الاقتصادية

تغيرات المناخ تعزز آفاق نمو الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر

03 نوفمبر 2022
ملف يتصدر اهتمام العالم
03 نوفمبر 2022

تدعم الطاقة المتجددة آفاق التوظيف وكل دولار يتم استثماره ينتج ثلاثة أضعاف الوظائف المستحدثة في قطاع الوقود التقليدي

رغم الطفرة الحالية في الأسعار يبدي عديد من منتجي النفط اهتماما متزايدا بالطاقة المتجددة لتعزيز النمو وتجنب تقلبات الأسعار

يسعى العالم لخفض الانبعاثات الضارة بمقدار النصف تقريبا بحلول 2030 والوصول بها إلى مستوى الصفر في 2050

يتفاءل الخبراء بنمو مشروعات الهيدروجين في ظل تقدم تقني يتيح التغلب على تحديات الإنتاج

تقرير - أمل رجب

تدفع أزمة الطاقة الحالية دول العالم لاهتمام غير مسبوق بمختلف مجالات الطاقة المتجددة التي تمثل مستقبلا أكثر أمانًا واستدامة لتوفير الطاقة على كوكب الأرض، وخفض الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية مثل الفحم والنفط والغاز والتي تعد من أهم أسباب تغير المناخ في العالم كما تعتبر أيضًا من الموارد الطبيعية الناضبة.

وتسهم مصادر الوقود التقليدية بأكثر من 75 بالمائة من انبعاثات الغازات الضارة عالميًا وحوالي 90 بالمائة من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وفق دراسات منظمة الأمم المتحدة، والتي تتبنى أهدافا طموحة للتنمية المستدامة لتجنب أسوأ آثار لتغيرات المناخ يمر بها كوكب الأرض مما يتطلب خفض الانبعاثات الضارة بمقدار النصف تقريبًا بحلول عام 2030 والوصول بها إلى مستوى الصفر بحلول عام 2050.

يتطلب تحقيق ذلك فعليا استثمار حوالي 4 تريليونات دولار سنويًا في قطاعات الطاقة المتجددة حتى عام 2030 - لاسيما في التكنولوجيا والبنية الأساسية - حتى تصل الانبعاثات إلى مستوى الصفر بحلول عام 2050، ورغم هذه الكلفة المرتفعة للاستثمارات إلا أنها تعد صغيرة نسبيا إذا ما تم مقارنتها بالخسائر الفادحة التي أصبحت تسببها الأعاصير والسيول والكوارث الطبيعية التي نتجت عن تغير المناخ فضلًا عن التبعات التي لا يمكن تعويضها بأي مقابل مادي؛ نظرا لتغير مناخ كوكب الأرض.

تسعى كثير من الدول لتقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري والاستثمار في مصادر بديلة للطاقة تكون نظيفة ومستدامة وموثوقة، وقد شهدت العقود الماضية توسعًا جيدًا في طاقات توليد الطاقة بالرياح والطاقة الشمسية، وحاليا يعد الهيدروجين الأخضر من أهم المشروعات الواعدة في قطاع الطاقة المتجددة، ويبدي الكثير من الخبراء تفاؤلًا بأن حجم هذه المشروعات مؤهل للنمو بشكل كبير خلال السنوات المقبلة خاصة في ظل التقدم التقني الذي يتيح التغلب على تحديات الإنتاج ومنها الكلفة المرتفعة ووسائل نقل الطاقة.

وقد ظل توليد طاقة الهيدروجين في السوق موجودًا بالفعل طوال عقود من الزمان ولكنه لم يكن قادرًا على تحقيق انتشار فعلي في أسواق الطاقة، ويرجع ذلك أساسًا إلى مجموعة من المشكلات الفنية والتكلفة المرتفعة للإنتاج، والآن أصبح الطريق نحو إنشاء بنية أساسية فعلية للهيدروجين الأخضر، واضح نسبيًا إذ تتراجع تكاليف رأس المال المرتبطة بعمليات التحليل الكهربائي الضرورية للإنتاج، كما يلوح في الأفق تقدم جيد للوصول إلى الطاقة المتجددة الرخيصة عبر توليد الهيدروجين من الماء وبيع الطاقة الناتجة بكلفة تنافسية، ومع تقدم تقني متلاحق وسريع يشهده العالم في كافة المجالات يمكن أن تتحول الطموحات الخاصة بزيادة تنافسية إنتاج الطاقة عبر خفض كلفتها إلى واقع قريبا، وهناك تجارب فعلية شهدها العالم في هذا المضمار خاصة الطاقة الشمسية والرياح، إذ انخفضت تكلفة الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية بنسبة 85 في المائة بين عامي 2010 و2020. وانخفضت تكلفة طاقة الرياح البرية والبحرية بنسبة 56 بالمائة و48 بالمائة على التوالي، ويعتقد الخبراء الآن أن اقتصاد الهيدروجين جاهز للانطلاق، حيث اعتبرت دراسة لبنك جولدمان ساكس الاستثماري أن حجم صناعة توليد الهيدروجين يمكن أن ينمو إلى تريليون دولار سنويًا بمجرد توافر البنية الأساسية الملائمة للإنتاج.

وفي إطار الاهتمام باحتواء مخاطر التغير المناخي، وضمن خططه لإنهاء الاعتماد على الوقود الروسي، تعهد الاتحاد الأوروبي بخفض واردات الغاز الروسي بنسبة الثلثين بحلول نهاية العام، ويضاعف رهانه على مصادر الطاقة الخضراء من خلال زيادة إنتاج الهيدروجين المتجدد.

يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى إنتاج 10 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر، واستيراد كمية مماثلة أيضًا من الخارج بحلول نهاية العقد الحالي، وأعلن الاتحاد الأوروبي مؤخرًا عن دعمه لمشروع طاقة هيدروجين بقيمة 14 مليار دولار للمساعدة في خفض انبعاثات الكربون، ويشمل المشروع تقديم 5 مليارات دولار من الدعم لمساعدة 15 دولة في إنتاج الهيدروجين، ويتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات متسارعة نحو استخدام الهيدروجين في أرجاء المنطقة الأوروبية بهدف إزالة انبعاثات الكربون من الصناعات الثقيلة الأوروبية، ويقود هذا الدعم للهيدروجين الأخضر لإنشاء نحو أربعين مشروعًا إضافيًا من شأنها أن تساعد على دعم البنية الأساسية للهيدروجين.

من جانب آخر، ورغم الطفرة الحالية في أسعار الطاقة، تبدي عديد من الدول المنتجة للنفط اهتماما متزايدا بمجالات الطاقة المتجددة والهيدروجين بهدف تحقيق استدامة الطاقة وزيادة نطاق التنويع الاقتصادي وتجنب التقلبات غير المتوقعة في أسعار النفط مع تعزيز مستهدفات النمو الاقتصادي المستدام، كما تدعم الطاقة المتجددة آفاق التوظيف وتوفير فرص العمل الجديدة حيث تؤكد منظمات التنمية أن كل دولار يتم استثماره في مصادر الطاقة المتجددة ينتج ثلاثة أضعاف الوظائف المستحدثة في قطاع الوقود التقليدي.

وفي منطقة الشرق الأوسط، أعلنت العديد من دول المنطقة عن خطط طموحة لمشروعات الهيدروجين الأخضر، وتندرج سلطنة عمان ضمن الدول التي تعطي أولوية كبيرة لهذه المشروعات بهدف التحول إلى واحدة من أكبر مصدري الطاقة في العالم، وقد أعلنت وزارة الطاقة والمعادن مؤخرًا إطلاق الفرص والحوافز للاستثمار في قطاع الهيدروجين، وتحديد مناطق استثمار الهيدروجين الأخضر المستهدفة بالتنسيق مع الجهات المعنية والأطراف ذات العلاقة لتحضير الحزمة الأولى للطرح على المستثمرين، واتخذت سلطنة عمان خطوات مهمة نحو تسريع إجراءات تنظيم قطاع الهيدروجين ووضع الأطر القانونية والسياسات اللازمة لنموه وتخصيص المواقع المناسبة لإنتاجه؛ تعزيزًا لجذب الاستثمارات والعمل على توطين هذه التقنية وإعداد الدراسات اللازمة لها، وذلك لمواكبة التحولات العالمية نحو الحد من انبعاثات الكربون وللاستفادة من الاستخدامات الواسعة للهيدروجين التي تسهم في تنويع مصادر الطاقة وخفض الانبعاثات الكربونية وتعزيز النمو الاقتصادي، وتستهدف سلطنة عمان الوصول إلى مليون طن من إنتاج الهيدروجين بحلول عام 2030.

ويشار إلى أنه في الوقت الحالي يجري إنتاج نحو 120 مليون طن من الهيدروجين سنويًا، معظمه باستخدام الغاز والفحم الأحفوري ولذلك يقدم التقدم التقني فرصًا عظيمة لإنتاج الهيدروجين بالماء حسب تقرير إمدادات الهيدروجين العالمي لعام 2021 الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، ويتم استخدام الهيدروجين الأخضر حاليا في إنتاج الأمونيا والميثانول، وهناك العديد من مشروعات الأمونيا الخضراء القائمة بالفعل ولها سوق جيد، كما أن هناك مشروعات عديدة للأمونيا الخضراء في المراحل الأولى من التطوير، كما تعد صناعة المصافي وتكرير النفط من أهم المجالات التي يمكن أن تستخدم الهيدروجين الأخضر أو الأزرق وهو ما يوسع من أفاق التسويق وفتح الأسواق لهذا المصدر الواعد لإنتاج الطاقة المتجددة.

ومن الجدير بالذكر أنه بينما تتوافر مصادر الطاقة المتجددة في جميع بلدان العالم، لم يتم حتى الآن الاستغلال الأمثل للإمكانات التي تقدمها الموارد الطبيعية في إنتاج الطاقة المتجددة، وترى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة أن 90 بالمائة من كهرباء العالم يمكن، وينبغي أن تولد من الطاقة المتجددة بحلول عام 2050.