفنون والآداب معا. ويعتمد محمد الخصيبي في تأليفه لهذا الكتاب على عصاميته في التكوين وتلقائيته في البحث إضافة إلى عفويته في استخدام المنهجية الذوقية.

أمَّا ما يخصُّ المنهج، فالكتابُ يعتمد على تقسيم الشعراء إلى سبع طبقات أوردها في الجزء الثالث في صفحاته ( 396- 412) على النحو الآتي:

الطبقة الأولى: شعراء الملكة والشهرة، وهم الذين لهم الدواوين المطبوعة أو المخطوطة أو المجموعة أو مقطعات فقط.

الطبقة الثانية: شعراء الإجادة، وهم الذين لهم المجموعة من الشعر، أو بعض من القصائد أو المقطعات، ويقل فيهم من له ديوان.

الطبقة الثالثة: وهم الشعراء المجيدون من الأئمة والسلاطين والأمراء، والذين لهم الدواوين المطبوعة أو المخطوطة أو المقطعات.

الطبقة الرابعة: وتضم أشعر العلماء، وأعلم الشعراء، وهؤلاء شعرهم مدوّن مطبوع.

الطبقة الخامسة: وتضمُّ جهابذة العُلماء الذين لهم الأراجيز في الأديان والأحكام والمناظيم في السير والآداب. كما أنهم قرّضوا الشعر في أجوبة ومسائل، وفي فنون مختلفة مثل: الحكم والمواعظ والنصائح.

الطبقة السادسة: وتختص بشعر القضاة والفقهاء ممن قرضوا أجوبة ومسائل فقهية أو فنونا أخرى مختلفة في القرن الرابع عشر الهجري.

الطبقة السابعة: طبقة القضاة الموجودين في القرن الخامس عشر الهجري ممن عاصرهم المؤلف وقد تَوَزّع الشعراء على هذه الطبقات بحسب الجدول المرفق. لقد جاءت الموسوعة كما أشرنا نتيجة حتمية لخواص يمكن بيانها فيما يلي:

- إن مادته انبثقت من اتصالاته بعلماء وشعراء عصره، وهو ما أثبته تلميذه حمود المسكري في مقدمة الكتاب حين أشار: «بأن المؤلف تتلمذ على شيوخ عصره في سمائل،وهذا ما يؤكد لنا أن هؤلاء العلماء الشيوخ والفقهاء الشعراء يشكـّـلون جزءا أساسيًّا من ثقافة الخصيبي التقليدية شأنه شأن أقرانه المؤلفين.

- إن المؤلف –كما يرى الدكتور أحمد درويش-يحاول جمع المتناثر من الشعر العُماني معتمداً على المصدر المكتوب. وهذا المصدر غالبا ما يكون دفتراً أو مجموعا أو صحيفة وأكثر من ذلك يكون نقشا على سقف أو كتابة على جذع نخيل أو على حواف سواقي «الأفلاج» وأحيانا على الصخور في الجبال والكهوف.

- إن الخصيبي يعتمد أحياناً في مادته على عنصر الرواية الشفوية التي تتيحها له «برزات السبل» وحلقات المساجد، ودليلنا فيما نقول ما أشار إليه في كتابه «الزمرد الفائق في الأدب الرائق» وقد جاء الكتاب ممتزجا بعلوم الفقه والأدب والاجتماع. وهذه العلوم لا يجمعها جامع سوى أنها قيلت في مجلس واحد.

- إنّ شقائق النعمان يرسم صورة «بانورامية» للشعر من مختلف العصور، وهو شعر يتراوح بين معناه الفني الخالص ونظمه النثري الفاتر، الواجب تقديمه من منطلق قيمة كاتبه ومن طبيعة موضوعه التاريخي أو السياسي أو الديني .

أما مذكرة أبو معاذ التوضيحية لهذه الموسوعة ،فبجانب سرد حياته ووفاته يوم الثالث عشر من رمضان 1410 هـ الموافق للتاسع من أبريل من عام 1990 بالعاصمة مسقط وعمره يناهز خمسة وسبعين عاماً - تتوارد فيها معلومات استثنائية عن شخصيته ويمكن لنا أن نجملها في النقاط الآتية:

أولا : سبب التأليف: يشير أبومعاذ في سابقة غير معروفة الدوافع التي دفعت بأبيه اتخاذ هذه الخطوة العلمية فيقول :«إن والده قد صاغ قصيدة مختصرة للدخول بها إلى شيء من المسابقات التي أعلنت عنها آنذاك وزارة التراث القومي والثقافة ، وفي هذه القصيدة تنويه لبعض الشخصيات العمانية المعنية بالأدب ، ولما عرضها أشار عليه أحد المشايخ القضاة أن يتوسع في ذكر الشخصيات لتشمل أكبر عدد ممكن منهم لاسيّما أنه لا يوجد مرجع يحوي هذه الشخصيات مجتمعة ، وقد راقت هذه الفكرة له وأنشأ هذه القصيدة «سموط الجمان في أسماء شعراء عُمان» وهي قصيدة نونية بلغت أبياتها 366 بيتاَ ، وبعد أن اكتملت القصيدة عرضها على المشايخ الأدباء والمهتمون فاستحسنوها وأشادوا بها حيث لم يكن يوجد على غرارها قصيدة تجمع هذه الأسماء التي كاد بعضها أن يطويها النسيان خصوصا تلك الأسماء القديمة ؛ ولهذا كانت القصيدة ومن بعدها شرحها مثار الاعجاب والتقدير وخير دليل على ذلك التقاريظ الشعرية والكلمات النثرية التي توجتها كلمة سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي حيث مجدت هذا العمل الأدبي الذي قام به الوالد المرحوم»

كما أشير على الوالد القيام بعملية شرح هذه الأسماء الواردة في القصيدة والتعريف بها ويتناول كلَّ شخصية على حده بالترجمة النثرية؛ إذ إن القصيدة النظمية لا تستطيع أن تستوعب كل ذلك.. وأمام إلحاح المطالبين بعملية الشرح لم يجد الوالد بداً من تلبية طلبهم واعتبر ذلك واجبا وطنيا ، كما قام بشرح القصيدة وقامت وزارة التراث القومي والثقافة بطبعه في ثلاثة أجزاء تحوي ألفا ومائتي صفحة وذلك عام 1984 بعد أن فرغ من تأليفه في الرابع من ربيع الثاني من عام 1403م، وأعيد طبعه ثانية عام 1989 بعدما تزايد الاقبال عليه.

ثانيا شخصية والده: يرسم أبومعاذ في هذه المذكرة ملامح من شخصية والده فيصفه بأنه « متضلع في العلوم العربية والشرعية بحكم دراسته في المدارس « السلفية الدينية» وملازمة كبار رجالات العلم والدين الموجودين في زمانه كالإمام الخليلي والشيخين حمد بن عبيد السليمي وخلفان بن جميّل السيابي وحمدان بن خميّس اليوسفي ، عمل في مهنة التدريس بسمائل ثم واليا وقاضيا للإمام الخليلي على ( بدبد )،وقاضيا بالمحكمة العليا بمسقط لما يزيد من عشرين عاماً ، وكل تلك الوظائف اكسبته مرانا ومعرفة بكثير من المعارف والتجارب العلمية والعملية، ولذلك يلاحظ المتتبع لشقائق النعمان أنه يعنى فيه وفي غيره من التآليف التي لحقت به بالنواحي العربية بمختلف فروعها النحوية والصرفية والبلاغية ولا تعدم كتبه من المسحة الدينية ومناسبة ما يقتضيه الحال.. »

ثالثا: منهج والده في التأليف: تقدم إفادة أبو معاذ ملامح من منهج والده العلمي، فهو منهجٌ تقليدي صرف لا يتجاوز ذكر الشاعر ونسبه ومواقف من حياته ونماذج من قصائده يلخصه في النقاط الاتية :

- شمولية التأليف، فالشيخ محمد بن راشد « لم يقتصر في الشقائق عند شرحه لقصيدته على الجانب الأدبي فقط عند تعرضه لذكر هذا الشاعر أو ذاك وإنما تطرق إلى جوانب أخرى دينية والسير والتاريخ فخلد ذكر كثير من العلماء والأئمة والسلاطين والأعيان والأفاضل ممن لهم علاقة بالشعر أو كانت هناك مناسبة لذكر هذه الشخصية أو تلك « فالكتاب وإن لم كان أدبيا في أساسه لكنه لم يقتصر هذا الجانب فقط بل شمل غيره من الجوانب والعلوم الأخرى مما زاد من قيمته العلمية وأهميته بين الناس على مختلف طبقاتهم وتوجهاتهم ».

- تأثر أسلوبه في تأليف الشقائق وغيرها بطبيعة شخصيته الدينية والقضائية التي ذكرناها، فكان حذرا ومحايدا في نفس الوقت عند ذكر الأشخاص ونعتهم بالألقاب فهو لم يبالغ في وصف أيّ شخصية فأعطى كلَّ ذي حق حقه بعيداً عن المجاملات والمبالغات».

- جودة الانتقاء: ومحاولة الاستشهاد الاتيان بأحسن ما قاله الشاعر مؤثرا الحسن من شعره دون سواه».

- لم يفرد لنفسه ذكراً خاصاً في القصيدة رغم كونه أديب وشاعر، وإنما أشار إلى ذلك في معرض حديثه عن والده راشد بن عزيّز الخصيبي المُكنَّى بأبي رشيد، فوالده كان عالماً وأديباً وكريماً وعند تعرضه بالشرح لوالده ذكر من لهم علاقة بأبيه كأخيه رشيد وحفيده مرشد، ثم بعد ذلك أشار إلى نفسه دون تصريح ولا فلا فخر ولا اعتداد بالذات واستخدم عبارة «مؤلف الكتاب»

- حرص الشيخ محمد بن راشد في قصيدة «سموط الجمان» وشرحها أن يذكر أكبر عدد من الشعراء العُمانيين، وكان يتتبع الشعراء الواحد تلو الآخر قي مناطق السلطنة في ظل قلة وسائل الاتصال، وكان حريصا بالسؤال عن أولئك المغمورين أو القدماء الذين رحلوا عن الدنيا وتركوا إرثاً شعريا خالصاً، فكان يتتبعهم ويقصد أبناءهم وأحفادهم أو من له صلة بهم في بلدانهم ليأخذ شيئا عنهم ولو كان يسيرا في شكل بقايا ورقية،أو لقية من لقاهم وكان يعتذر للقراء إن لم يجد شيئاً ويستخدم عبارات « هذا ما وجدناه عنه».

رابعا: مؤلفات والده : يسرد أبو معاذ في هذه المذكرة مؤلفات والده المعروفة وغير المعروفة ويورد لها العناوين الآتية:

- فصل الخطاب في المسألة والجواب، وهو مجموع فتاوى شيخه العلامة خلفان بن جميل السيابي.

- والزمرّد الفائق في الأدب الرائق - وزارة التراث القومي والثقافة مسقط - عُمان 1988م.

- الوهب الفائض على يتيمة الفرائض - وزارة التراث القومي والثقافة - عُمان 1982.

- والبلبل الصداح والمنهل الطفاح تحقيق: د. علي محمد إسماعيل ود. إبراهيم الهدهد - مطبعة النهضة الحديثة - المنصورة (مصر) 2002م.

- اللؤلؤ والمرجان في الحكمة والبيان - (مخطوط) عن ابنه (مرشد بن محمد الخصيبي)..

- نور السعادة في الحاصل والزيادة وهو ملخص شرح كتاب الدعائم لابن النظر عن قطب الأئمة .

والحقيقة أن هذه المذكرة كبيرة الفائدة ولها قيمتها من حيث كونها نظرة من الداخل وشهادة معاصر شهد إنتاج والده ، وعاش في كنف شخصيته، وتربَّى على علمه، وتعلم على يديه ، فهي تقرّب ما بَعُد وتكشف عما غاب ،وقدرنا أن نورد ما بها نصّاً في هذه العجالة عن شخص غاب عن دنيانا .. شخصٌ شُهد له بطول باع علمه وإبداعه ويكفيه فخراً ما قاله عنه سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي: «لاريب أن الأديب الشيخ مرشد بن محمد الخصيبي كان رجلاً فَذّاً في اجتماعياته وفي مراعاته لإخوانه ووفائه لوطنه وإخوانه ومجتمعه، وفي متابعاته وقراءاته وحضوره الثقافي والشعري، وهو مستحقٌ كلَّ هذه الرعاية والتخليد لذكراه».