الإصابات الرياضية في الملاعب .. واقع مؤرق يبحث عن حلول!
تُعد الرياضة جزءًا أساسيًا من حياة الإنسان؛ فهي تعزّز الصحة، وتبني الجسد، وتغرس روح التحدي والانضباط. ولكن، وكما أن لها فوائد عظيمة، فإنها لا تخلو من المخاطر؛ فالإصابات الرياضية أصبحت شائعة بين الممارسين من جميع الأعمار، وتؤثر في الأداء، بل وقد تُنهي مسيرة بعض الرياضيين. "عمان" أجرت استطلاعًا مع خليل بن خلفان البوسعيدي، رئيس قسم العلاج الطبيعي بدائرة الطب وعلوم الرياضة في وزارة الثقافة والرياضة والشباب، وعدد من المدربين في مختلف الرياضات حول أسباب الإصابات الرياضية وأنواعها، وكيفية الوقاية منها، وأثرها على اللاعبين نفسيًا وجسديًا، فهل يمكن للرياضي أن يتجنب الإصابة، ودور التوعية والتأهيل في تقليل آثارها.
حيث قال خليل البوسعيدي: عٌرّف مفهوم الإصابات أنه حدوث خلل في عضو أو نسيج بجسم الإنسان، نتيجة لعوامل خارجية مثل سقوط جسم أو كدمة، أو نتيجة عوامل داخلية مثل تمزق عضلي أو أربطة.
وأضاف: لو تطرقنا إلى الأسباب الرئيسية للإصابات الرياضية التي تصيب الرياضيين، لوجدنا أن هناك كثيرًا من العوامل الداخلية مثل ضعف اللياقة البدنية، وضعف العضلات، وضعف المرونة، وعدم الإحماء الجيد، وضعف التوافق العضلي العصبي، والإجهاد وعدم الاستشفاء، والعامل النفسي، والتغذية غير المناسبة؛ وهنا ربما يكون الرياضي سببًا لحدوثها. كما أن هناك عوامل خارجية مثل البيئة الخارجية (جاهزية الرياضي للتأقلم مع الجو الخارجي مثل الرطوبة والحرارة)، وفن تفادي التدخلات أثناء الاحتكاك مع الخصم في الرياضات الجماعية، وغيرها من الأمثلة.
وتكمن خطورة تكرار الإصابة في نفس العضو في ضعف الأنسجة والعضلات المحيطة، وكذلك قلة ثقة الرياضي في العضو المصاب، مما يؤدي إلى تأخر عودته لممارسة الرياضة، وزيادة تكلفة العلاج. وفي بعض الأحيان، قد تؤدي الإصابة إلى تطور الضغوط النفسية على الرياضي.
وتابع حديثه: في حالة تعرض اللاعب لإصابة ما، تكون هناك عدة خطوات من قبل الكادر الطبي مع إشراك اللاعب ضمن هذه الخطة، بداية من تشخيص الإصابة، ثم شرحها مع تحديد برنامج علاجي زمني يخضع لإشراف الكادر الطبي. وهنا نود أن نوضح أن البرنامج العلاجي يتكوّن من إعداد اللاعب نفسيًا وذهنيًا، بالإضافة إلى العلاج الفيزيائي والبدني.
كما أن هناك علاقة طردية بين فترة خضوع اللاعب للعلاج وفترة العودة لممارسة الرياضة. فمثلًا، في حالة تعرضه لإصابة عضلية وتقرر خضوعه للعلاج لفترة أسبوع، فمن الممكن أن يعود لممارسة الرياضة بعد أيام من انتهاء فترة العلاج. وكذلك فإن فترة غيابه عن الأداء الرياضي تُفقده المهارة والإحساس والتوافق، لذا لا بد من خضوع اللاعب بعد فترة العلاج إلى تدريبات خاصة لاكتساب هذه المهارات مجددًا، مما يطيل فترة الغياب.
وأشار البوسعيدي إلى أن إعداد برنامج تأهيلي بعد التعافي يعتمد على نوعية الرياضة التي يمارسها اللاعب، وكذلك طبيعة الواجبات والمهام الموكلة إليه. فمثلًا، لاعب كرة القدم في مركز الدفاع يحتاج إلى برنامج تأهيلي يختلف عن لاعب خط المنتصف، وذلك بحسب طبيعة الأدوار. وعادةً ما يكون البرنامج العلاجي متشابهًا، بينما يختلف البرنامج التأهيلي في المراحل المتقدمة.
وأكد أن حياة اللاعب المحترف تمر بتحديات، ومن ضمنها تحدي التعامل مع الإصابات الرياضية. ولدينا أمثلة كثيرة، مثل لاعب كرة القدم البرازيلي رونالدو الذي مرّ بإصابات متتالية في الركبة وواجه صعوبات كبيرة في العودة لمستواه الفني، وانتهى به الأمر إلى الاعتزال المبكر. مبينًا أن الإصابة في عالم الرياضة الاحترافية ليست مجرد عارض مؤقت، بل قد تكون نقطة تحول في مسيرة اللاعب؛ إما نحو التعافي والعودة القوية، أو نحو التراجع وربما الاعتزال.
كما شدد على أن الوقاية خير من العلاج، وذكر مجموعة من النصائح للوقاية من الإصابات، مثل:
المحافظة على اللياقة البدنية، تقوية العضلات، استخدام الأدوات المناسبة مثل الحذاء والملابس الرياضية، تطوير المرونة والتوافق العضلي والعصبي عبر تمارين مخصصة، الإحماء الجيد قبل التمرين، التهدئة بعده، برنامج استشفائي مناسب بعد الإجهاد، التغذية السليمة، والجاهزية النفسية قبل ممارسة الرياضة.
سوء الملاعب
من جانبه، أكد المدرب حمود الدلهمي، مدرب منتخب ألعاب القوى، أن سوء أرضيات الملاعب وانتهاء عمرها الافتراضي قد يكونان من أسباب الإصابات. وقد تكون هذه الأرضيات من النوع الرديء، وتؤثر كثيرًا على عضلات اللاعبين، مما يساعد على حدوث الإصابات أو آلام شبه مزمنة.
ونصح اللاعب بالاهتمام بنفسه، وتجنب السهر بأي طريقة؛ لأن السهر قاتل للاعب، كما شدد على أهمية تناول السوائل التي تساعد العضلات على الأداء الجيد أثناء التدريب، وضرورة ارتداء الأحذية المناسبة والمطابقة لمواصفات الرياضة؛ لأن لكل رياضة حذاءً خاصًا يساعد في تجنب الإصابات الناتجة عن سوء الحذاء أو جودته الضعيفة.
وأضاف: يجب تجنب التدريب في الأماكن غير المهيأة. وكل وحدة تدريبية بحاجة إلى إحماء خاص يتناسب معها. ومن الضروري الإحماء لفترة بسيطة مع الإطالات الثابتة والمتحركة. وإذا أهمل اللاعب الإحماء، فإنه يعرّض نفسه للإصابة. ويجب أن يتناسب الإحماء مع شدة التدريب.
برامج الوقاية محدودة
أما المدرب محمد القمشوعي، مدرب نادي البشائر للكرة الطائرة، فقال: إن برامج الوقاية لا تزال محدودة أو غائبة في معظم أندية ومنتخبات الكرة الطائرة، مما يؤكد الحاجة لتطبيق برامج وقائية مستدامة تضمن بيئة صحية وآمنة.
وأكد أن عودة اللاعب قبل التعافي الكامل تُعرّضه لخطر تفاقم الإصابة وتراجع الأداء والثقة. لذا لا بد من الالتزام بخطة تعافٍ تحت إشراف طبي دقيق. وأضاف: ضغط المشاركات دون إعداد كافٍ يؤدي إلى الإجهاد، والإصابات، وتراجع المستوى الذهني والبدني، مما يتطلب تخطيطًا متوازنًا بين الراحة والمنافسة.
وأشار إلى أن الأندية تفتقر إلى طواقم طبية متخصصة، ما يؤثر سلبًا على جاهزية اللاعبين وسلامتهم. فالطاقم الطبي عنصر أساسي في الوقاية والتأهيل والتنسيق مع الجهازين الفني والإداري.
ضرورة التخصص الطبي الرياضي
وأوضح محمد هوبيس، مدرب منتخب الهوكي، أن الاعتماد على المعالج غير المؤهل غالبًا ما يكون لأسباب غير علمية، مثل توفره بشكل أسرع، أو انخفاض تكلفته، أو الاعتقاد الخاطئ بأنه يفي بالغرض. لكن الحقيقة أن الطبيب الرياضي المؤهل يتمتع بخلفية طبية شاملة تشمل التشخيص الدقيق، وصف الأدوية، وتحديد خطط علاجية متكاملة. بينما يقتصر دور المعالج العادي غالبًا على تنفيذ جزء من الخطة العلاجية، دون القدرة على التشخيص أو التدخل الدوائي أو الجراحي.
وأشار إلى أن الدراسات الحديثة في الطب الرياضي توضح أن وجود طبيب رياضي مؤهل يقلل من مدة التعافي، ويقلل من خطر الانتكاسات والإصابات المزمنة بنسبة تصل إلى 40% مقارنة بالاعتماد على العلاج الطبيعي فقط.
وأضاف: لا توجد ميزانية واضحة ومفصولة لإعادة التأهيل، بل يتم إدراجها ضمن ميزانية الطب الرياضي العامة، مما يؤدي إلى ضعف الخدمات وتأخير العودة الآمنة للاعبين المصابين.
وأكد أن اللاعب المصاب يحتاج إلى خطة تأهيل فردية متكاملة تشمل التقييم الطبي، والتصوير، والعلاج الطبيعي، والعلاج النفسي الحركي. وهذا لا يمكن تنفيذه بفعالية دون تمويل واضح ومستقل.
كما أشار إلى أن وجود عيادة طبية متخصصة داخل الأندية أو الاتحادات هو ضرورة، وليس رفاهية. فالرياضة الاحترافية اليوم تعتمد على منظومة طبية متكاملة تشمل الطبيب الرياضي، أخصائي التأهيل، أخصائي العلاج الطبيعي، أخصائي التغذية الرياضية، وأخصائي النفس الرياضي.
وختم بالقول: الفرق العالمية مثل برشلونة، وليفربول، وألمانيا تمتلك عيادات متكاملة ساهمت في تقليص زمن التعافي وتجنب الإصابات المتكررة. وهذه التجربة أثبتت نجاحها في تحسين الجاهزية البدنية والذهنية للاعبين. والطبيب الرياضي هو الوحيد المخوّل بتشخيص نوع الإصابة بدقة، ودمج العلاج الدوائي مع التأهيلي، في حين أن الاعتماد فقط على المعالج الطبيعي قد يؤدي إلى إغفال مشاكل عضوية أو داخلية لا تُكتشف إلا من خلال الطبيب المختص.
كما أن وجود عيادة طبية داخل النادي أو الاتحاد يوفر بيئة استباقية تتيح التدخل المبكر، وتُقلل معدلات الإصابات بنسبة تزيد عن 30%، حسب دراسات مركز FIFA Medical Center of Excellence.
