بريد القراء

السياحة.. عندما تثري

17 يوليو 2025
17 يوليو 2025

تتسابق حكومات الدول وإداراتها في رسم وتخطيط وتنفيذ المشروعات للوصول إلى ما يُعرف بـ«التنمية السياحية المستدامة»، على اعتبار أنها جزء لا يتجزأ من الخطط التنموية سواء كانت «الاجتماعية أو العمرانية أو الاقتصادية أو الثقافية» أو غيرها.

وبحسب ما هو منشور وموثق في المصادر والمواقع الإلكترونية ومن أبرزها موقع «إيرسيست» الذي تطرّق إلى تعريف «السياحة المستدامة» وأكد أهمية تدارك جميع التأثيرات التي تؤثر على قطاع السياحة، خاصة تلك التي تظهر على الواجهة من الجانب السلبي، ومحاولة التقليل من تلك الآثار، ومنها: «هدر الأموال، وتلف البيئة الطبيعية، والازدحام على بعض المواقع وغيرها»، وتطرّق كذلك إلى أهمية تعظيم التأثيرات الإيجابية في قطاع السياحة مثل: «إيجاد فرص العمل من خلال هذا القطاع الحيوي، إضافة إلى الحفاظ على التراث والموروث الثقافي، وتأهيل الطبيعة واستعادة مكانتها ورونقها» بما يمكن الزائر من الاستمتاع بها.

وانطلاقًا من أهمية «السياحة» بشتى مقوماتها، التي بات من الضروريات الملحّة الاهتمام بها من خلال وضع استراتيجيات هادفة لتحقيق «تنمية سياحية مستدامة»، ومثلما يرى الكثير من المهتمين بهذا القطاع الحيوي أن «السياحة الحقيقية ليست مجرد رفاهية للزائر أو استثمارًا ماليًّا فحسب، بل أصبحت أداة حضارية تُسهم في تعزيز التفاهم بين الشعوب وتكشف عمق الحضارات التي كانت ولا تزال آثارها باقية حتى هذا اليوم».. وهذا يقودنا إلى أن الوعي التام بهذا القطاع لا يُنسينا أبدًا الحفاظ على التراث السياحي وتحويله إلى مصدر دخل دائم.

نحن على يقين تام بأن السياحة في أي مكان في العالم يمكنها أن تُثري ميزانية الدول وتُحقق عوائد مالية تُساعد في الناتج القومي، وهذا ما نراه واضحًا في وطننا الغالي والدول الأخرى، فالسياحة تعمل على جذب رؤوس الأموال الأجنبية من الخارج، وبالمقابل قامت الحكومة والقطاع الخاص بإنشاء وتطوير البنى الأساسية في المشروعات السياحية الاستراتيجية التي بدورها عملت على توفير مجموعة من فرص العمل للشباب العُماني.

إن قطاع السياحة أصبحت له أولوية خاصة من الاهتمام في سلطنة عُمان، فهناك جهود حثيثة تقوم بها الحكومة ممثلة في أجهزتها ووزاراتها المعنية بغية تحسين البنية الأساسية وإقامة المشروعات، وتوفير وتهيئة الخدمات العامة المختلفة في المواقع السياحية والطبيعية والتراثية لجذب الزوار سنويًّا، وهو حرفيًّا ما يحدث في محافظة ظفار ومسندم وغيرها من المحافظات الأخرى.

في بعض الأحيان، تكون السياحة عبئًا ثقيلًا على بعض الدول، وخاصة عندما يصبح هناك إهمال في هذا القطاع من الجهة المشرفة عليه، سواء من عدم التنبه لكثير من الأمور السياحية التي تؤدي إلى ضياع الهوية الثقافية، مثل: التخلي عن الطراز المعماري أو التمدن على حساب العادات والتقاليد العريقة، فالعِبرة ليست في إقامة المنشآت الضخمة بالطوب والإسمنت، ولكن رونق المكان وخصوصيته هو ما يدفع السائح إلى زيارته.

أيضًا من المؤثرات التي تُزعج السائح ونراها على أرض الواقع هو الارتفاع الجنوني للأسعار، خاصة «السكن»، وهو ما نراه لدينا خلال فترة الخريف في محافظة ظفار أو عند إقامة المهرجانات السياحية المختلفة، فرفع الأسعار نظير الخدمة لا يفرّق ما بين «السائح المحلي والسائح الأجنبي»، مما يزيد من الفجوة بين السكان المحليين والسياح الأجانب!

يدعو الكثير من المهتمين بالشأن السياحي على مستوى العالم إلى الاتجاه نحو تطوير السياحة المستدامة من أجل تحقيق أقصى قدر من الفوائد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، موضحين أنه لا بد من اتباع نهج متكامل يجمع بين التخطيط الواقعي والإمكانات المتاحة، أيضًا هناك ركن مهم في عملية البناء السياحي وهو تمكين المجتمع من الإسهام في العمران مع المحافظة على الموارد الطبيعية، وهذا يقودنا إلى القول: إن أهمية النظر في تحديد الإطار المجتمعي يجب أن تكون مشتركة ما بين المواطن والحكومة في اتخاذ القرار وتخطيط المشروعات السياحية من خلال اللجان والممثلين عن الحكومة والمواطن - وهو ما يحدث فعليًّا الآن -، وهذا بالطبع سيؤدي إلى دعم الاقتصاد الوطني ويوجد فرص عمل للمشاريع المتوسطة والصغيرة، وبالمقابل هذه الإسهامات السياحية ستدخل ضمن الخصوصية الوطنية مثل: «احترام العادات والتقاليد المحلية وتعزيزها، والمحافظة على البيئة الطبيعية، والحفاظ على الخصوصية الوطنية».

الأمر الآخر، لم تغفل «رؤية عُمان 2040» قطاع السياحة، بل جعلته همزة للوصول إلى مرحلة التكامل والبناء، وأكدت على أهمية السياحة في تحقيق أهداف الاستدامة البيئية والاجتماعية، ولذا تم إدراج العديد من المشروعات الاستثمارية التي تخدم الطبيعة العُمانية مثل: «الوديان والجبال والمواقع الأخرى» ضمن خطط التطوير التي تتبناها وزارة السياحة من أجل استغلال البيئة والاستفادة من قانون السياحة الجديد لدعم المبادرات المحلية.

وطالما وُجدت سياسة مستدامة في سلطنة عُمان، فإن هناك نماذج يجب التركيز عليها، ومنها «خريف ظفار» الذي يُعد نعمة عظيمة وثمينة من الخالق سبحانه وتعالى لسلطنة عُمان، ولذا نرى بأن هناك حركة بناء واستغلال لهذا الوقت من العام، وهو- في نظري- الاستغلال الأمثل والصحيح والذكي الذي يمكن القول: إنه «موسم سياحي استراتيجي» من الطراز الأول، ليس محليًّا ولكن عربيًّا وعالميًّا.

أيضًا هناك أماكن سياحية عديدة تنتشر في مناطق أخرى في سلطنة عُمان، أذكر منها - على سبيل المثال وليس الحصر- «مسفاة العبريين» بولاية الحمراء- التي كثر الحديث عنها إعلاميًّا؛ بعد أن أصبحت مؤهلة لتكون نموذجًا للسياحة المستدامة أكثر من غيرها من القرى والمدن الجبلية، بل هي بالفعل مستمرة في السير في هذا الاتجاه المتصاعد بخطى ثابتة، مما تنفرد به من مقومات سياحية فريدة.