تحديد ميناء الدقم لتصنيع وتصدير الهيدروجين
تحديد ميناء الدقم لتصنيع وتصدير الهيدروجين
الاقتصادية

الطاقة المتجددة في سلطنة عمان تفتح آفاقا واعدة لاقتصاد المستقبل

01 يناير 2022
استثمارات واسعة النطاق لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء بالدقم
01 يناير 2022

  • "الطاقة والمعادن": موقعنا الجغرافي والظروف المناخية يساهمان في تخفيض تكلفة مشاريع الهيدروجين

يتجه العالم اليوم إلى الطاقة المتجددة ليس فقط للتصدي لتغير المناخ وإنما لخلق فرص اقتصادية جديدة، وخلال الأعوام العشرة الماضية ارتفعت الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة وأصبح العالم مستعدا للتحول إلى الطاقة المتجددة كبديل ومساند للوقود الأحفوري. وتضع سلطنة عمان أهدافًا طموحةً لزيادة مساهمة مشاريع الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الخاص بها، كجزء من مسؤولياتها لدعم مكافحة التغيير المناخي وتنويع اقتصاداتها وتلبية للزيادة المتوقعة في الطلب المحلي على الطاقة. وتسعى وزارة الطاقة والمعادن إلى وضع وتنفيذ الدراسات والخطط والسياسات الكفيلة بتحقيق الاستغلال الأمثل للطاقة والاهتمام بتنمية مشروعات الطاقة المتجددة في مختلف المحافظات وتعزيز إسهاماتها بنسبة 11 بالمائة من إنتاج الطاقة بحلول عام 2023م إلى جانب توفير 30 بالمائة من حاجتها من الكهرباء عبر مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030م.

وتنامى خلال العام المنصرم الاهتمام بالإمكانيات التي يحملها الهيدروجين كمصدر طاقة صديق للبيئة، ومُمكن لخلق اقتصاد أخضر خال من الكربون ومن المتوقع أن يزداد الطلب عليه بحلول عام 2050 إلى أربعة أضعاف الحجم الحالي، ليصل إلى مستوى قياسي يبلغ 287 مليون طن. وتؤكد التقارير والدراسات الدولية على إن سلطنة عمان مقبلة على مشاريع مهمة في مجال الهيدروجين الأخضر، حيث صنفت شركة «كرانمور بارتنرز» العالمية، والمهتمة بقطاعي الطاقة والبنية الأساسية سلطنة عمان في المرتبة الثالثة عربيًا والـ 25 عالميًا في مؤشر التنافسية في مجال استثمار الهيدروجين.

وأوضحت وزارة الطاقة والمعادن في تصريحات خاصة لـ(عمان): أن ظروف عمان المناخية وموقعها الجغرافي يساهمان وبشكل فعّال في تخفيض التكلفة العامة لمشاريع الهيدروجين وأن هناك اهتماما دوليا للاستثمار في سلطنة عمان بسبب تواجد الموانئ والبنى التحتية الجاهزة التي تشجع على الاستثمار في مثل هذه المشاريع. مشيرةً إلى وجود بعض التحديات في اختيار التقنيات المناسبة في الإنتاج والتخزين والتي ما زالت قيد التطوير.

وحول تطلعات سلطنة عمان في هذا القطاع، قالت وزارة الطاقة والمعادن: استنادا إلى رؤية عمان 2040 التي تدعم تنويع مصادر الدخل في عدة صناعات فإن إنشاء اقتصاد الهيدروجين سوف يسهم في التقليل من الاعتماد على الغاز الطبيعي خصوصا في مجال توليد الطاقة والصناعات البتروكيماوية. وبالإشارة إلى المؤشرات الدولية في مجال الطاقة المتجددة فإن تكلفة التشغيل لديها سوف تنخفض بشكل كبير خلال السنوات القادمة ومن المتوقع من هذا القطاع الواعد أن يغطي الاحتياجات المحلية للطاقة بشكل تدريجي وذلك من أجل تقليل الاعتماد على مصادر طاقة غير مستدامة.

وتسعى الوزارة إلى المساهمة في تخفيض التكاليف التشغيلية لمشاريع الهيدروجين وذلك من خلال تكاتف القطاع الخاص والحكومي لتسهيل الاستثمار في هذا المجال وهو ما يتم التركيز والعمل عليه في الوقت الحالي. كما أشارت إلى الحاجة لوضع خطط مستقبلية وتعزيز التعاون الدولي من أجل إرساء موقع سلطنة عمان في السوق المحلي والعالمي في مجال الطاقة النظيفة والذي يشمل الهيدروجين.

وفي سبيل تحقيق ذلك، كانت الوزارة قد أسست في أغسطس المنصرم تحالفًا وطنيًا للهيدروجين باسم «هاي فلاي» يتألف من 13 مؤسسة رئيسية من القطاعين العام والخاص تشمل الهيئات الحكومية ومشغلي النفط والغاز والمؤسسات التعليمية والبحثية بالإضافة إلى الموانئ، التي ستعمل معًا على دعم وتسهيل إنتاج الهيدروجين النظيف ونقله والاستفادة منه محليًا وتصديره.

الهيدروجين يقود التحول الاقتصادي

ومن جانبه أكد عبدالرحمن اليحيائي، الرئيس التنفيذي للجمعية العمانية للخدمات النفطية "أوبال" في حديث لـ(عمان) أن الهيدروجين كمصدر طاقة صديق للبيئة سيغير من قواعد اللعبة للاقتصاد العماني والعالمي على حد سواء. وقال: إن الحاجة إلى التحول في مجال الطاقة أمر مفهوم ونشترك فيه جميعًا. وأعتقد أن الهيدروجين الأخضر لديه القدرة على أن يكون عامل تمكين قويا لهذا التحول في الطاقة، لأنه يوفر خيارًا نظيفًا ومستدامًا ومرنًا للتغلب على العقبات المتعددة التي تقف في طريق اقتصاد مرن ومنخفض الكربون.

وقال اليحيائي : إن سلطنة عمان تبذل جهودًا واضحة لتبني الهيدروجين الأخضر وتقنيات خلايا الوقود وتقوم بدراسات جدوى لإيجاد وتمكين المشاريع في هذا القطاع. وتعليقًا على التأسيس الأخير للتحالف الوطني للهيدروجين "هاي فلاي" قال اليحيائي: سيعمل التحالف على تسهيل إنتاج ونقل واستخدام الهيدروجين الأخضر للاستهلاك المحلي والتصدير، كما يهدف إلى الاستثمار في التكنولوجيا ووضع السياسات والخبرات عبر سلسلة توريد الهيدروجين بأكملها.

وأكد الرئيس التنفيذي لأوبال على دعم الجمعية للتحالف وجميع المبادرات المتعلقة بتنمية قطاع الهيدروجين الأخضر وذلك من خلال العمل عن قرب مع مجموعة "أوكيو" ومنصة "إيجاد" وهي المنصة التي تربط الأوساط الأكاديمية بالقطاع الصناعي، لتسهيل جميع ما يتعلق بالبحث والتطوير في مجال الطاقة المتجددة والهيدروجين بشكل خاص. وأضاف : إن وتيرة اعتماد الهيدروجين الأخضر كعامل يقود تحول الطاقة سيعتمد إلى حد كبير على المتغيرات والمتطلبات العالمية إضافة إلى استجابات المجتمع لتغير المناخ.

من الدقم إلى العالم

وقد برز خلال عام 2021 اهتمام عالمي كبير ومتزايد للاستثمار في طاقة الهيدروجين في سلطنة عمان خاصة في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، وذلك لموقعها الاستراتيجي الذي سيسهل نقل وتصدير هذه السلعة الواعدة إلى شتى مناطق العالم. وفي خطوة هي الأكبر من نوعها على صعيد المنطقة العربية، تعاونت المجموعة العمانية "أوكيو" مع مجموعة ديمي البلجيكية لإقامة مصنعٍ لإنتاج الهيدروجين الأخضر في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم باسم مشروع «هايبورت الدقم» على مساحة 150 كيلومترًا مربعًا وبطاقة استيعابية تتراوح ما بين 250 إلى 500 ميجاواط، ومن المخطط أن يبدأ تشغيله في عام 2026. كما قامت شركة ACME الهندية باستثمار واسع النطاق لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، بتكلفة استثمارية أولى تقدر بنحو 2.5 مليار دولار لإنتاج 2200 طن من الأمونيا الخضراء يوميا. وكانت الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة في عُمان قد أعلنت خلال 2021 عن تخصيص مساحة 150 كيلومترا مربعا، أي ما يعادل حوالي 21 ألف ملعب كرة قدم، في الدقم لتوليد الطاقة الشمسية لإنتاج الهيدروجين الأخضر.

الشمس ثروة مستدامة

ويعد موقع سلطنة عمان المميز، وكمية الإشعاع الشمسي الذي تتلقاه أحد أهم الممكنات لخلق وقيادة اقتصاد أخضر وخال من الكربون وداعم لتزايد الطلب المحلي على الطاقة. إن معدل الطاقة الشمسية الصادرة يوميا في بعض المواقع في سلطنة عمان، كولايتي منح وأدم، يصل إلى 6.5 كيلوواط ساعة للمتر المربع، وهو أكثر من ضعف المعدل المتوفر في أوروبا على سبيل المثال. ففي مساحة 150 كيلومترا مربعا فقط، يمكن لعمان أن تنتج ما يصل إلى 45 ألف جيجاواط ساعة من الطاقة الشمسية سنويًا.

وفي هذا الإطار، فقد شهد العام الماضي التشغيل التجاري لمحطة عبري للطاقة الشمسية الكهروضوئية بتكلفة تقدر بحوالي 150 مليون ريال، وتتألف المحطة من حوالي 1.4 مليون لوح شمسي ثنائي الوجه وتمتد على مساحة 13 مليون متر مربع بولاية عبري بمحافظة الظاهرة. وتعتبر محطة عبري 2 للطاقة الشمسية الكهروضوئية أكبر محطة من نوعها بسلطنة عمان وفي ذروة قدرة التوليد سيكون إنتاج المحطة كافيا لتزويد ما يقدر بحوالي 50 ألف منزل بالكهرباء وسيعوض 340 ألف طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويا، والمحطة مؤتمتة بالكامل ومن بين المشاريع الأولى بهذا الحجم التي تستخدم التنظيف الآلي على أجهزة التتبع أحادية المحور وسوف تستخدم مواد تعزيز الأشعة المنعكسة عن سطح الأرض لزيادة مقدار المحصلة النهائية من الطاقة المنتجة بالإضافة إلى توفير الطاقة النظيفة بكفاءة للشبكة الوطنية، وقد أضاف المشروع خلال فترة الإنشاءات قيمة اجتماعية واقتصادية ملموسة مع مراعاة المحتوى المحلي، ووفر لمجموعة من الشباب الخريجين فرص التدريب أثناء العمل وفرص العمل وفي جزء من سلسلة إمداد المشروع منحت شركة ناشئة محلية عقد إنشاء 6.4 ميجاوات من المحطة.

كما أعلنت الشركة العمانية لشراء الطاقة والمياه عن تدشين مشروعين للطاقة الشمسية في سلطنة عمان تحت مسمى محطة منح المستقلة للطاقة 1 و2 ، وسيتم بناء وتملك وتشغيل هذين المشروعين من قبل القطاع الخاص. ويتضمن نطاق العمل التمويل والتوريد والتصميم والبناء والتشغيل والصيانة. وسيتم بناء محطة منح المستقلة للطاقة 1 و 2 بموقعين متجاورين في محافظة الداخلية يبعدان عن محافظة مسقط بنحو 150 كم، وستبلغ طاقة التوليد لكل مشروع 500 ميجاواط. ويتوقع التشغيل التجاري في الربع الرابع من عام 2023 والربع الأول من عام 2024 على التوالي.

الرياح مصدر واعد

ولا يقتصر اهتمام سلطنة عمان على استكشاف فرص الاستثمار وتعظيم القيمة الاقتصادية لموردي الطاقة الشمسية والهيدروجين، حيث أبدت وزارة الطاقة والمعادن اهتماما بالغًا للاستثمار في طاقة الرياح والتي يستمر هبوبها على بعض مناطق سلطنة عمان بقوة تكفي لإنتاج الكهرباء لاسيما في أهم الولايات الساحلية مثل صور وجعلان بني بوعلي والدقم وشليم وسدح، وتعمل الوزارة على تقييم المواقع لمدة عام وعندها سيتم تحليل البيانات والعمل في المشروع لإنتاج الطاقة الكهربائية بسعة 200 ميجاوات، وقد تم الانتهاء من تقييم جعلان بني بوعلي والدقم وجار العمل لجمع بيانات باقي المناطق.

ويعد مشروع ظفار لطاقة الرياح أول مزرعة رياح ضخمة تدخل مرحلة التشغيل في دول مجلس التعاون الخليجي، ويتكون المشروع من 13 توربين رياح بقدرة إنتاجية تصل إلى 50 ميجاوات. وقد تم التشغيل التجاري للمشروع بنهاية عام 2019م. حيث تقام المحطة على مساحة إجمالية تزيد عن 1900 هكتار، وبتكلفة 100 مليون دولار أمريكي. وقد تم الانتهاء من ربط المشروع بشبكة الكهرباء الرئيسية. ومن المتوقع أن يغذي هذا المشروع 16 ألف منزل بالكهرباء.