الاقتصادية

سلطنة عمان تسعى إلى نقلة نوعية في مكانتها التنافسية العالمية

19 أكتوبر 2022
تحسين مستمر في الأداء الحكومي وإجراءات الاستثمار
19 أكتوبر 2022

بعد توقف عامين، يحظى التقرير القادم للتنافسية العالمية بأهمية كبيرة وسيعكس كثيرا من المتغيرات بسبب الجائحة والتضخم وتغير المناخ والتوترات العالمية

شهدت السنوات الماضية إصدار قوانين وتشريعات وتنفيذ مبادرات تستهدف تحسين بيئة الأعمال وتسهيل التقاضي وحماية المستثمرين

القدرة على التماسك في توقيت تعصف فيه عديد من الأزمات بالعالم تبرز مرونة وقدرة الاقتصاد على تخطي التحديات

أحد الدروس المستفادة من الأزمات السابقة أن الحفاظ على النمو يتطلب عملا دؤوبا وجهدا متواصلا نحو التنويع الاقتصادي

ينطبق المثل على التنافسية فما من دولة تحافظ عليها دون مواصلة الجهد في ظل تنافس دولي على الاستثمارات وسعي الجميع لمواكبة المتغيرات

البعد البيئي عامل مهم في التنافسية، وحققت سلطنة عمان تقدما في إنجاز أهداف التنمية المستدامة والتوجه نحو الطاقة المتجددة

بعد توقف لمدة عامين، يستعد المنتدى الاقتصادي العالمي خلال الفترة المقبلة لإصدار أول تقرير للتنافسية العالمية بعد الجائحة، وشاركت سلطنة عمان هذا العام في المسح الخاص بتقرير التنافسية العالمية، والذي يستند إلى بيانات ومعلومات يتم جمعها من منظمات عالمية ومراكز بحثية معروفة كصندوق النقد الدولي، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية، ومنظمة الشفافية الدولية، وغيرها من المنظمات الأخرى، وتشكل البيانات والمعلومات التي يتم جمعها من هذه المنظمات 70 بالمائة من وزن مؤشر التنافسية العالمية، فيما يتم استيفاء 30 بالمائة من المعلومات عبر استبيان خاص ينفذه المكتب الوطني للتنافسية للرؤساء التنفيذيين في عدد من الشركات في سلطنة عُمان ويقدم هذا الاستبيان نظرة تتخطى الإحصائيات وتمتد لتشمل مرئيات أصحاب المصالح والخبرات في الواقع الاقتصادي.

ويعد تقرير التنافسية العالمي من أهم المراجع التي يتابعها الخبراء والمحللون لرصد تقدم التنمية والنمو في كافة الدول، كما يعتبر التقرير بمثابة خارطة طريق تحدد للدول التوجهات الموصى باتباعها للحفاظ على الاستدامة والنمو الاقتصادي من خلال ما يتضمنه التقرير من مؤشرات تدعم النمو المستدام والتنمية البشرية في ظل الثورة التقنية.

وترصد كثير من الإحصائيات والدراسات وجود علاقة مباشرة بين المركز التنافسي للدول وبين قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية، ومن المتوقع أن يحظى التقرير الذي سيصدر لاحقا بأهمية كبيرة إذ سيعكس الكثير من المتغيرات الكبرى التي يشهدها العالم في ظل أزمات متلاحقة بدءا من تفشي الجائحة وصعود التضخم ووصولا للتغيرات المناخية التي أصبحت واقعا ملموسا والتوترات السياسية بتأثيراتها الضخمة على مختلف دول العالم فضلا عن التطورات المرتبطة بالتقدم التكنولوجي والثورة الصناعية الرابعة.

وضمن طموحات الرؤية المستقبلية عمان 2040، تسعى سلطنة عمان إلى تحقيق نقلة كبيرة في مكانتها التنافسية عالميا، حيث تستهدف الرؤية المستقبلية تحسين تصنيف سلطنة عمان في عدة مؤشرات عالمية لتصبح ضمن أفضل 20 دولة بالعالم في مؤشر الابتكار العالمي ومؤشر التنافسية العالمي ومؤشر الأداء البيئي وضمن أفضل 10 دول بالعالم في مؤشرات الحوكمة.

ولتحويل هذا الطموح إلى واقع، تسعى الحكومة إلى تحسين متواصل لكفاءة الجهاز الإداري للدولة وتعزيز التحول الإلكتروني، وشهدت السنوات القليلة الماضية اتخاذ العديد من الإجراءات والمبادرات وإصدار حزمة من القوانين والتشريعات التي تستهدف جميعا تحسين بيئة الأعمال وزيادة جاذبيتها وتسهيل كافة إجراءات بدء الأعمال والتقاضي وحماية المستثمرين، كما واكبت التوجهات في سلطنة عمان ما يشهده العالم من متغيرات مهمة منذ تفشي الجائحة خاصة ضرورة تحلي السياسات الاجتماعية والاقتصادية بقدر عال من المرونة وقد أصبحت هذه المرونة في مواجهة المتغيرات المحلية والعالمية أحد المحددات المهمة التي تدخل في تقييم القدرة التنافسية للدول، كما يتخذ البعد البيئي أهمية متزايدة أيضا في تقييم تنافسية الدول، وفي هذا الجانب حققت سلطنة عمان تقدما ملموسا بالفعل في إنجاز أهداف التنمية المستدامة وتتوجه بقوة أيضا نحو مشروعات الطاقة المتجددة، وفي إطار الاهتمام السامي لجلالة السلطان المعظم- أبقاه الله- بتحسين الأداء البيئي وتخفيف آثار التغير المناخي، تم اعتماد عام 2050 موعدًا لتحقيق الحياد الصفري الكربوني، وإعداد خطة وطنية للوصول إلى ذلك الهدف، وكذلك إنشاء مركز عُمان للاستدامة، ليتولى الإشراف ومتابعة خطط وبرامج الحياد الصفري الكربوني.

وفي الجانب الاقتصادي وسياق النمو، أنجزت سلطنة عمان خطوات ملموسة في توجهها نحو تعزيز التنويع ونجحت في إعادة الاقتصاد للتعافي رغم الأزمة المزدوجة الناجمة عن تراجع النفط قبل سنوات ثم تفشي الجائحة، وتخطت في سبيل ذلك العديد من التحديات، واتجهت إلى توسع مستمر في شبكة الحماية الاجتماعية لتقليص تبعات المتغيرات العالمية وسياسات الإصلاح المالي على الشرائح المستحقة للدعم الاجتماعي، كما تمكنت من إبقاء معدلات التضخم عند مستويات مقبولة في وقت سجلت فيه هذه المعدلات زيادة قياسية في عديد من دول العالم، ولا شك أن هذه القدرة على التماسك الاقتصادي في توقيت تعصف فيه عديد من الأزمات بالعالم هو أمر يبرز مرونة وقدرة اقتصاد سلطنة عمان على تخطي الأزمات.

من جانب آخر، لا يمكن تناول ملف التنافسية دون أن يأتي ذكر سوق العمل، وفي ظل سوق عمل تشكلت سماته وفقا للاقتصاد المعتمد على النفط خلال العقود الماضية، أصبح سوق العمل يعاني من عديد من المشكلات الهيكلية وكان ذلك من مواطن الضعف في تحسين القدرة التنافسية، وتعطي سلطنة عمان أولوية قصوى لملف تشغيل المواطنين وتعزيز النمو الاقتصادي بهدف توفير الوظائف المجدية من خلال المشروعات والاستثمارات الجديدة من قبل القطاع الخاص كشريك في التنمية ومحرك رئيسي للنمو الاقتصادي.

وقد أعلنت سلطنة عمان مؤخرا عن قرب إصدار قانون جديد للعمل ويستهدف القانون، الذي تم الانتهاء منه من قبل الحكومة وستستكمل الإجراءات التشريعية اللازمة لإصداره قريبا، المساهمة في تشجيع الاستثمار وتحقيق التوازن بين مصالح العمال وأصحاب العمل من خلال توفير ضمانات كافية للطرفين وبما ينعكس على زيادة الإنتاج وتشجيع الباحثين عن العمل للالتحاق بالقطاع الخاص.

ومع الاهتمام الكبير بتعزيز المكانة التنافسية لسلطنة عمان وما تسهم فيه من انعكاسات إيجابية على القطاع الخاص، شاركت غرفة تجارة وصناعة عمان بمبادرة مهمة في هذا الجهد من خلال طرح دراسة اقتصادية متخصصة لرفع تنافسية السلطنة إقليميا ودوليا في مجال سهولة ممارسة الأعمال وجذب الاستثمار وتوضيح التحديات التي تواجه بيئة الأعمال والاستثمار في سلطنة عمان وإيجاد الحلول العلمية لها.

وتسهم مثل هذه الدراسات في تعزيز خطط الحكومة الرامية إلى جذب الاستثمارات وتسهيل بيئة الأعمال والإسهام بفاعلية في تسريع سياسات التنويع الاقتصادي التي تهدف سلطنة عمان إلى تحقيقها من خلال تطوير الإجراءات بما يتماشى مع المستجدات والمتغيرات المتسارعة في الاقتصاد الوطني والعالمي وأهمية إضفاء المرونة على ممارسة الأعمال.

ووفق آخر التقارير التي صدرت دوليا ولها علاقة بكافة أبعاد المكانة التنافسية، ففي آخر تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي قبل الجائحة، جاءت سلطنة عمان في المرتبة الـ 53 عالميا ضمن 141 دولة في تقرير عام 2019، حيث عززت صدارتها عالميا في مؤشري الخلو من وقوع الإرهاب، والنسبة المئوية للتغير السنوي في مؤشر أسعار المستهلك (التضخم)، إضافة إلى تحقيقها مراكز متقدمة عالميا في عدد من المؤشرات.

وتحسن ترتيب سلطنة عمان في مؤشرات تقرير سهولة ممارسة الأعمال 2020، الصادر عن البنك الدولي، وتقدمت بمقدار عشرة مراكز في ظل استمرار التطورات التشريعية والتنفيذية من قبل مختلف الجهات المعنية.

واحتلت سلطنة عمان المركز الثالث عربيا وفي دول مجلس التعاون في عدد من المؤشرات أبرزها موثوقية خدمات الشرطة، وكفاءة خدمات الموانئ، وكفاءة الإطار القانوني في الطعن في القرارات الحكومية، وحسب المجلس الإحصائي لدول مجلس التعاون، تصدرت سلطنة عمان العديد من المؤشرات الإقليمية والدولية حيث حصلت على المركز الأول عالميا في مؤشر سرعة مناولة سفن الحاويات حسب مؤشر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (اليونكتاد) لعام 2020‏م، كما جاءت سلطنة عمان ضمن الدول العشر الأولى في ركيزة التعليم وفقا لنتائج مؤشر الابتكار العالمي 2022 الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية "الويبو"، وبينما تفاوت أدائها هذا العام في مؤشرات الحوكمة العالمية، حافظت سلطنة عُمان على ترتيبها ضمن أفضل 40 بالمائة من الدول المصنفة في التقرير، وتتناول مؤشرات الحوكمة العالمية أدوات إصلاح السياسات من خلال ملاحظة أداء الحكومة، والمجتمع المدني والقطاع الخاص.

وبينما أثرت بعض العوامل خلال السنوات الماضية على المركز التنافسي لسلطنة عمان فمن المؤمل أن جملة الجهود الحالية ستسهم تدريجيا في تحسن ملموس خاصة وأن أحد الدروس المستفادة من الأزمات السابقة هو أن الحفاظ على النمو الاقتصادي يتطلب عملا دؤوبا، وينطبق المثل على ملف التنافسية فما من دولة يمكنها الحفاظ على تنافسيتها أو رفعها دون مواصلة العمل على ذلك في ظل تنافس دولي على عديد من الأصعدة بين مختلف الدول خاصة في جذب الاستثمارات وفي مواكبة ما يشهده العالم من متغيرات متلاحقة وسريعة.

ويذكر أن إصدار تقرير التنافسية العالمي بدأ عام 1979 وكانت 141 دولة ضمن آخر تقرير في عام 2019، وفي ظل الأزمة الحادة التي اجتاحت العالم في عام الجائحة، ونظرا لنقص المعلومات وعجز العديد من الدول عن إجراء المسوحات السنوية للتقرير، صدر تقرير 2020 بنسخة خاصة دون تصنيف للدول، في حين لم يصدر التقرير الثاني والأربعين لعام 2021 لتعذر جمع البيانات من قِبل الدول في الفترة المقررة لتزامنها مع إغلاقات الكثير من الأنشطة في مختلف أنحاء العالم.

ويتكون المؤشر الرئيسي في تقرير التنافسية العالمية من 4 محاور تندرج تحتها 12 ركيزة تنبثق منها 103 مؤشرات فرعية، ويتم احتساب النتيجة الإجمالية لمؤشر التنافسية العالمي من خلال المتوسط البسيط للركائز الـ12، وبالتالي فإنَّ الوزن الضمني لكل ركيزة هو 8.3 بالمائة، وهناك ضوابط تؤخذ بعين الاعتبار عند وضع هذه المؤشرات؛ وهي الموضوعية والخصوصية والمنهجية والرصانة، وفي تقرير التنافسية العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2019 تم تصنيف سلطنة عمان في المركز 53 من أصل 141 دولة حول العالم. وأضاف أن مؤشر الابتكار العالمي الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية يُصنف سلطنة عمان في المرتبة 84 من أصل 131 دولة، ومؤشر الأداء البيئي يضع سلطنة عمان في الترتيب 110 من أصل 180 دولة، أما مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية فيضع السلطنة في المركز 56 من أصل 198 دولة.

وحول تأثير جائحة كورونا في بناء المؤشرات والتقارير الدولية، قال آل الشيخ: إنها تتمثل في ظهور عدد من التحديات في جمع البيانات وتفاوت مسارات التعافي وإعادة التفكير في أسس النمو والتنمية. كما أسهمت الجائحة في تغيير مكونات التقارير ففي مؤشر التقدم الاجتماعي حققت الدول تقدما أعلى وكانت أكثر مرونة تجاه التأثير الاجتماعي، وفي تقرير التنافسية العالمي أوضح التماسك الاجتماعي والمرونة الاقتصادية والتحول الرقمي كمجالات تركيز رئيسية.

وقال إن الجائحة أظهرت أهمية تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والمرونة من خلال إعادة التفكير في عوامل مثل الإدماج وتبني تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة والاستدامة، وقياس التماسك الاجتماعي من خلال ضمان حصول كل فرد على وسائل تأمين الاحتياجات الأساسية وفرص التقدم والنمو والحماية والحقوق القانونية والكرامة والثقة الاجتماعية، وقياس الاستدامة البيئية من خلال تغير المناخ والتنوع البيولوجي والموارد المائية وجودة الهواء والاقتصاد الدائري وموارد المحيطات.