بريد القراء

امنحوا اختراعي فرصة للحياة!

17 يوليو 2025
17 يوليو 2025

في زمنٍ يرفع راية الابتكار عاليًا ويتغنّى بدعمه، يصطدم كثيرٌ من المبتكرين بواقعٍ مُرّ؛ فبعد أن أرهقوا عقولهم وأعصابهم، وأنفقوا من أموالهم ووقتهم الكثير، ووقفوا أخيرًا على منصة الإنجاز ممسكين بوثيقة «براءة الاختراع» التي توثّق إبداعهم، يجدون أنفسهم في صحراء من التجاهل والإهمال، وكأن إنجازهم وُلد ليُنسى، لا ليُحتضن.

تبدأ رحلة المبتكر بشرارة شغف، وبفكرة تنبثق من حاجةٍ مُلحّة أو رؤيةٍ متقدّمة، تتشكّل عبر ليالٍ طويلة من التفكير والمحاولات، يتخلّلها الكثير من الأمل، ويُقابلها القليل من الدعم.

يمضي في مسار التوثيق القانوني، ويدفع الرسوم، ويُكابد الانتظار حتى تُعتمد فكرته رسميًّا كـ«اختراع مسجّل».

إنها لحظة فخرٍ وانتصار لا تُقدّر بثمن، لكن سرعان ما يتبدّد وهج الإنجاز حين يصطدم بالواقع: لا أحد يهتمّ بما بعد البراءة، وكأن الحكاية انتهت.

وأنا واحدة من أولئك الذين اختاروا طريق الابتكار رغم وعورته. فقد توصّلت -بفضل الله- إلى ابتكار سوارٍ طبيّ يُسهم في تعزيز الرعاية الصحية، وتمكّنت من تسجيله رسميًّا كبراءة اختراع، واجتهدت للحصول على حماية الفكرة دوليًّا. لحظة وثّقتُ فيها ثمرة سنوات من التفكير والأمل، لكن، ومنذ ذلك الحين، لم أجد يدًا تمتدّ لتُساند، ولا جهةً تؤمن بالفكرة وتسعى لترجمتها إلى واقعٍ ملموسٍ يخدم الناس لا دعم ماليّ، ولا حاضنة ترعى الحلم، وكأن جهد السنين مجرّد حكايةٍ عابرة لم تجد من يُصغي إليها.

في هذه اللحظة تبدأ جذوة الشغف بالانطفاء، ويتسلّل الاحتراق الداخلي ليأخذ مكان الحماس.. ليس احتراقًا جسديًّا يُشفى بالراحة، بل هو إنهاك نفسيّ ومعنويّ عميق، يُولّده شعورٌ قاسٍ بالتجاهل بعد بلوغ ذروة الإنجاز.

هو ذلك الألم الصامت الذي يشعر به المبتكر حين يُقابَل إبداعه بالتهميش بدل الاحتضان، وكأن النجاح لم يكن يومًا كافيًا ليستحقّ الاستمرار.

إذا كنّا حقًّا نريد بناء اقتصادٍ معرفيّ ومجتمعٍ يقوم على الابتكار، فلا بدّ من إعادة النظر فيما بعد براءة الاختراع، فهي المرحلة الأهمّ، حيث يجب أن يبدأ الدعم الحقيقي.. فالمستقبل لا يُبنى بالتصفيق وحده، بل بالتمويل، والاحتضان، وتحويل الأفكار إلى منتجاتٍ تُحدث فرقًا في حياة الناس.

ما نحتاج إليه اليوم هو منظومةٌ متكاملة تُعنى بتطوير وتسويق الاختراع، وتقديم الدعم النفسيّ والماليّ واللوجستيّ لصاحبه، حتى يرى ابتكاره النور ويُصبح واقعًا يخدم الوطن والإنسانية.

فالمبتكر ليس آلة إنتاج بل شعلة، إن لم تُغذَّ، انطفأت إلى الأبد..