الاقتصادية

صندوق تحوّل الطاقة .. شراكة نوعية تقود الاقتصاد نحو مستقبل مستدام

14 يوليو 2025
14 يوليو 2025

مع اتساع آفاق التحول الأخضر عالميا، تخطو سلطنة عُمان خطوات جريئة لتكون في طليعة دول المنطقة في تبنّي الطاقة المستدامة. ويأتي إطلاق صناديق استثمارية نوعية ليترجم رؤية واضحة تهدف إلى استثمار موارد الطبيعة والتكنولوجيا معا، وتوفير فرص اقتصادية مبتكرة تواكب تطلعات المستقبل.

في هذا الاستطلاع، نستكشف كيف تسهم مبادرة إطلاق صندوق التحول في الطاقة الذي أطلقه جهاز الاستثمار العماني في بناء منظومة طاقة نظيفة وصناعة محلية واعدة ليمثل محطة فارقة في مسيرة بناء اقتصاد مستدام؟

الكفاءات المحلية والخبرات الدولية

قال راشد بن سلطان الهاشمي، مدير أول استثمارات صندوق عُمان المستقبل: جاء تأسيس صندوق التحول في الطاقة بالشراكة مع شركة تمبل ووتر الصينية، التي تُعد من أبرز الصناديق الاستثمارية العالمية المتخصصة في مجال تحوّل الطاقة. ويولي الصندوق اهتمامًا خاصًا بالاستثمار في القطاعات النوعية التي تستثمر بكفاءة في الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة التي تتميز بها سلطنة عُمان، إلى جانب بناء نماذج تنموية جديدة متفردة بتجربتها.

وأضاف الهاشمي: "نتطلع من خلال هذا الصندوق المشترك إلى إحداث أثر مناخي ملموس يتوافق مع مستهدفات رؤية عُمان 2040، حيث يسعى الصندوق إلى التركيز على التقنيات الحديثة في استثمار مشاريع الطاقة البديلة، بما في ذلك تقنيات التخزين وصناعة البطاريات وتقنيات إنتاج الهيدروجين الأخضر وتوليد الطاقة النظيفة من الشمس والرياح، إضافة إلى تعزيز حلول التنقل الذكي".

وأوضح الهاشمي أن الصناعات التي يتضمنها الصندوق بأنها موطَّنة منذ اليوم الأول لتنفيذها، حيث يتم دعمها عبر استقطاب شركات صغيرة ومتوسطة من خارج السلطنة، بما يهيئ فرصًا واسعة لتبادل الخبرات بين الكفاءات المحلية والخبرات الدولية، ويسهم في تنويع قاعدة المزودين ورفع كفاءة المشاريع الوطنية في مجال التحول نحو الطاقة المستدامة.

مسرّع لأعمال التحول

وأشار المهندس عبدالعزيز بن سعيد الشيذاني، المدير العام لشركة هيدروجين عُمان، إلى أن الصندوق يُعد أول صندوق داعم لمرتكزات استراتيجية التحول في الطاقة في سلطنة عُمان، موضحًا أن تأسيسه يمثّل نقلة نوعية على صعيد الشراكات الفاعلة مع شركات رائدة في هذا المجال، بما يوفّر أدوات عملية ومؤثرة لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية وتحقيق مستهدفاتها.

وأضاف الشيذاني: «نحرص في شركة هيدروجين عُمان على تعزيز المحتوى المحلي من خلال استقطاب صناعات وطنية قادرة على إحداث قيمة مضافة للاقتصاد العُماني. ومع إطلاق هذا الصندوق المشترك الذي يجمع بين الخبرات العالمية والمعرفة المحلية، يتشكل لدينا نموذج متكامل يشكّل نقطة التقاء للجهود الفاعلة ويكون بمثابة مسرّع حقيقي لأعمال التحول في الطاقة. كما سيسهم الصندوق في ترجمة المبادرات والأفكار الطموحة إلى مشاريع ملموسة على أرض الواقع، بما يعزز مكانة السلطنة كمركز إقليمي للطاقة النظيفة والمستدامة».

منظومة متكاملة

وقال يوفينج وان، الشريك في شركة تمبل ووتر والمسؤول عن استراتيجية التحول في مجال الطاقة: «نرى في سلطنة عُمان فرصًا كبيرة للاستفادة من مواردها الطبيعية الوفيرة في مجال الطاقة المتجددة، سواءً من خلال الطاقة الشمسية الغنية أو مصادر طاقة الرياح الواعدة. وتكمن أهمية هذه الشراكة في أنها تتيح نقل سلسلة القيمة من مرحلة استخراج الموارد إلى مرحلة التصنيع، وهو ما يُميز التحول من الطاقة التقليدية إلى الطاقة الكهربائية. فعند تطوير الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لا بد من إنتاج الألواح الشمسية، وإنشاء مزارع الرياح، وتوفير كابلات نقل الكهرباء ومعدات إنتاج الهيدروجين. لذا، نخطط لاستغلال هذه الموارد المتجددة على نطاق واسع لتلبية احتياجات الصناعات الثقيلة، وتمكين التحول إلى المركبات الكهربائية. ومن خلال هذه الشراكة، سنعمل على استقطاب أحدث التقنيات وتوطين تصنيع المكونات الأساسية لسلسلة الإمداد، بما يعزز التنوع الاقتصادي ويدعم تطلعات عُمان نحو مستقبل مستدام».

وأضاف: «فيما يخص الابتكارات الرئيسية التي سنركز على نقلها وتوطينها، فإننا نرى فرصًا واعدة في سلسلة قيمة البطاريات، باعتبارها عنصرا محوريا في مشاريع تخزين الطاقة، التي تزداد أهميتها مع توسع استخدام مصادر الطاقة المتجددة. كما يتميز هذا القطاع بمرونة التأسيس والتصنيع، وخاصة في مجال المواد الأساسية للبطاريات. إلى جانب ذلك، يأتي قطاع الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء ضمن أولوياتنا، حيث تتمتع السلطنة بطموحات كبيرة لتصبح مركزًا إقليميًا لإنتاج الهيدروجين، الأمر الذي سيوجد طلبًا متزايدًا على معدات إنتاجه ونقله، وهي مجالات تمتلك الصين ودول آسيوية أخرى خبرات واسعة فيها. كذلك، نرى فرصًا مهمة في مجال صناعة السيارات الكهربائية، التي شهدت نموًا متسارعًا ونضجًا في الصين خلال العقد الماضي، بينما بدأت في الظهور في دول مجلس التعاون الخليجي، ما يتيح فرصة لتوطين هذه الصناعة في عُمان وتوسيع نطاقها لتلبية احتياجات السوق الإقليمية والعالمية».

وعن دور شبكة تمبل ووتر العالمية في دعم رواد الأعمال والشركات الناشئة العمانية، أوضح يوفينج وان أن الأفكار المبتكرة تحتاج إلى منظومة متكاملة ومجتمع حيوي للابتكار كي تنجح وتتحول إلى مشروعات قابلة للتنفيذ. ومن خلال استقطاب حلول متقدمة وتقنيات تصنيع حديثة من مختلف أنحاء العالم إلى عُمان، ستسهم في بناء بيئة حاضنة للابتكار وسلاسل توريد قوية تساند الشركات الناشئة في جميع مراحل نموها.

وتابع: «التقينا بعدد من الشركات المحلية التي تنظر إلى سلطنة عمان كسوق واعدة لتطوير وتطبيق أفكارها. وندرك أن هذه المبادرة ستوفر لهم منظومة متكاملة تجمع بين الخبرة والدعم التقني والفرص التجارية، بما يمكنهم من تحويل أفكارهم إلى مشاريع ناجحة على أرض الواقع».

ويمثل إنشاء صندوق تحول الطاقة امتدادًا لمبادرات صندوق عُمان المستقبل الذي انطلق مطلع 2024 برأسمال 5.2 مليار دولار أمريكي، خصص 90% منه للمؤسسات الكبرى و10% لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بما يعكس التزام جهاز الاستثمار العُماني بتعزيز التنويع الاقتصادي وزيادة القيمة المحلية المضافة ودفع التحول الرقمي.

كما يهدف الصندوق إلى بناء شراكات فاعلة بين القطاعين العام والخاص، وتوفير برامج تدريبية وبناء القدرات الوطنية، إضافة إلى دعم البحث والتطوير ونقل المعرفة وأفضل الممارسات العالمية لضمان تحقيق عوائد مستدامة اقتصاديًا وبيئيًا.

ويأتي هذا التوجه في ظل تزايد الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة التغير المناخي، فيما تسعى سلطنة عمان لتكون مركزًا رائدًا لإنتاج وتصدير الوقود الأخضر وتحقيق الحياد الصفري بحلول 2050.