No Image
الاقتصادية

اقتصاد المعرفة.. محرك للنمو والقدرة التنافسية

17 يوليو 2025
17 يوليو 2025

تشكل المعرفة المحرك الرئيسي للتنمية، والعنصر الأهم في بناء اقتصادات تنافسية قادرة على التكيّف مع متطلبات العصر، واستيعاب التغيرات المتلاحقة في التقنيات والاتجاهات العالمية. وتبذل سلطنة عمان جهودا حثيثة نحو هذا التوجه من خلال عدد من المبادرات الداعمة، حيث حققت أداءً ملحوظاً في مؤشرات الابتكار.

وفي هذا السياق، قدّمت الدكتورة شمسة بنت هلال الحجرية، المحللة بالمديرية العامة للسياسات والبرامج الاقتصادية بوزارة الاقتصاد، قراءة تحليلية شاملة لمسار عُمان نحو بناء اقتصاد قائم على المعرفة، واستعرضت خلال حوار مع جريدة «عمان» أبرز الفرص والتحديات، ومستوى الأداء الوطني في المؤشرات الدولية، فضلاً عن مدى تكامل السياسات التعليمية والاقتصادية لدعم هذا التحول المحوري.

وأكدت الحجرية أن التحول نحو اقتصاد المعرفة يتطلب بناء بيئة حاضنة للابتكار، وريادة الأعمال، والبحث العلمي، موضحةً أن اقتصاد المعرفة يقوم على إنتاج وتوزيع واستخدام المعرفة، ويعتمد بشكل كبير على الابتكار، والبحث العلمي، والتقنيات المتقدمة، وهي عناصر حاسمة في توليد النمو الاقتصادي المستدام وتحقيق التنويع الاقتصادي المنشود، كما شددت على أن مفهوم التمكين في هذا السياق يعني إتاحة الوسائل والفرص التي تعزز من استقلالية الأفراد والمجتمعات، وتمنحهم القدرة على اتخاذ قرارات تحقق نتائج إيجابية.

وأضافت أن الفرق الجوهري بين الاقتصاد التقليدي واقتصاد المعرفة يتمثل في أدوات النمو؛ حيث يعتمد الاقتصاد التقليدي على كثافة الأيدي والاستهلاك المتكرر للموارد، بينما يُمكّن اقتصاد المعرفة الأفراد والمجتمعات عبر أدوات مثل الابتكار، وتكافؤ الفرص، والسياسات المُحفِّزة، ما ينعكس على مؤشرات تؤشر إلى تحوّل الدول من الاعتماد على الموارد الأولية إلى اقتصاد عالي القيمة يقوم على المعلومات والابتكار.

وأشارت إلى إمكانية قياس مدى نضج الدول أو المؤسسات في تبني هذا النوع من الاقتصاد من خلال عدد من الركائز، من أبرزها: رأس مال بشري مؤهل في مجالات العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات، بالإضافة إلى مدى تشجيع التعلم مدى الحياة، وتوفر بنية أساسية قوية للبحث والتطوير، وتيسير الوصول إلى التقنيات والمختبرات، وقاعدة بيانات معلوماتية متقدمة.

وأضافت أن النظام البيئي المحفز لإنشاء الشركات الناشئة القائمة على المعرفة، مع توفر تشريعات تحمي الملكية الفكرية وتدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، يعد من العوامل الأساسية. وتشمل المؤشرات كذلك مدى فاعلية التعاون بين القطاع الأكاديمي والبحثي والحكومي، ومستوى الوعي المجتمعي الداعم للابتكار، وتكامل الأبعاد البيئية والاجتماعية في المنظومة الاقتصادية.

وذكرت الحجرية أن سلطنة عُمان تُحقق أداءً ملحوظًا في مؤشرات مخرجات الابتكار مقارنة بمؤشرات المدخلات، وهو ما يعكس وجود فجوة في الكفاءة تشير إلى عدم توجيه الموارد المتاحة بالشكل الأمثل. واستعرضت نتائج مؤشر الابتكار العالمي لعام 2024، حيث جاءت سلطنة عمان في المرتبة 66 عالميًا في ركيزة رأس المال البشري والبحوث، متراجعة من المرتبة 52 في عام 2023، ومن المرتبة 40 في 2022.

وفي ركيزة تطوير بيئة الأعمال، حققت سلطنة عُمان المرتبة 86 في 2024، متقدمة من المرتبة 95 في 2023 و97 في 2022. أما في ركيزة مخرجات المعرفة والتقانة، فقد تحسّن ترتيب سلطنة عمان لتصل إلى المرتبة 87 في عام 2024، مقارنة بالمرتبة 75 في 2023 و94 في 2022.

كما سلّطت الضوء على مؤشر جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي الصادر عن «أكسفورد إنسايت» بالتعاون مع المركز الدولي لتطوير البحوث، والذي صنّف سلطنة عُمان في المرتبة 50 عالميًا عام 2023 من أصل 181 دولة، متقدمة من المرتبة 52 في عام 2022، ما يعكس تحسّنًا في الجاهزية الرقمية وإن ظلّ هناك حاجة لتسريع التنفيذ. وأوضحت أن المؤشر يُقاس من خلال ثلاثة أبعاد رئيسية: الحكومة، قطاع التكنولوجيا، والبيانات والبنية الأساسية.

وشددت على أن اقتصاد المعرفة يمثل أولوية استراتيجية لسلطنة عمان لما له من قدرة على رفع التنافسية الاقتصادية، وتوفير مصادر جديدة للدخل، وتحسين جودة المنتجات والخدمات، وخفض التكاليف، وتكوين رأس مال معرفي يُعزز النمو. كما يسهم في خلق فرص عمل نوعية، وزيادة الصادرات ذات القيمة المضافة، والاستثمار في الكفاءات الوطنية القادرة على التكيّف مع المتغيرات العالمية المتسارعة.

وأوضحت أن «رؤية عمان 2040» تُعد خارطة طريق واضحة تعكس هذا التوجه؛ إذ تضع اقتصاد المعرفة وتمكين الشباب في صميم أولوياتها، إيمانًا بأن الاستثمار في العقول العمانية هو السبيل لبناء اقتصاد تنافسي ومتين.

وفيما يتعلق بالتحديات، بينت الحجرية أن سلطنة عمان، كغيرها من الدول، تواجه جملة من العقبات على طريق التحول إلى اقتصاد المعرفة. تبدأ هذه التحديات من الحاجة إلى تحديث المناهج التعليمية لتواكب متطلبات العصر الرقمي، وتصل إلى تحسين البنية الأساسية التقنية، ودعم المشاريع الناشئة، وتوفير فرص عمل جديدة في القطاعات المعرفية، بالإضافة إلى مشاركة الشباب في صنع القرار، وتطوير التشريعات ذات العلاقة.

وتطرقت إلى عدد من المبادرات العُمانية الداعمة لهذا التوجه، منها: الاستراتيجية الوطنية للابتكار، ومبادرات التحول الرقمي، والمركز الوطني للتشغيل لربط الشباب بالفرص الرقمية، وواحة المعرفة بمسقط التي تحتضن الشركات التقنية الناشئة، إلى جانب صناعة السليكون في صحار، وبرامج دعم البحث العلمي مثل «قمم» و«إيجاد».

وفي تقييمها للسياسات الوطنية الحالية، أشارت إلى أن سلطنة عمان تبذل جهودًا كبيرة لتطوير بيئة داعمة لاقتصاد المعرفة، لكنها بحاجة إلى تحديث مستمر لهذه السياسات لمواكبة التغيرات العالمية، داعية إلى تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والتركيز على كفاءة تنفيذ البرامج والمشاريع.

وفيما يخص دور الجامعات ومراكز البحث العلمي، أكدت أن عليها مسؤولية كبرى في تأهيل الشباب بما يتلاءم مع سوق العمل المعرفي، ونشر ثقافة الابتكار، وتقليص فجوة المعرفة الرقمية، وتعزيز العدالة المجتمعية. كما دعت إلى دمج مفاهيم ريادة الأعمال في المناهج الدراسية، وتوجيه البحث العلمي نحو الأولويات الوطنية، وتشجيع الشباب على المشاريع التصديرية ذات القيمة المضافة.

وأوضحت أن التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي يُعدان من أهم المحركات في تسريع التحول نحو اقتصاد المعرفة، وزيادة الإنتاجية، وإعادة هيكلة الصناعات التقليدية بما يتماشى مع بيئة الاقتصاد الرقمي، فضلًا عن دعم الشراكات الذكية بين المؤسسات.

أما فيما يتعلق بكفاءة مخرجات التعليم، فقد أكدت أن العمانيين يمتلكون قدرات عالية على التكيّف، إلا أن هناك حاجة واضحة لتطوير التعليم المهني والتقني، وتحويله إلى أداة فعالة لتعزيز المهارات والإبداع، مع تحسين جودة التعليم بشكل عام لتحقيق نتائج ملموسة.

وشددت على ضرورة تحفيز الشباب على الابتكار من خلال نشر ثقافة المعرفة، وتصميم برامج تدريبية توسع آفاقهم في الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة، وتوجيههم إلى القطاعات الاقتصادية الناشئة والمبتكرة.

واختتمت حديثها بالتأكيد على أن الاستثمار في رأس المال البشري هو الركيزة الأساسية لأي تحول ناجح نحو اقتصاد المعرفة، داعية إلى توفير بيئة محفزة للإبداع، وتحسين المهارات الحياتية، وتعزيز التعلم المستمر، بما يحقق تنمية متوازنة ومستدامة.

وفي هذا السياق، شددت على أهمية تمكين الشركات الناشئة بصفتها محركًا رئيسيًا للابتكار، مشيرة إلى ضرورة تقديم حوافز وتمويلات مرنة، وتحديث التشريعات، وتشجيع القطاع الخاص على نقل وتوطين المعرفة، وربط مخرجات التعليم باحتياجات السوق، وتطوير الصناعات المعرفية، بما يعزز من فرص التنويع والاستقرار الاقتصادي لسلطنة عُمان.