لا يكلف الله نفسا إلا وسعها
15 أغسطس 2025
15 أغسطس 2025
هدى بنت ناصر الزيدية -
يعتقد البعض أن الظروف الصعبة التي يوجد فيها الإنسان لن يستطيع تحملها أو تجاوزها، لكن الله تعالى أكد في كتابه العزيز بقوله: «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها»، بمعنى أن الله وضعك في هذه الحالة ليرى قدر صبرك وإيمانك به سبحانه، ولتعلم علم اليقين أنك إن اختبرك الله بشيء في دنياك، فأنت قادر على اجتيازه، فكل نفس تُبتلى، الله أعلم بأنها قادرة على تحمل تلك الشدة والبأس الذي ستعانيه.
عندما نصاب في أنفسنا وفي أقرب الناس إلينا، نتصور أن الحياة قد وصلت إلى خط النهاية، بعضنا يدخل في صراع نفسي يجلب له الهم والمرض، فيهمل مجريات حياته ويقصر في مسؤوليات ذريته وعمله وكل الأشياء التي كانت تحيط به قبل نزول البلاء، يصبح شخصا آخر بمواصفات أخرى جديدة، الآن يضع نفسه في مكان ذلك «الشخص المحطم نفسيا البائس معنويا»، ناقما على الظروف التي وضع فيها، متعبا من كل شيء في هذا الوجود.
البعض يظل شهورا طويلة لا يعي من الدنيا سوى أنها ذلك السواد الذي يكسو أفق أنوار الشوارع، يشتكي من قلب واجف معبئ بالوجع، ونفس مكسورة إلى شظايا صغيرة يصعب لملمة أجزائها لتعود مرة أخرى إلى الحياة، أما المستقبل فلا يجد فيه بصيصا لأمل يرتجى منه، لكن ما إن يمن الله عليه بالفسحة والهدوء النفسي حتى يكتشف «المفاجأة» وهي أن تلك الأشياء والخيالات المزعجة ما هي إلا مجرد «أوهام خادعة» أغرق نفسه في يمها، وأمسك بالجرم الذي صنعته الظروف، وترك نفسه ضحية لوساوس الشيطان ومد يديه إليه ليقوده نحو مكان سحيق وأرض جرداء لا حياة فيها ولا نور يبصر به الحياة، ولا ابتسامة عابرة تخفف عنه ما يملؤ به جوفه في تلك المرحلة الصعبة.
الله سبحانه وتعالى يعلم أنك قادر على تجاوز المحنة التي أتت إليك، لذلك ابتلاك بها، فالثواب لا يمنح جزافًا، وإنما البشرى تأتي للصابرين حيث يقول الله تعالى «وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»، هذه البشرى هي التي تكشف لك طرقات الحياة لتسعد الروح وتطمئن.
من المؤكد أن «موت الأب، أو الأم، أو الأخ، أو الأبناء»، أو أي شخص قريب أو عزيز علينا هي مرحلة صعبة ومؤثرة للغاية، نفكر كثيرا في كيفية تجاوزها، ولكن يجب علينا أن لا نلامس خطوط القنوط أو حبس النفس وخنقها بالعبرات، أو تحميل الذات الكثير من الآهات، بل بالاحتساب والصبر والدعاء بأن يغفر الله لهم، وأن يكشف عن قلوبنا الحزن والألم، كما أن علينا أن نتنبه نحن البشر بأن الحياة ستمضي بهم أو بدونهم، ومراكب الأيام تبحر في مياه الحياة «لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده لأجل مسمى»، هكذا هي حقيقة الواقع.
بعض الناس يمتد به الوجع لسنين طويلة خاصة فيما يتعلق بالفقد وخسارة الأرواح ولا يتشافى بسرعة كالبقية بل يظل متألما لوقت طويل، فالحزن حالة إنسانية لا نقاش فيها، ولكن الإنسان عليه أن يدرك بأن كل نفس ذائقة الموت، فالخلود ليس للمخلوقات لأنها من صنع الخالق سبحانه، فلكل أجل كتاب.
الشعور بالضيم والعذاب زائر لا نستطيع إغلاق أبواب قلوبنا عنه، ولكن يمكننا أن نتعلق بحبال النجاة وأن نوجد لأنفسنا طاقة تكفينا لعبور الواقع المرير الذي نعيش فيه، فالحياة لا تنتهي بموت الأحبة، بل تسير حتى تنتهي أعمارنا معهم، فـ«كل نفس ذائقة الموت»، والبيت الشعري يقول: «من لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد». إذن علينا أن نثق تماما بأن المصيبة وإن عظمت وتشعبت فإنها جاءت لتمتحن مدى إيماننا بالله، فالله تعالى أعلم بطاقتنا ومدى تحملنا، لا تعتقد بأن البعض يموت ناقصا عمره أو أنه لم يستطع تحمل المصيبة، لكن موته هو اللحظة الفارقة التي كتبها الله لنهاية حياة إنسان كان منذ قليل على وجه الأرض، وبعد لحظات سوف يكون في عداد الموتى تحت الثرى، الموت له أسباب ومسببات ووجوه كثيرة ولكن «لكل أجل كتاب».
في حياتنا العامة، نعتقد أن بعض الناس مجردون من المشاعر، قلوبهم صماء كالحجارة، لا يتأثرون أو يعترفون بضعفهم، ونتخيل بأن قلوبهم وعقولهم خاوية من المشكلات والصعوبات والنكبات، ولكن الله قد منحهم القدرة على مواجهة الواقع الأليم، والتأقلم مع الظروف التي تحيط بهم بسرعة متناهية، تجدهم أقوياء عند الشدائد لأن إيمانهم بالله أقوى من أي شيء آخر، يشدون على أيدي غيرهم وهم في أعماقهم بحاجة إلى النظر إليهم والشعور بما فيهم من تعب وحزن داخلي، لسانهم لا يكف عن قول «يدبر الأمر من السماء إلى الأرض»، فالحمد لله دائما على كل ما تأتي به الظروف وتمتحن من خلاله النفوس.
