No Image
الاقتصادية

حرب طاحنة للسيطرة على صناعة السيارات الصينية

26 سبتمبر 2025
26 سبتمبر 2025

الإيكونومست- ترجمة قاسم مكي

أثناء معرض ألمانيا الكبير للسيارات في ميونيخ والذي استمر حتى منتصف هذا الشهر هَيْمَنت شركات السيارات الألمانية الرئيسية على المركز التاريخي للمدينة. فأمام مبنى الأوبرا بمعماره الكلاسيكي الجديد عرضت بي إم دبليو سيارتها الكهربائية الجديدة "آي اكس 3". وفي ريزيدينز وهو قصر يعود الى عصر النهضة عرضت مرسيدس- بينز سيارتها المحسَّنة "جي ال سي". وكلتاهما من فئة الدفع الرباعي. لكن في صالات العرض الرئيسية بضواحي المدينة نُسِيَ التاريخ. فقد تفوقت شركات السيارات الكهربائية الصينية الشابة على الحرس القديم المحلي (الشركات الألمانية العريقة) كَمَّا ونوعا. عرضت الشركات الصينية بي واي دي وإكس بنج وشانجان ودونج فينج سيارات كهربائية بتقنية متقدمة وأسعار أقل من الموديلات الغربية و أعلنت عن توسعات تجعل من الواضح أن أوروبا هي الهدف الرئيسي لموجة صادراتها الى العالم.

لكن فورة حماس شركات السيارات الصينية في أوروبا تتباين بشدة مع متاعبها المحلية في الصين حيث تحتدم حرب أسعار لأكثر من عامين بسبب الطاقة الإنتاجية الزائدة والمزمنة لصناعة السيارات هناك.

رعاية حكومية

تعود جذور المشكلة الى نجاح الحكومة الصينية في حضانة شركات سياراتها ثم دفعها الى صدارة صناعة السيارات العالمية. لقد أدركت الحكومة قبل 15 سنة مضت أن شركاتها لا يمكنها المنافسة مع سيارات محركات الاحتراق الداخلي الأجنبية ولكن صناعة السيارات الكهربائية قد تزدهر في السوق الداخلية التي تشهد حراكا سريعا إذا تم تعزيزها بقدر كافٍ من الدعومات المالية والمساعدات الأخرى. وكانت النتيجة تصاعدا في الاستثمار وظهور عشرات الشركات الجديدة وسوق صينية من المرجح أن تشكل السيارات الكهربائية ما يصل الى 60% من مبيعاتها في هذا العام.

تخوض الآن 130 شركة محلية قتالا من أجل الفوز بالمبيعات على الرغم من أن قلة منها تصنع السيارات بأعداد كبيرة. وإذا عملت مصانعها بكامل طاقتها لفترة 12 شهرا يمكن أن تنتج سيارات تصل الى ضعف عدد المشترين. نتيجة هذه الطاقة الإنتاجية الزائدة كانت نشوب حرب أسعار شرسة.

لقد هبط متوسط سعر السيارة بنسبة 19% خلال السنتين الماضيتين الى 165 ألف يوان (23 ألف دولار) وفقا لتقديرات بنك نومورا الياباني. وشهدت بعض الموديلات خصما في أسعارها لفترة محددة بنسبة حوالي 35%. وعلى الرغم من أن المبيعات لا زالت تنمو بمعدل من المتوقع أن يصل الى 7% في هذا العام الى حوالي 24 مليون سيارة إلا أن أرباح الشركات تتقلص أو خسائرها تزداد.

ففي أول خمسة أشهر من العام الحالي تراجع إجمالي صافي أرباح صناعة السيارات (بما في ذلك أرباح شركات السيارات الأجنبية) بنسبة 12% على أساس سنوي الى 178 بليون يوان، حسب المكتب الوطني للإحصاءات. وحتى الشركات المحلية الناجحة تعاني من ذلك. ففي النصف الأول من هذا العام هبط صافي أرباح شركة جيلي بنسبة 14%. وهي شركة خاصة تبلغ حصتها السوقية 10%.

ما يدهش أكثر أن "بي واي دي" وهي أكبر شركة لصناعة السيارات في الصين سجلت في الأول من سبتمبر هبوطا في صافي أرباحها بنسبة 30% في الربع الثاني من العام على الرغم من نمو إيراداتها بنسبة 14%. كما يعاني الموردون أيضا. فقد ذكر بعضهم أنهم أوقفوا أعمالهم مع تأخير شركات صناعة السيارات سداد مدفوعاتها لفترات تصل الى ستة شهور.

كما تتعرض الشركات الأجنبية التي تصارع أصلا لمواكبة سرعة شركات السيارات الصينية في الابتكار إلى ضغوط أيضا. كانت هذه الشركات في وقت ما تهيمن على السوق الصينية. لكن حصة العلامات المحلية ارتفعت من 34% في عام 2020 الى 69% في الأربعة أشهر الأولى من العام الحالي، وفقا لرابطة مصنِّعي السيارات في الصين. لقد سرَّعت حرب الأسعار التراجع في أداء الشركات الأجنبية. ويقول عنها باتريك هومل المحلل ببنك يو بي إس إنها "لا يمكنها المنافسة في حرب أسعار مع الشركات المحلية".

خسائر فادحة

الحكومة قلقة من الخسائر الضخمة في صناعة السيارات التي تعرِض فيها الصين قدراتها التقنية للعالم. ففي شهر مايو أشعلت خصومات أخرى في الأسعار بواسطة شركة بي واي دي جولة أخرى من التخفيضات. وهذا ما أثار شكاوى عبر وسائل الإعلام الحكومية والأجهزة المعنيَّة بصناعة السيارات من الهَدْر "نييخوان" أو التنافس المفرط والمدمر.

ففي يونيو استدعى المسئولون مُصنّعي السيارات إلى بكين لإبلاغهم بإنهاء تخفيضات الأسعار وتسريع سداد مستحقات الموردين. وتعهدت شركات كبيرة وعديدة بسدادها خلال 60 يوما.

مع ذلك لا يبدو أن هناك نهاية لذلك. ويعتقد مسؤول تنفيذي بشركة سيارات غربية في الصين أن انخفاض الأسعار سيتواصل. وفعلا منذ صدور المناشدات بوقف الخصومات استمر خفض الأسعار رغم أنه كان على نحو أقل وضوحا. ويشير ستيفن دايار المحلل بشركة اليكس بارتنرز الاستشارية في هذا الصدد الى الحوافز التي تقدمها الشركات مثل التأمين المجاني والتمويل بفائدة صفرية (بدون فوائد) وشحن البطاريات بلا مقابل. تقول ستيلا لي المسؤولة التنفيذية بشركة بي واي دي أن هنالك حاجة إلى التخلص من عدد كبير جدا يقارب المائة من شركات السيارات. وحتى إذا بقيت 20 شركة في هذه الصناعة قد يكون ذلك العدد أكبر من اللازم.

ليس هنالك ما يشير الى أن مثل هذا "التخلص" من المنافسين سيكون قريبا. لقد حاولت الحكومة منذ فترة طويلة "هندسة" اندماجات للشركات الكبيرة المملوكة للدولة. ففي عام 2018 راجت شائعات حول اندماج بين شركات شانجان وفاو ودونج فينج. وفي وقت مبكر من هذا العام أخفقت خطة لدمج شركتي شانغان ودونج فينج. فلم يكن أي من إقليمي الشركتين مستعدا لكي يكون الأقل حظا في الصفقة وتحمُّل وطأة خسائر الوظائف التي تنجم عنها والتنازل عن النشاط الاقتصادي والإيرادات الضريبية التي تتولد عن شركات السيارات الكبيرة. ولا تستعذب الحكومة المركزية النزاعاتِ مع القادة المحليين لفرض الإندماجات.

وعلى الرغم من إفلاس بضع شركات ناشئة ستواصل أعداد كبيرة من شركات السيارات الصغيرة والخاسرة مسيرتها المتعثرة. وكان قد أغراها للدخول في هذه الصناعة ازدهارُها في العشرية الثانية وتوافرُ الائتمان الرخيص والحوافز السخية.

فمثل هذه الشركات أيضا توجِد وظائف وتجلب الثناء لقادة الحزب المحليين الذين سيفعلون أي شيء لكي يحافظوا على مشاريعهم المُدلَّلة. ومن المستبعد أن تجد لها مشترين. فليست هنالك شركات سيارات على استعداد للاستحواذ على علامات غير معروفة خارج إقليمها أو إضافة طاقة إنتاجية.

قد تضغط السلطاتُ المركزية الحكوماتِ المحلية لوقف تمويل هذه الشركات. وقد لا يكون في مقدور بعضها الاستمرار في خفض الأسعار. لكن تُو لِي المؤسس والمدير التنفيذي لشركة تْشاينا اوتو انسايت الاستشارية يقول "الشركات الرديئة لا تخرج من الصناعة بسرعة كافية."

ربما تجعل حرب الأسعار الشركاتِ الأقوى أكثر قوة. فالشركات الرائدة مثل بي واي دي وشيري وجيلي والشركات الناشئة من شاكلة اكس بنغ ولي اوتو تحقق أرباحا أو قريبة من ذلك. وشركات التقنية كهواوي وشياومي اتجهت الى صناعة السيارات ونجحت في ذلك. وكما أشار مراقب خبير يمكن لأفضل الشركات تعديل هياكل تكاليفها لكي تتناسب مع خفض الأسعار بشكل دائم.

تحوُّل الى التصدير

إلى ذلك، اتجهت شركات عديدة أخرى الى التصدير سعيا وراء هوامش ربحية أكبر. ففي الفترة بين عامي 2021 و2024 زاد عدد السيارات التي صُدِّرت الخارج إلى أربعة أضعاف مما جعل الصين تتخطى اليابان وتصبح أكبر مُصدِّر للسيارات في العالم، وفقا لشركة الأبحاث روديوم جروب. وفي الشهور الستة الأولى من هذا العام قاربت الصادرات 3.5 مليون سيارة بزيادة بلغت 18% مقارنة بعام 2024.

ولاتزال أوروبا المقصد الرئيسي لصادرات السيارات الكهربائية الصينية على الرغم من الرسوم الجمركية العالية التي فرضها الاتحاد الأوروبي في عام 2024 لمواجهة ما يعتبرها منافسة غير عادلة. ففي النصف الأول من هذا العام شكلت العلامات الصينية 5.2% من مبيعات السيارات في أوروبا الغربية ارتفاعا من 3.1% في العام السابق، حسب شركة الأبحاث "شميدت اوتوموتف ريسيرش". فالشركات الصينية التي صقلتها المنافسة الشرسة في السوق المحلية يمكنها تحمُّل رسوم الاتحاد الأوروبي.

في تباين مع ذلك، شركات السيارات الأجنبية التي تعتمد على الصين كمصدر للأرباح تجد نفسها في محنة. فشركتا فورد وجنرال موتورز الأمريكيتان والمحميتان في السوق المحلية برسوم جمركية بنسبة 100% تواجهان احتمال انحسار وجودهما في الصين. وشركة تويوتا اليابانية التي كان أداؤها أفضل من معظم الشركات الأخرى تتخلى أيضا عن جزء من حصتها في السوق الصينية. ونيسان في تراجع متسارع. فالشركات الأوروبية تخسر المنافسة في الصين فيما تحقق الشركات الصينية تقدما في أسواق أوروبا. وسيُجبر استمرارُ حرب الأسعار أفضلَ الشركات على أن تكون أكثر رشاقة وأكثر كفاءة وابتكارا. ذلك يعني أن الشركات الصينية الأقوى ستزدهر في الداخل والخارج.