خبير اقتصادي: الاقتصاد يشهد انقساما وليس تراجعا للعولمة
لندن "د ب ا": يقول الخبير الاقتصادي البريطاني نيل شيرينج إن هناك اتفاقا واسع النطاق بين الاقتصاديين والمعلقين على أن العالم بلغ ذروة العولمة، لكن هناك قليل من الإجماع بشأن ما سوف يحدث بعد ذلك. مشيرا بأن هناك رأي يقول إننا سندخل فترة " تفكيك العولمة"، والتي فيها تنخفض أحجام التجارة العالمية وتنحسر تدفقات رأس المال عبر الحدود. كما أن إحدى النتائج البديلة والأكثر ترجيحا هي أن الاقتصاد سوف يبدأ في التفتت إلى كتل متنافسة.
ويقول شيرينج في تقرير نشره معهد تشاتام هاوس والمعروف رسمياً باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية إنه سوف ينجم عن ذلك المزيد من الظروف الاقتصادية الكلية والسوقية المتقلبة والتي سوف تمثل تحديا شديدا لبعض الدول والشركات العاملة في قطاعات معرضة للخطر. لكن هذه العملية لا تنطوي على أي انكماش كبير في التدفقات الدولية للسلع، والخدمات، ورأس المال، أو على أي تراجع واسع النطاق لمكاسب العولمة الأخرى.
وهذه الفترة الأحدث من العولمة كان يدعمها إعتقاد بأن التكامل الاقتصادي سيؤدي إلى أن تصبح الصين ودول الكتلة الشرقية السابقة ما وصفه رئيس البنك الدولي السابق روبرت زوليك بـ" الجهات المعنية المسؤولة" داخل النظام العالمي.
ويضيف شيرينج، وهو زميل مشارك ببرنامج الاقتصاد والمال العالمي بمعهد تشاتام هاوس أن ما حدث رغم ذلك، هو أن الصين ظهرت كمنافس استراتيجي للولايات المتحدة. وهذا التنافس الاستراتيجي يرغم الآخرين بالفعل على اختيار أحد الطرفين مع انقسام العالم إلى كتلتين: كتلة تتوافق أساسا مع الولايات المتحدة وأخرى تتوافق تماما مع الصين.
ويضيف شيرينج أن اختيارات السياسات داخل هاتين الكتلتين سوف تشكلها بصورة متزايدة الاعتبارات الجيوسياسية. وهذه العملية يمكن اعتبارها" انقساما عالميا". فبينما كانت فترة العولمة تقودها الحكومات والشركات العاملة في انسجام تام، تقود الحكومات وحدها عملية الانقسام.
وعلى هذا الأساس، فإن " تفكيك العولمة" ليس أمرا حتميا بأي حال من الأحوال. وهناك قليل من الأسباب الجيوسياسية الملحة وراء ضرورة أن تتوقف الولايات المتحدة عن استيراد السلع الاستهلاكية من الصين. وإذا أدرنا عقارب الساعة إلى الأمام عشر سنوات، من المحتمل أن نجد الغرب ما يزال يشتري اللعب والأثاث من الصين. وما سيحدث هو أن التقسيم بين الكتلتين سوف يتم على طول خطوط الصدع المهمة من الناحية الجيوسياسية.
وفي بعض المجالات سوف يكون هذا التقسيم عميقا. ولكن في مجالات أخرى ، سوف تكون التحذيرات من حدوث إعادة تنظيم زلزالية للاقتصاد العالمي والنظام المالي واسعة النطاق.
وعلى سبيل المثال، سوف يكون للطابع المدفوع سياسيا للتقسيم تأثير كبير على ظروف التشغيل بالنسبة للشركات الأمريكية والأوروبية في تلك القطاعات الأكثر تعرضا للقيود على التجارة، مثل قطاعي التكنولوجيا والأدوية. وسوف تعمل كل الشركات والمستثمرون في ظروف مختلفة تقوم فيها الاعتبارات الجيوسياسية بدور أكبر في القرارات الخاصة بتخصيص الموارد.
انتقال الانتاج
ولكن مسألة انتقال الانتاج إلى مواقع بديلة من المرجح أن تشمل فقط تصنيع السلع التي تعتبر ذات أهمية استراتيجية. وربما يشمل هذا السلع التي بها مكونات أساسية تكنولوجياً أو ذات خواص ملكية فكرية أو كليهما: مثل هواتف آي فون المحمولة، أوالأدوية، أو المنتجات الهندسية عالية الجودة.
والأكثر من ذلك، هو أنه في الحالات التي ينتقل فيها الانتاج فعلا، من المحتمل أن يكون ذلك إلى مراكز أقل تكلفة تتوافق بوضوح أكثر مع الولايات المتحدة. ولن تكون هناك"إعادة تأهيل" كبيرة لوظائف التصنيع.
وفي داخل هذه العملية، سوف تكون هناك ارتباطات في مجال التجارة وليس قطعها . وسوف يسفر هذا عن تسطح في نصيب التجارة في إجمالي الناتج المحلي العالمي في السنوات المقبلة وليس انكماشا تاما، كما يتم توقعه في ظل محاولات كثيرة لتقدير التأثير المحتمل لتفكيك العولمة.
ويقول شيرينج إنه سوف يكون هناك عنصر مالي أساسي بالنسبة للتفكيك العالمي ، ولكن مرة أخرى، من المحتمل أن تكون التأثيرات أقل حدة مما تتوقعه المناقشات الحالية. إذ من المحتمل أن تصبح الارتباطات المالية عبر الحدود أكثر تباطؤً، وسوف يكون إجمالي المطالبات عبر الحدود ثابتا بالنسبة لإجمالي الناتج المحلي العالمي. ولكن بينما أعقب الفترة الأولى من العولمة في سبعينيات القرن التاسع عشر تراجعا كبيرا في تدفقات رأس المال العالمي أثناء أعوام ما بين الحروب، ليس من المحتمل حدوث نفس الشىء الآن.
وبالمثل ، بينما سيؤدي الانقسام المالي إلى تأجيج تكهنات متزايدة حول دور الدولار كعملة الاحتياطي في العالم، تعتبر التقارير عن نهايته الوشيكة مبالغا فيها. فسوف تدفع الصين بصورة متزايدة شركائها للتعامل في تجارتهم بالعملة الصينية الرينمنبي، لكن هناك عوامل رئيسية تشير إلى أنه ليس من المحتمل أن يتنافس الرينمنبي جديا مع وضع الدولار. ومن أهم هذه العوامل أنه رغم أن حجم التجارة بين الصين وشركائها يتزايد، ما يزال ذلك يمثل فقط 6% من حجم التجارة العالمية.
واختتم شيرينج تقريره بالقول إن الاقتصاد العالمي يشهد انقساما وليس تفكيكا للعولمة: ولن تتراجع التدفقات العالمية للسلع، والخدمات ورأس المال بشكل كلي وفي بعض المجالات سوف يزداد التكامل عمقا. ولكن مع عودة الجغرافيا السياسية إلى مقعد القيادة، سوف تكون الظروف الاقتصادية غير مضمونة بصورة أكبر مع تكيف العلاقات التجارية مع اقتصاد عالمي ذي شعبتين.
