لماذا تبدي المؤسسات المالية ثقة متزايدة في الوضع المالي؟
- مكتسبات ترسي الثقة وتشجع الاستثمار
- التوجه نحو الشفافية والحوكمة يعزز قوة الوضع المالي والاقتصادي في سلطنة عمان
- زخم المشروعات الجديدة وفتح روافد وقطاعات واعدة للنمو يعززان النظرة المستقبلية لاقتصاد سلطنة عمان
- استراتيجيات التنويع والشراكة مع القطاع الخاص وتوسعة دوره في النمو الاقتصادي ركائز أساسية للوصول لزيادة الروافد المالية غير النفطية
- الإفصاحات الرسمية.. مصدر متجدد وموثوق لحصول المستثمرين والمؤسسات ووسائل الإعلام العالمية على كافة ما يتعلق بتطورات الوضع المالي
تأتي أهمية التقرير الذي صدر مؤخرا عن وكالة (موديز) للتصنيف الائتماني كونه لم يقتصر فقط على رصد تقدم مؤشرات الوضع المالي في سلطنة عمان لكن الأهم ما تضمنه التقرير من لمحات مهمة حول نجاح وفعالية التوجهات الاستراتيجية والأسس التي تمضي وفقا لجهود الاستدامة المالية في ظل الرؤية المستقبلية «عمان 2040»، والتأكيد على الالتزام والجدية التي أبدتها سلطنة عمان في جهود تحسين وضعها المالي ودفعه نحو الاستقرار، كما تكشف خلاصة مضمون التقرير أن التوجهات العامة لسلطنة عمان ينصب تركيزها على تحقيق مكتسبات طويلة المدى للوضع المالي والاقتصادي منها الكفاءة وحوكمة السياسات المالية وهي مكتسبات تصب في صالح تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، ولعل أحد أهم الإنجازات التي تحققت في هذا الصدد على مدار العامين الأخيرين، الشفافية الكبيرة حول البيانات المالية وإحصائيات النمو والاستثمار الأجنبي، التي أتاحت تحول الإفصاحات المالية الرسمية إلى مصدر متجدد وموثوق للمستثمرين والمؤسسات ووسائل الإعلام العالمية للحصول على كافة ما يتعلق بالوضع المالي وإدارة الالتزامات وتطورات حجم الدين ومسار سداد القروض وإدارة المحفظة الإقراضية وكذلك معدلات النمو المتحقق، ويحمل هذا الجانب أهمية قصوى فيما يتعلق بإرساء الثقة في تقدم الوضع المالي والاقتصادي لسلطنة عمان، سواء لدى المواطن أو المستثمرين وكافة المؤسسات العالمية المعنية بالاستثمار وهو إحدى ركائز نجاح التغيرات الهيكلية المهمة التي تشهدها سلطنة عمان في الاقتصاد وبيئة الأعمال، وقد أصبح في متناول الجميع حاليا مؤشرات وإفصاحات رسمية حديثة ودورية حول مختلف التطورات المالية في سلطنة عمان وفي الوقت نفسه يتواصل دعم هذه الصورة الإيجابية عبر مختلف جهود تشجيع الاستثمار ورفع تنافسية بيئة الأعمال بهدف جذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية للقطاعات والأنشطة الاقتصادية المستهدفة ضمن الخطة الخمسية العاشرة.
وكان لكافة هذه التوجهات انعكاساتها الواضحة في التقارير الدولية التي تصدر تباعا حول سلطنة عمان، وتتضمن المستجدات الإيجابية التي غيرت من معايير وأساسيات التقييم للمركز المالي ولآفاق نمو اقتصاد، يستعد لفك الارتباط مع النفط، ومن أهم المستجدات نجاح الإصلاح المالي وارتفاع هوامش الحماية ضد تقلبات النفط وزخم المشروعات الجديدة وفتح روافد وقطاعات واعدة للنمو، من أهمها الهيدروجين الأخضر وغيره من القطاعات الاقتصادية.
ومع التزام كبير بالضبط المالي وتعزيز النمو ومجالات التنويع الاقتصادي، قطعت سلطنة عمان شوطا جيدا من الطريق نحو تنويع الاقتصاد وتعدد مصادر الإيرادات العامة، وكانت هذه المرحلة الأصعب نظرا لأنها ترسي مرتكزات التغيير حيث تبنت الخطة الخمسية مسارا مزدوجا لتحقيق الاستغلال الأفضل لإيرادات النفط الإضافية مع السعي الحثيث لتعزيز الروافد التي ترفع مساهمة الإيرادات غير النفطية.
وفي جانب الإيرادات النفطية، وجهت سلطنة عمان العائدات الإضافية نحو جوانب اجتماعية ونحو خفض حجم الدين والسداد المبكر لبعض القروض واستبدال قروض أخرى مرتفعة الكلفة، كما عززت الاحتياطيات المستقبلية للقروض بشكل متزايد من خلال بند مخصص في الميزانية العامة ومن المستهدف رفع هذا المخصص إلى 400 مليون ريال عماني بنهاية العام الجاري، وتم بالفعل رفد هذا البند في ميزانية 2023 بنحو 100 مليون ريال عماني خلال الربع الأول من العام الجاري، وتمضي في الوقت نفسه جهود رفع كفاءة الإنفاق الحكومي عبر سياسات وخطط عديدة من أهمها تطبيق ميزانية البرامج والأداء وإعداد سجل للأصول الحكومية وغيرها من الخطط ذات العلاقة بالضبط المالي على المدى الطويل.
وفيما يتعلق بزيادة الإيرادات غير النفطية تعد استراتيجيات التنويع والشراكة مع القطاع الخاص وتوسعة دوره في النمو الاقتصادي ركائز أساسية للوصول الفعلي لزيادة وتعدد الروافد المالية غير النفطية، وتبلغ إيرادات النفط في الميزانية المعتمدة هذا العام نحو 5 مليارات و320 وهو ما يعادل نحو 53 بالمائة من إجمالي الإيرادات العامة، وتصل إيرادات الغاز إلى نسبة 14 بالمائة من إجمالي الإيرادات العامة، أما الإيرادات الجارية فتصل إلى نحو 3 مليارات و280 مليون ريال عُماني، ومن المتوقع تحصيل 590 مليون ريال عماني من هذه الإيرادات من ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية، أما مصادر الإيرادات غير النفطية التي تعول عليها سياسات تنويع العائدات العامة، ويتم العمل على رفعها بشكل ملموس لتحقيق أهداف التنويع فهي أرباح الاستثمارات الحكومية وضرائب الشركات ورسوم الخدمات، وخلال العام الجاري تصل تقديرات حجم إيرادات ضريبة الدخل (على أرباح الشركات والمؤسسات) نحو 560 مليون ريال عُماني، وإيرادات الحكومة من توريد توزيعات أرباح جهاز الاستثمار العُماني نحو 800 مليون ريال عُماني، إضافة إلى إيرادات رسوم الخدمات الحكومية المقدرة بنحو مليار و330 مليون ريال عُماني، ويعد المستهدف الاستراتيجي هو تحقيق زيادة مطردة في حجم هذه الإيرادات على المدى المتوسط والطويل ضمن مستهدفات الرؤية المستقبلية التي تضع الاستدامة المالية كأحد الممكنات الأساسية لنجاح تحقيق طموحات الرؤية.
وقد رصدت تقارير وكالات التصنيف الائتماني وغيرها من التقارير الدولية حول التطورات المالية والاقتصادية في سلطنة عمان خلال الفترة الأخيرة العديد من مواطن القوة التي أصبحت تتسم بها توجهات التنويع المالي والاقتصادي، والتي مثلت نقطة تحول من هشاشة تسببها تقلبات النفط إلى مسار واضح نحو الاستدامة تحدده استراتيجيات وخطط النمو والضبط المالي والقدرة على خفض المديونية العامة والوفاء بالالتزامات، وتشير توقعات وكالات التصنيف لسلطنة عُمان إلى أن التصنيف قد يرتفع خلال الفترة القادمة مع استمرار إجراءات ضبط الأوضاع المالية وارتفاع النمو واحتواء مخاطر الدين.
وقد تجاوز التراجع الفعلي للدين المستهدف على مدار العام الماضي وانخفض بنسبة تزيد عن 15 بالمائة من إجمالي الدين العام خلال عام 2022، وهبط من 68 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 إلى 40 بالمائة في عام 2023، ونتيجة التقدم الملموس في المؤشرات المالية والاقتصادية تحولت النظرة المستقبلية لسلطنة عمان إلى إيجابية ويعزز هذه النظرة نجاح الخطة الخمسية في الالتزام بإطار مالي محدد والمحافظة على ضبط الإنفاق العام ورفع كفاءته، وتعكس هذه النظرة الإيجابية حقيقة أن ما يحدث من تطورات إيجابية لم يكن مجرد ارتفاع لأسعار النفط يصاحبه فائض مالي يتيح تمويل الميزانية أو سداد الدين العام، فبشكل أساسي يرتبط التصنيف بجودة الوضع المالي الذي يعني وجود مصادر مالية مستقرة للإنفاق الحكومي وغيره من الالتزامات المالية والسعي الجاد نحو تحقيق ذلك، وحتى في ظل ارتفاع أسعار النفط تظل المخاطر محيطة بالوضع المالي إذا كان حجم الالتزامات كبيرا مقارنة مع الإيرادات نظرا لأن تذبذبات وتقلبات أسعار النفط تظل واردة مع ما يرتبط بهذه التقلبات من تراجع في الإيرادات، وبالتالي يصبح مهما للغاية ارتباط التحسن في الوضع المالي باستراتيجيات واضحة ونهج الحكومة نحو تبني كافة الخطط والاستراتيجيات التي تضمن الوصول للاستدامة المالية والاقتصادية، الأمر الذي يحد بشكل كبير من المخاطر ويقلل تأثير حدة الصدمات المستقبلية.
