المشاريع والمناقصات الحكومية تفتح آفاقا أوسع لنهوض قطاع ريادة الأعمال
مكنت هيئة المشاريع والمناقصات والمحتوى المحلي المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من الحصول على فرص أوسع في العقود الحكومية، في إطار توجه سلطنة عُمان نحو النهوض بهذا القطاع الحيوي الذي يعد ركيزة أساسية في بنية الاقتصاد الوطني، ومصدرًا لتوليد فرص العمل وتنمية المشاريع الوطنية، بما يتوافق مع مستهدفات "رؤية عُمان 2040"، وقد تزايد الاهتمام بدعم رواد الأعمال خلال الفترة الماضية، حيث تم إطلاق حزمة من المبادرات والتشريعات، كان أبرزها السياسات المحفزة التي تبنتها هيئة المشاريع والمناقصات والمحتوى المحلي، والتي تضمنت إعفاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من رسوم التسجيل والتأمين المؤقت، وخفض رسوم شراء مستندات المناقصات، إلى جانب إسناد جزء من الأعمال الحكومية مباشرة لهذه المؤسسات.
وانعكست هذه الجهود في ارتفاع عدد المؤسسات المستفيدة من العقود الحكومية إلى 370 مؤسسة خلال الفترة بين 2022 و2024، بما يمثل نحو 15% من إجمالي المؤسسات المسجلة، وأكد مسؤولون ورواد أعمال في تصريحات لـ "عُمان" أن توسيع مشاركة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في العقود الحكومية يمكن أن يسهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي بما يتراوح بين 0.5% إلى 1.5% سنويًا، إضافة إلى تعزيز التنافسية، وتقليل الاعتماد على الواردات، وبناء سلاسل توريد محلية متكاملة تعزز قدرة الاقتصاد الوطني على الصمود أمام التحديات العالمية.
التسهيلات الحكومية
وقال المهندس غالب بن عامر الهنائي رئيس المكتب الوطني للمحتوى المحلي بهيئة المشاريع والمناقصات والمحتوى المحلي: إن الهيئة تعمل على تمكين دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها رافدًا أساسيًا للاقتصاد الوطني، وتم تبني عدد من الإجراءات المحفزة خلال الأعوام الماضية لتسهم في تعزيز فرص هذه المؤسسات للدخول إلى السوق والمنافسة على العقود والمناقصات الحكومية.
وأوضح أن عدد المؤسسات المسجلة لدى الهيئة بلغ نحو 2400 مؤسسة تحمل بطاقة ريادة، من بينها 1600 مؤسسة صغرى، و730 مؤسسة صغيرة، و75 مؤسسة متوسطة، وهو ما يعكس تنامي الوعي لدى رواد الأعمال بأهمية التسجيل والاستفادة من التسهيلات الحكومية، مضيفًا إن هذه المؤسسات استفادت من باقة من الإجراءات مثل الإعفاء من رسوم التسجيل ورسوم التأمين المؤقت، إلى جانب خفض تكلفة شراء مستندات المناقصات، الأمر الذي خفف الأعباء المالية والإدارية وعزز فرصها في المنافسة.
وبين رئيس المكتب الوطني للمحتوى المحلي أن السياسات الحكومية الرامية لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تضمنت إسناد 10% من المشاريع الحكومية مباشرة لهذه المؤسسات، و10% إضافية عبر عقود المقاولين من الباطن، مما أسفر عن ارتفاع عدد المؤسسات المستفيدة من العقود الحكومية إلى 370 مؤسسة بين عامي 2022 و2024، أي ما يعادل 15% من إجمالي المؤسسات المسجلة.
وأضاف المهندس غالب الهنائي: إن الهيئة تنظر لهذه المؤسسات باعتبارها ركيزة أساسية في تعزيز القيمة المحلية المضافة وتوفير فرص عمل للمواطنين، وهي ماضية في تطوير أدوات تشريعية وتنظيمية جديدة مثل شهادة المحتوى المحلي والقائمة الإلزامية، بما يضمن عدالة المنافسة ويعزز حضور المؤسسات الوطنية في سلاسل التوريد الحكومية.
تمكين المؤسسات
وأشار الهنائي إلى أن المؤشرات الإيجابية المسجلة خلال الفترة الأخيرة تؤكد نجاح الجهود الحكومية في تمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وإدماجها في المشروعات والمناقصات؛ فقد بلغ عدد المؤسسات الصغرى المستفيدة من العقود الحكومية 230 مؤسسة تمثل 13.7% من إجمالي المؤسسات المسجلة، بينما بلغ عدد المؤسسات الصغيرة المستفيدة 130 مؤسسة بنسبة 17.8%، إلى جانب المؤسسات المتوسطة بنسبة استفادة بلغت 16.9%.
وأضاف: إن الهيئة لا تقتصر على دعم المؤسسات في القطاعات التقليدية مثل المقاولات والإنشاءات والصيانة، وإنما تسعى إلى فتح آفاق جديدة أمامها في قطاعات استراتيجية واعدة مثل الكهروميكانيكية، والاتصالات وتقنية المعلومات، وشبكات الأنابيب، والخدمات الهندسية والاستشارية، وهي قطاعات تشهد طلبًا متزايدًا في المشاريع الوطنية الكبرى، مؤكدًا أن الهيئة تعمل على تعريف رواد الأعمال بالمنصات الرقمية وتوسيع استخدامهم لها، وفي مقدمتها منصة "إسناد"، التي أصبحت أداة مركزية لطرح المناقصات وتتبع المشاريع.
زيادة الناتج المحلي
وأضاف مازن بن سيف المعولي المدير التنفيذي لشركة أحلام سمد للتجارة والمقاولات: إن رفع نسبة مشاركة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المناقصات الحكومية يمكن أن يسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تقدر بين 0.5% و1.5%، وذلك من خلال تعزيز النمو الاقتصادي، وخلق فرص عمل جديدة، وتحفيز الابتكار، خاصة إذا ترافق ذلك مع دعم حكومي فعّال وتشريعات وتسهيلات ملائمة.
وأوضح أن توسيع حصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المشاريع الحكومية يؤدي إلى رفع معدلات التوظيف، عبر استحداث فرص عمل جديدة وزيادة استيعاب الكفاءات الوطنية، حيث تميل هذه المؤسسات إلى تفضيل التوظيف المحلي، مما يسهم في خفض نسب البطالة وتنمية المهارات الوطنية.
وأشار المعولي إلى أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تسهم كذلك في تقليل الاعتماد على الواردات من خلال توفير إنتاج محلي بديل، وهو ما يعزز الاكتفاء الذاتي ويحد من العجز التجاري، إلى جانب دورها في تحفيز الابتكار عبر تطوير حلول جديدة، ونقل المعرفة والتقنيات الحديثة من خلال الشراكات، واستقطاب الخبرات، وتبني التكنولوجيا التي تتناسب مع احتياجات السوق المحلي.
وأكد أن التجارب الدولية الناجحة أثبتت أهمية السياسات الداعمة، حيث اعتمدت الولايات المتحدة قانونًا يُلزم الحكومة بتخصيص 23% من عقودها للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بينما وفرت سنغافورة دعمًا ماليًا وفنيًا لتمكين هذه المؤسسات من المشاركة في المناقصات؛ وهذه التجارب تؤكد أن التشريعات والتسهيلات والدعم الفني عناصر أساسية لرفع مستوى مشاركة المؤسسات في المشاريع الحكومية.
كما أكد أن المشاريع والمناقصات تمكن رواد الأعمال من بناء سلاسل توريد محلية متكاملة، ما يعزز الأمن الاقتصادي في مواجهة الأزمات العالمية، ويقوي قدرة الاقتصاد الوطني على الصمود.
وحول المنصات الرقمية، أوضح المعولي أن منصة "إسناد" تؤدي دورًا بارزًا في تعزيز الشفافية وتسهيل التنافس الإلكتروني بين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مشيرًا إلى أن تطوير المنصة يمكن أن يشمل إضافة برامج تدريبية ودعم فني، إلى جانب أدوات لتحليل الأداء وتصنيف الفرص، بما يرفع من كفاءة هذه المؤسسات ويعزز مساهمتها في المشاريع الحكومية.
الأثر الاقتصادي
من جانبه، قال أحمد بن سعيد الشنفري الرئيس التنفيذي لشركة التطوير العصرية للتجارة والمقاولات: إن رفع نسبة مشاركة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المشاريع والمناقصات الحكومية سيكون له أثر اقتصادي مباشر يتمثل في زيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة قد تصل إلى 2% سنويًا خلال الأعوام المقبلة، وهو ما ينعكس في عائد اقتصادي متنامٍ وأثر إيجابي شامل على الاقتصاد الوطني.
وأضاف: إن توسيع حصة هذه المؤسسات في المناقصات الحكومية يعني خلق فرص عمل جديدة في مختلف القطاعات، من الخدمات إلى الصناعات، لا سيما أن هذه المؤسسات تميل إلى توظيف الكفاءات الوطنية بنسبة أعلى، ما يسهم في استيعاب المزيد من الشباب العُماني وتأهيلهم.
وأوضح الشنفري أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تؤدي دورًا مهمًا في تقليل الاعتماد على الواردات من خلال إنتاج وتوفير منتجات وخدمات كانت تُستورد سابقًا، الأمر الذي يعزز الاكتفاء الذاتي ويفتح المجال لتطوير صناعات محلية قادرة على المنافسة.
وأشار إلى أن هذه المؤسسات تتميز بمرونتها وقدرتها السريعة على تبني الأفكار والتقنيات الحديثة، ودخولها في المشاريع الحكومية يفتح المجال أمامها لتطبيق حلول مبتكرة ونقل المعرفة، ما يرفع مستوى الابتكار في السوق المحلي، وبين أن هناك تجارب دولية ناجحة يمكن الاستفادة منها، مثل تجربة كوريا الجنوبية التي دمجت الشركات الصغيرة والمتوسطة في الصناعات الكبرى عبر برامج الدعم والتسهيلات، وكذلك التجربة السنغافورية التي ربطت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالمشاريع الحكومية عبر التوجيه والمتابعة والتدريب المستمر.
وأكد الشنفري أن المناقصات الحكومية تمثل فرصة حقيقية لرواد الأعمال لبناء سلاسل توريد محلية متكاملة قادرة على الصمود أمام الأزمات العالمية، إذ إن العقود الحكومية تتيح لهم تكوين شبكة من الموردين المحليين بما يعزز المنظومة الإنتاجية الوطنية، موضحًا أن منصة "إسناد" أسهمت في توحيد إجراءات الطرح وزادت من فرص المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للوصول إلى المعلومات المتعلقة بالمناقصات، ما عزز الشفافية والمنافسة العادلة، واقترح إضافة خصائص جديدة لتعزيز دور المنصة، مثل تصنيف الفرص حسب حجم المشروع، وإتاحة برامج تدريبية للمؤسسات، إلى جانب دراسة الأسعار المقدمة واستبعاد غير المنطقية منها لضمان عدالة أكبر وجودة أعلى في التنفيذ.
آفاق للمساهمة في الاقتصاد
من جانبه، قال هلال بن سالم السعدي الرئيس التنفيذي لشركة قلاع الملدة للتجارة والمقاولات: إن زيادة إسناد المشاريع والمناقصات الحكومية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة سوف تفتح آفاقًا واسعة للمساهمة في رفد الاقتصاد الوطني ورفع نسبة دخل الفرد، موضحًا أن توسع مشاريع هذه المؤسسات سوف يعزز من حدة المنافسة الإيجابية، ويخلق اقتصادًا محليًا متوازنًا يقوم على توزيع عادل للحصص في المناقصات المطروحة.
وأضاف السعدي: إن تمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من المشاركة في المشاريع الحكومية والخاصة يوفر فرص عمل جديدة للمواطنين، مشيرًا إلى أن هذا القطاع يتمتع بقدرة كبيرة على خلق وظائف متنوعة تلبي احتياجات مختلف شرائح المجتمع.
وأكد أن دعم هذه المؤسسات لا يقتصر على الجانب التشغيلي فحسب، بل يشمل أيضًا تطوير منتجات وخدمات متعددة تسهم في تنويع مصادر الدخل الوطني، وتلبي الطلب المتزايد في السوق المحلي، مع تعزيز تنافسية منتجات سلطنة عُمان في الأسواق الإقليمية.
وأشار إلى أن تحفيز رواد الأعمال على التوسع في المشاريع النوعية سوف يمنح القدرة على تقديم حلول مبتكرة ومستدامة، مع أهمية الاستمرار في تقديم الدعم الفني والدعم المالي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، سواء عبر برامج التمويل أو المبادرات التدريبية، بما يضمن استدامة أعمالها، ويرفع مستوى جاهزيتها للمنافسة، ويسهم في تحقيق أهداف "رؤية عُمان 2040" الرامية إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام قائم على المعرفة والإبداع.
