No Image
بريد القراء

ألم بدون سابق إنذار!

02 مارس 2023
02 مارس 2023

يقول دكتور مصطفى محمود- رحمة الله "الموت لا يعني أحدًا، إنّما الحياة هي التي تعني الكلّ.. فنحن مصنوعون من الفناء، ولا نُدرك الأشياء إلا في لحظة فنائها.. وبالموت تكون الحياة، وتأخذ شكلها الذي نحسه ونحياه، لأن ما نحسه ونحياه هو المحصلة بين القوتين معا".

حينما يأتي موعد الألم دون إنذار، تسمع دقات قلبك وسط ضجيج الدمار، فيأتي شعور المعاناة لننتفض من الأعماق، فتصبح حينها الكلمة مخاض لفظها عسير، هكذا كانت المشاهد تبدو في صباحات تركيا وسوريا في السادس من فبراير الماضي حينما توقفت ساعة الزمن منذ ساعات الفجر الأولى.

حدث الزلزال في غضون ثوان معدودة، أحدث دمارا هائلا وخرابا سيظل في صفحة الأحياء خطوطا تدعو إلى الرعب والفزع عند قراءتها، وربما ستعرف الأجنة التي خرجت إلى الحياة من بطون أمهاتها التي فارقت الحياة بأن القدر يقول كلمته في بعض الأحداث الصعبة.

وما إن أشرقت الشمس بعد ذلك الفجر الدامي حتى تعالت أصوات الضحايا والمنكوبين، كل يبحث عن عائلته المحاصرة وسط مئات الأطنان من الركام، أصوات تدعو إلى الحياة وتخاف من كلمات الموت.

كانت لحظات سوداء، لكنها كانت كافية في إثارة الرعب بين سكان البلدين المنكوبين من الزلزال، وعلى وقع الكارثة بدأت عمليات الإنقاذ تشق طريقها نحو البحث عن الأرواح التي تحاصرها أطنان التلال المتراكمة من صخر وحجر وأسمنت وحديد، كان الأمل ينعقد في رؤية أشخاص ناجين يظهرون من عتمة سراديب المباني المهدمة.

لم يكتف الزلزال في فزع النائمين في خدورهم ومساكنهم، حتى توالت الهزات الارتدادية من جديد، فهتزت معها القلوب خوفا وهلعا وخشية من جحيم يأتي لاحقا ليطمس ملامح مدن وأماكن كانت حتى البارحة تنبض بالحياة وأصوات الحالمين في شوارع الحياة تطلق أصوات السعادة التي بدأت أحلامها تسري في عقولهم مع إشراقات العام الجديد.

لحظات صعبة، وأحداث حزينة وواقع أكثر مرارة، عبرت بها كل من "سوريا وتركيا"، أعمال الأنقاض والإسعاف عملت بجد لساعات طويلة بحثا عن أصوات تأتي من أسفل بنايات التي تساوت بتراب الأرض، سيتذكر الناجون من الموت في مدن كـ"غازي عنتاب، هاتاي، شانلي أورفا، حلب، حماة، اللاذقية وغيرها".. مشاعر لم يألفوها منذ قبل.. مناطق مرت بأوقات مروعة وشهدت مأساة في كل تفاصيلها، وكارثة إنسانية شعر بها كل من كان يقطن في تلك المدن من السكان الأصلين أوالغرباء الذين جاء بهم القدر ليعيش البعض ويتوارى البعض الآخر تحت التراب.

كم هو من الصعب أن تغفو في أمن وراحة وحولك أطفالك وعائلتك، ثم تصحو على كارثة تخبرك بأنهم أصبحوا في تعداد الموتى والآخرين مفقودين.. تذرف العيون ملايين الدموع، وتكتوي القلوب بحرقة على من توفاه الله في حادثة هذا الزلزال المدمر، وتترقب النفوس بالعثور على الأحياء.

هكذا تتابعت الأيام الصعبة التي لم تكن تخطر على أي عقل أحد، وأحداث لم تكن بالحسبان.. فليس هناك تنبؤ أو جهاز إنذار حقيقي يوضح أن ثمة كارثة طبيعية ستقع بعد قليل تنبه الغافلين بأنهم سيتعرضون إلى الموت بعد قليل، وإذا كان أحد المنجمون قد توقع ذلك الزلزال قبل ثلاثة أيام فهذا ليس معناه بأنه أمر علمي "كذب المنجمون ولو صدقوا".

كل تلك الأحداث حصلت بغتةً وخلّفت وراءها دمار وخوف وحزن وألم ومعاناة..ستبقى تفاصيلها محفورة في أذهان كل من كان حاضرا في تلك المناطق المنكوبة، ولن تقتصر ذكرى هذه المأساة على من عاشوها فقط، إذ أنها ستكون حاضرة في ذاكرة كل إنسان شارك الشعبين "التركي والسوي"مشاعر الحزن والألم، فالأكف التي ارتفعت إلى السماء والأفواه التي ضجت بالدعاء في هذا المصاب الجلل، لا تمثل الشعبين فحسب إنما ألم أمة عربية وإسلامية وكافة أقطار العالم.

مع مرور الوقت بدأت جسور الإغاثة تمتد نحو المنكوبين، فأرسلت سلطنة عمان وغيرها من دول العالم الكثير من المساعدات الدولية إضافة إلى بعض فرق الإنقاذ للوقوف جنبا إلى جنب مع تركيا وسوريا.

انقضت ساعات وأيام، وعمليات البحث عن المفقودين تزداد في كل شبر يتوقع أن يكون فيه أشخاص ينتظرون رؤية الحياة على أيديهم، ولكن مع نزيف الوقت وشدة البرد وصعوبة الوصول إلى العالقين تحت الركام زادت أعداد الضحايا وارتفع معدل المفقودين من الأشخاص والعائلات وبدأ الأمل يذهب أدراج الرياح وتوقفت الأمنيات وتوقفت الصرخات من تحت الركام.. فقد مات الجميع.

أن زلزال تركيا وسوريا المدمر ليس مجرد حادثة عادية وإنما هي حالة وأوضاع استثنائية سيخرج منها العالم بدروس وعبر تؤكد على أن الشدائد هي من تقرب قلوب البشر، لأنها لم تكن يوما صخرا ولا حجرا، وقد توحد الصفوف وتتضامن الشعوب مع بعضها البعض، فالأموات لن يعودوا إلى ديارهم المهدمة أو أطفالهم اليتامى.. ومن العبر المهمة أيضا هي أن الأحوال تتبدل في غمضة عين، فالله تعالى يمنح البعض القوة ليظلوا صامدين أمام حفر الموتى، ولعل الطفلة " آية" أصبحت حديث الناس بعد أن ولدت تحت الأنقاض فصدق الله تعالى " يخرج الحيّ من الميت ويخرج الميت من الحيّ".