قرية «الخزف» المصرية .. الطين ينقلها إلى العالمية
القاهرة، الأناضول: «مدرسة الفخار»، لافتة تشد انتباه زوارها في قرية «تونس»، بمحافظة الفيوم، وسط مصر، بعد أن نالت المدرسة شهرة عالمية.
تحتضن المدرسة الكثير من الأيدي الناعمة التي تلتف برقة وخفة حول عجينة طين تهذبها وتشكلها، على شكل أوانٍ وهدايا فخارية وخزفية تنطق بالجمال.
سر جمال المدرسة (غير الحكومية)، مبناها المعماري المميز من الطوب ذات الدور الواحد على الطراز الأوروبي، وبداخله معرضان لمنتجات الفخار والخزف وغرف لصناعتهما، وكانت سببا أن تشهد القرية التي تحتضنها مهرجانا دوليا سنويا للفخار والأعمال الخزفية.
ويُعرف الفخار بأنه أي شئ صُنع من الطين قبل حرقه في النار بعد تجفيفه، أما الخزف فهو طلاء أو تغطية منتج الفخار «الطين المحروق» بطبقة رقيقة من مادة زجاجية تسمى «الجليز»، ثم يتم حرقه مرة ثانية حتى ينضج «الجليز» وينصهر، ويلتصق بالجسم الفخاري فتغلق المسام ويصير لامعا، ويكتسب بريقا وجمالا.
صباح مصطفى (19 عاما)، إحدى طالبات المدرسة وصناع الفخار والخزف، تحكي للأناضول قصة ميلاد ذلك الجمال في قريتها تونس، عبر إنشاء مدرسة للفخار والخزف، ساهمت في انتشار ورش صغيرة تبدع في صناعة تجعل الطين ينطق بجمالٍ يفوق الوصف.
بطلة تلك القصة التشكيلية السويسرية إيفلين بوريه» (74 عاما) التي جاءت برفقة زوجها السابق الشاعر المصري سيد حجاب (1940-2017)، في ستينات القرن الماضي وأعجبت بطبيعة قرية تونس الملئية بالأشجار والمناظر النيلية الجمالية، واستقرت بها.
اختلط فنها التشكيلي، بجمال القرية، وأسست «إيفلين بوريه»، مدرسة للفخار منذ نحو 30 عاما، وبدأت في تعليم أبناء القرية فنون الفخار، حتي تخرجت دفعات عديدة، وصار للقرية وللمدرسة سمعة عالمية، وخريجون يفتتحون ورشا على نهجها.
الفتاة المصرية صباح مصطفي التي تقارب العشرين عاما تظهر داخل المدرسة على إحدى الماكينات البدائية لتعليم فن الفخار والخزف.
ورغم سنواتها القليلة في مدرسة الفخار، إلا أنها تكاد تكون خبيرة بالصناعة، تتحدث بطلاقة عن تفاصيلها، قائلة: إن الطين الذي يشكل أساس المهنة يُؤتي به من أسوان (جنوب) بجانب مادتي البوركليه والكاولين اللتين تستخدمان في أمور عدة بينها تقوية الطين وإبراز جماله.
6 خطوات تتحدث عنها صباح، لانطلاق جمال منتجات الفخار والخزف من ذلك الطين الأصم، أولها خلطه في أحواض مياه لمدة 15 يوما، عقب شرائه في أجولة جاهزة. الخطوة الثانية، تصفية الطين من أي شوائب أو رواسب أو حصوات ثم تُترك العجينة الطينية لتجف في الشمس في مدة لا تزيد عن شهرين حسب المناخ صيفا أو شتاء.
فضلا عن عجنها ببعضها البعض جيدا كي تخرج منها فقاعات الهواء، كي لا تسبب في انفجار القطعة الفخارية خلال الحرق وتفُسد ما حولها.
أما الخطوة الثالثة فتأتي عقب تفريغ الطين من الهواء، وهي تشكيل الطين إلى أشكال مختلفة منها أطباق أو أوانٍ أو أكواب، عبر ماكينة بدائية مخصصة لذلك، مع ترك العجينة المشكلة لتجف قليلا بعد تنسيقها وحذف الزوائد فيها.
وعن الخطوة الرابعة تقول صباح: إنها تُبطن الفخار بمادة البوركليه فوق الطين مباشرة لتكون وسيطا بين الطين والكاولين.
وتشير إلى أنها إذا وضعت الكاولين الأبيض بشكل مباشر على الطين سيؤدي إلى تقشير الرسومات من عليها بسرعة، ويكون المنتج سيئا ويفسد بسرعة. تتلو خطوة التطبين أخرى خامسة هي «الرسم»: حيث ترسم الفتاة أشكالا مستوحاة من الطبيعة على الفخار مثل الأشجار أو الحيوانات، وتلون الرسم بالأزرق أو الأخضر، وتضع طبقة «الجليز» وهو عبارة عن زجاج مطحون يُعطي لمعانا للفخار.
وفي المرحلة السادسة والأخيرة يتم رص الفخار في الفرن (فرن مبني من الطوب الأحمر يعمل بالسولار أو الكهرباء)، ويستوعب ما يقرب من 80 إلى 100 قطعة، على درجة حرارة تتراوح بين 1140 إلى 1200 درجة، ويتم وضع عينة من الفخار على سطح الفرن كي يتأكدوا من دقة الألوان.
ووفق صباح يستغرق الفرن ما يقرب من 7 إلى 8 ساعات لحرق الفخار، وبعد ذلك يتم تبريد الفرن لمدة 3 ساعات، عقب إطفائه، ويترك الفخار بداخله حتى يبرد ثم يتم عرضه في بالمعرض.
وعن المنتجات التي يتم تصنيعها من الفخار وفق صباح فهي الأكواب والأطباق بالأحجام والأعماق المختلفة للطعام والزينة، والزهريات الجمالية، وعلب لحفظ الأطعمة بأشكال دائرية ومربعة، وبلاط صغيرة لتزيين الحوائط.
وتقول صباح مصطفي عن أذواق المشترين: «هناك سياح أجانب ومصريون يعشقون الفخار ويستخدمونه في حياتهم اليومية، الطعام والشراب والزينة، لأنه صحي جدا في طهو الطعام، فلا يُسرب مواد سامة مثل الألومنيوم والأنواع الأخرى، فضلا عن استخدامه كديكور جميل».
أما عن أسعار الفخار فتختلف حسب الحجم، فيبدأ من 60 جنيها (أقل من 4 دولارات) حتى 800 جنيه (نحو 45 دولارا)، وفق صباح، مشيرة إلى أنه أحيانا يتم تصدير تلك القطع الخزفية إلى الخارج.
وعن الأجر الذي تحصل عليه، أوضحت صباح أنها تحصُل على نسبة 40% من سعر القطعة، موضحة أن الدخل الشهري لصناع الفخار يتراوح بين 2000 (نحو 112 دولارا) إلى 7 آلاف جنيه (394 دولارا).
وتشير إلى أن الفخار جذب السياحة إلى الفيوم من خلال المهرجانات التي تأتي إليها الأفواج السياحية من جميع أنحاء العالم، للاستمتاع بمشاهدة تصنيع الفخار، والتمتع بجمال الطبيعة في القرية، والمغامرة في رحلات السفاري.
ونصحت «صباح» كافة شباب القرى بمصر بالتفكير في الخطوة، فمدرسة الفخار كانت فكرة، ونقلت قرية فقيرة إلى العالمية وقضت على معدلات البحث عن عمل فيها، بدلا من انتظار التعيين في وظيفة حكومية، لافتة إلى أن «الفخار» مُربح جدا.
وتونس تعرض مُنتجاتها من الفخار في معارض ببلجيكا وفرنسا وسويسرا، وهي معارض ثابتة تطلب منهم كميات كبرى من الفخار دائما حتى اكتسب فخار تونس شهرة عالمية.
ومنذ فترة قريبة بدأت السعودية في استيراد كميات كبيرة من الفخار أيضا، وفق صباح.
